لما مات سعد زغلول اتجهت الانظار بسرعة نحو سؤال: من الزعيم القادم؟!.. اتجهت الأنظار بسرعة نحو أحمد ماهر والنقراشي.. وأصبح السؤال: من منهما الرئيس ومن النائب؟؟ كان ماهر والنقراشي أكثر أعضاء الوفد حماساً وعملاً وجهداً.. كانت الوطنية وحب الوطن والاستعداد للفداء من أجل البلد.. كل هذا مجمع في كل منهما.. ولكن أعضاء الوفد المقربين من سعد باشا خاصة السكرتارية التي كان يرأسها أمين يوسف والد مصطفى وعلي أمين.. كل هؤلاء يؤكدون أن رغبة سعد باشا هو أن يكون خليفة قاض اسمه مصطفى النحاس الذي كان دائما يناديه: «أحسن الناس مصطفى النحاس».. وكان دائما يقربه إليه.. وإذا غاب يومين يطلب الاتصال به.. وكان الاعتقاد السائد في هذه الأيام أنه إذا رشح سعد طوبة لانتخبناه.. لذلك نال مصطفى النحاس أغلبية ساحقة من أعضاء الوفد.. هنا استقال أحمد ماهر ومحمود فهمي النقراشي من الوفد وانشأ حزب السعديين نسبة لسعد باشا.. أي أنهما على درب ومبادئ سعد زغلول. كان الحديث في الوسط الوفدي عن شخصية مصطفى النحاس وعن كفاءته ومدى استطاعته على ملء هذا الفراغ الرهيب الذي تركه سعد زغلول.. وكانت صفية زغلول أكثر المتخوفين. المهم.. سري الاعتقاد بأن فراغاً كبيراً في الوفد لن يستطيع ملأه مصطفى النحاس.. رجل طيب لأبعد الحدود متدين لأبعد الحدود.. عادل ودوغري بدرجة ظنوا أنه «ساذج» أيضاً!! فإذا به يثبت للجميع أنه أبعد نظراً وأعظم خبرة وأوسع تفهماً للأمور وينجح فيما لم ينجح فيه سعد ورفاقه.. بل ولا مصطفى كامل ومحمد فريد.. بل اتضح أنه «داهية» ولا اسماعيل صدقي المشهور بشدة الذكاء.. بل أكاد أقول عنه داهية أكثر من تشرشل!! ذهب الى لندن ليقول لهم.. ماذا تريدون منا؟؟ تريدون القطن والقمح مجاناً.. تريدون استمرار الامتيازات الأجنبية.. مثلاً.. مصر موافقة على كل طلباتكم.. ولنا طلب واحد اعلان استقلال مصر والجلاء عن اراضينا. ثارت مصر كلها.. حتى العديد من الوفديين.. سماها النحاس باشا بأنها معاهدة الشرف والاستقلال وسماها كل الناس معاهدة الخضوع والضياع. لم يمر عام إلا وانقلب الوضع تماماً.. خلال هذا العام لم تعد مصر تصدر القمح والقطن بنفس الكمية.. بل بحوالي ثلثها.. ولما ثار المندوب السامي البريطاني اتفق معه النحاس على تصدير الباقي بثمن زهيد من أجل الفلاحين!! وبالتدريج أصبحت بريطانيا تدفع كل الثمن وهنا ظهرت الأرصدة الاسترلينية التي تدين مصر بها بريطانيا العظمى!! كان النحاس باشا يعلم أن لجنة حقوق الانسان التابعة لعصبة الأمم «هيئة الأممالمتحدة فيما بعد» ستجتمع في مدينة «مونتريه» بسويسرا بعد أشهر قليلة من معاهدة 1936 سافر النحاس لحضور الاجتماع ومعه صور ووقائع تعذيب المصريين بمقتضى ما يسمونه «الامتيازات الاجنبية».. كان أي أجنبي أو انجليزي بالذات إذا قتل مصرياً يتم عقابه بغرامة عشرة جنيهات!!! فقررت عصبة الأمم الغاء الامتيازات الأجنبية بمصر عام 1937. هذا هو مصطفى النحاس.. الساذج الطيب.. الذي على نياته!! الذي اتضح أنه داهية أذكى من كل الزعماء. لماذا أكتب هذا الكلام اليوم؟! لأنني أرى في الرئيس السيسي مصطفى نحاس جديداً.. زبيبة الصلاة.. الصوت الخافت.. الهدوء والاستماع دون أية مقاطعة لمن يتحدث معه.. مع مخزون ضخم لحب البلد والاستعداد للفداء من أجل البلد.. مع نظرة طويلة الامد لمستقبل البلد.. لا أعدكم بحلول عاجلة.. امامنا عامان لكي نصل الى نصف ما نربو إليه.. حكاية الاحلام والوعود المعسولة.. وحكاية المائة يوم للتغيير وغير ذلك لا وجود له عندي.. سنحصل على كل شىء بإذن الله تعالى.. سنعيش على كل مصر بالعمل لا بالكلام.. كل ما هو مطلوب الصبر.. سنصبر وراءك حتى النصر بإذن الله تعالى.