لو بذل أعداء الإسلام أقصى ما يستطيعون من جهد لما استطاعوا تحقيق أهدافهم بمثلما تقدمه لهم مجاناً الجماعات الجهادية المتمسحة بالإسلام وهو منها براء . فمجموعات ضالة مضلة ضيقة الفهم قليلة البضاعة، مثل طالبان والقاعدة في باكستان واليمن وبوكو حرام في نيجيريا، تقدم صورة شائهة للإسلام والمسلمين . فأي إسلام يتشرف بأصحاب العقول الصغيرة المتكلسة، وهم يسبون الفتيات من فصول الدراسة في شمال نيجيريا لبيعهن في سوق النخاسة في الكاميرون وتشاد أو تزويجهن قسراً "وفق شرع الله" كما يقول أبوبكر شيكاو زعيم جماعة بوكو حرام التي تعتبر التعليم الغربي حراماً . وأي إسلام يتشرف بمجرمي طالبان الذين "يتمرجلون" بإطلاق النار على التلميذات الصغيرات مثل ملالا يوسف زاي، وينسفون المدارس والجسور ويغتالون عمال الصحة الذين يعملون على تحصين الصغار من شلل الأطفال في باكستان . وأي إسلام يتشرف بمجرمي "الدولة الإسلامية في العراقوسوريا" (داعش) و"النصرة" الذين يرفعون راية الإسلام، وفي الوقت نفسه يشهرون السلاح في وجوه بعضهم بعضاً، ويعتدون على الكنائس والأديرة ويحتجزون الراهبات، ويفرضون "الجزية" على المسيحيين في سوريا، ويضيقون عليهم حقهم في العبادة . وأي إسلام يتشرف بمقاتلي "أنصار الشريعة" في اليمن الذين يخربون البنى الأساسية وأبراج الكهرباء ويقطعون الطرقات ويختطفون الأجانب والدبلوماسيين "المستأمنين"، ويغتالون رجال الأمن . وليس ببعيد عن كل هذا ما يفعله "المتمسحون" بالإسلام من إخوان الشياطين، والصحوة والنهضة السلفية الجهادية في مصر وليبيا وتونس والجزائر . إن هؤلاء على الجملة يصدرون من موئل واحد لا علاقة له بالإسلام أصلاً، فهم في حقيقة أمرهم مجرمون وطغاة صغار يتسربلون بلباس الدين ليخفوا به عوراتهم وتشوهاتهم النفسية وتحجرهم العقلي وعداءهم المستحكم للتطور والحضارة وللحياة والمجتمع . ومن عجب أن يدعي هؤلاء رفع راية الجهاد زوراً وبهتاناً في بلاد المسلمين التي يرتفع فيها صوت الأذان، وقد بين العلماء أشراط الجهاد . ويدعي هؤلاء أيضاً أن ما يفعلونه يدخل في باب "النكاية بالعدو"، فأي عدو هذا تستهدفه النكاية، إن لم يكن المجتمع المسلم نفسه . "الخوارج الجدد" الذين شقوا عصا الطاعة وخرجوا على الإجماع، ما نزلوا بأرض إلا أحلوا بها الخراب والدمار، وما بسطوا سيطرتهم على قرية أو بلدة أو مدينة حتى أحالوا الحياة فيها إلى بؤس ليس أسوأ منه سوى بؤس أفكارهم المحنطة، وأفرغوا دورها وشوارعها من الناس في معادل موضوعي لخوائهم الروحي ونزعتهم المرضية للتسلط والتشفي والانتقام من المجتمع الذي يعادونه . "الخوارج الجدد" ليسوا بأفضل من أسلافهم، فمزبلة التاريخ واسعة وهي ستسعهم بالتأكيد، لأنهم حتماً لا محالة زائلون، ولا جذور لهم، ولا مشروع حضارياً يملكون يقربهم من العقول أو القلوب .