أصبح الآن من المعتاد فى المهرجانات الخليجية مثل «الدوحة» و«أبو ظبى» و«دبى» أن تشاهد الفيلم الذى ينتمى إلى دول المغرب العربى تصاحبه ترجمة إلى العربية، مثل الفيلم الجزائرى الرائع «طبيعى» للمخرج مرزاق علواش، الذى شاهدته فى مهرجان «الدوحة» ناطقا باللهجة الجزائرية ومترجما للعربية!! أتذكر قبل بضع سنوات فى كل المهرجانات العربية أن هناك سؤالا شائكا واقتراحا مرفوضا، بل وينتقل من درجة الرفض إلى الإدانة مهما كان حسن نيات قائله، السؤال أن اللهجات غير المصرية خصوصا فى دول المغرب العربى غير مفهومة للمتفرج العربى.. الاقتراح المدان هو أن تتم كتابة تعليق مبسط على الشاشة للحوار بلغة عربية تقترب من لغة الصحافة.. أتذكر أن عددا من كبار السينمائيين العرب ناقشوه مثل المخرج الراحل صلاح أبو سيف فى بعض المهرجانات، وكنت شاهدا على عدد منها مثل «قرطاج» فى تونس، أو «عنابة» بالجزائر، أو «تطوان» بالمغرب.. قال أبو سيف لماذا لا يستمتع الجمهور المصرى بهذه الأفلام، حيث تساعدنا الترجمة الإنجليزية على استيعابها؟ ولكن حتى يصل الفيلم إلى قاعدة عريضة ينبغى أن تصاحبه ترجمة عربية.. على الفور نستمع إلى سينمائى من المغرب العربى يعلن بحماس أننا نتحدث مثلكم اللغة العربية فلماذا نفهمكم ولا تفهموننا؟ ابذلوا بعض الجهد لتعرفوا مفردات وإيقاع لهجاتنا!! وأمام تلك الحساسية المفرطة أصبحت لا أميل إلى هذا الطرح.. ولكن وجدت أن مهرجان «كان» يضع أحيانا ترجمة إنجليزية لبعض الأفلام الناطقة بالإنجليزية مثل الأيرلندية.. أتذكر قبل أربع سنوات فيلم «الريح تهز حقول الشعير» الحائز على جائزة السعفة الذهبية.. والهدف هو أن تصل الرسالة التى يحملها الفيلم من خلال الحوار إلى الجمهور دون أن تهرب منه أى كلمة غامضة بسبب طريقة الأداء!! شاهدت قبل شهرين فيلم «العائلة الكريمة»، فى المشهد الأول، وكانت الأحداث تجرى فى بهو فندق، قدم المخرج رجلا من تونس يتحدث بلهجته، يريد حجز حجرة فى الفندق، لكن العاملة فى الاستقبال لم تستطع أن تفهمه، رغم أنه يكرر الطلب أكثر من مرة، وتدخل فريد شوقى، واستطاع أن يفك شفرة الكلمات.. لو أنك قدمت هذا الحوار فى أى فيلم الآن لغضب أهل تونس، واحتجت السفارة التونسية فى القاهرة.. المتلقى العربى يستوعب ببساطة اللهجة المصرية، ولكنه يجد صعوبة فى التعامل مع اللهجات المغاربية، كما أن العالم العربى يعتبر أن الإبداع المصرى عربى قبل أن يكون مصريا، ولهذا نقول مثلا عميد الأدب «العربى» طه حسين، وسيدة الشاشة «العربية» فاتن حمامة، وعميد المسرح «العربى» يوسف وهبى، وسيدة الغناء «العربى» أم كلثوم.. دائما ما تقدمه مصر هو عربى قبل أن يكون له هوية مصرية.. كل هذه الروافد أسهمت فى انتشار اللهجة المصرية.. أنت عندما تسير فى شوارع تونس القديمة تستمع إلى أغنيات أم كلثوم أكثر من أى مطرب أو مطربة تونسية، ورغم ذلك يجب أن نعترف أن الإعلام المصرى لم يمنح الفن العربى ما يستحقه.. وبالتالى فإن فرصة المشاهد المصرى تتضاءل فى التعرف على اللهجات غير المصرية.. مطربو المغرب العربى باستثناءات قليلة نادرا ما يقدمون أغنيات بلهجة بلادهم على عكس مطربى لبنان وسوريا والخليج كثيرا ما يقدمون أغانى بلهجاتهم فيسهمون فى انتشارها. صابر الرباعى يستخدم أحيانا كلمات مثل «بارشا»، وهو تعبير شائع فى تونس يعنى «كثير»، وأيضا الفضائيات الآن تلعب دورا فى التعرف على اللهجات العربية، فأنت تستمع إلى اللهجات من المشرق والمغرب والخليج.. إلا أن كل ذلك لا يعنى أن المشكلة قد انتهت، فلا يزال هناك مأزق فى استيعاب اللهجات العربية -غير المصرية- خصوصا فى الأعمال الدرامية، ولا يمكن أن نطلب من كاتب الدراما الجزائرى أن يكتب حوارا بلغة فصحى مبسطة حتى يستوعبها كل العرب.. لأن الشخصية الدرامية ينبغى أن تنطق مفرداتها هى، وأن تعيش عالمها.. الترجمة من اللهجة المغاربية إلى العربية المبسطة حل ناجح طبقته المهرجانات الخليجية منذ عام 2004 مع انطلاق مهرجان «دبى»، واستمر حتى الآن فلماذا لا نكرر ذلك فى مهرجان القاهرة؟ بل لماذا لا يفكرون فى تنفيذه بعيدا عن أى حساسية فى مهرجانات المغرب العربى مثل «قرطاج»و«مراكش» و«وهران»؟!