«سوء الإدارة» كانت هذه الجملة المختصرة اللاذعة واللاسعة هي السبب الرئيسي الذي أرجع إليه المهندس إبراهيم محلب معاناة وأزمات شركات قطاع الأعمال في سياق تصريح أدلي به قبل أسابيع قلائل أثناء زيارته لواحدة من أهم وأعرق تلك الشركات ومن اكثرها تداخلاً في الأمن القومي وهي الحديد والصلب. ولكني أكرر ما سبق أن قلته شفاهة لمحلب أن سوء الإدارة ليس هو محطة الانطلاق الأولي لقطار هدم الصناعة المصرية وتشريد عمالها ولكن المحطة الأولي والسبب الرئيسي – علي الأقل في قناعتي الشخصية – هو الفساد المعلن والفاجر في اختيار القيادات التي تدير الأغلبية الكاسحة في تروس دولاب العمل المصري علي وجه العموم بدءًا من الورش والشركات القزمية التابعة للدولة بشكل أو آخر وصولاً إلي الكيانات العملاقة والصروح الاقتصادية المتكاملة – باعتبار ما كان – التي كانت في طريقها قبل سنوات للمنافسة مع أوروبا والولايات المتحدة واحتلت مواقع صدارة عالمية طبقاً لمعايير وتقييمات دولية نزيهة ولكنها الآن تترنح وتتهاوي بعد أن نخر فيها – بالوثائق والمستندات – سوس الفساد اللعين. احسبك تعلم – ان لم تكن توقن – يا دولة الرئيس أن فساد الاختيار في مصر قد تبجح وتغول وأصبح هو السمة الظاهرة والقاعدة نادرة الاستثناءات وأن أي قيادة نزيهة وناجحة لم تأت إلي موقعها أو تستمر فيه سوي بالمصادفة المقصودة وليس سواها وأن معظم القيادات الموجودة الآن سواء في قطاع الأعمال أو غيره لم يحكم اختيارها في الأساس سوي المراهنة علي الولاء الشخصي ونظرية تكوين هرم من التابعين الموالين وهو هرم أثبتت الأيام أنه جاهز للانهيار علي من بناه مع أول هزة سياسية وليس رجال مبارك وأبناؤه ولجنة سياساته ومرسي وجماعته ومكتب إرشاده عنا ببعيد. المجاملة الفجة في اختيار القيادات يا دولة الرئيس جاءت إلي شركاتنا العملاقة بقيادات هزيلة هشة استحقت أن يطلق عليها حرافيش مصر العباقرة القاباً من عينة «سيراميكا» لانه يستمد نفوذه من إمبراطور في تجارة الأدوات الصحية و«كفتة» لجهله التام بكل شىء وبه شامة لذهوله وتوهانه و«جوز الست» و«الغشيم» و«بلاليكا» وغيرها من الاسماء اللاذعة المعبرة لانهم جميعا لا يتمتعون بأي كفاءة فنية أو موهبة إدارته باستثناء مهاراتهم الفذه في النفاق والتسبق والمقدرة علي الوصول إلي أصحاب القرار فكانت النتيجة انهم هدموا الشركات التي تولوا أمرها وهي شركات في معظمها والحق يقال كانت متهالكه ومتآكلة منذ النصف الثاني لعصر مبارك وباعوا حتي الحديدة والبلاطة وأمسوا ونحن معهم علي الحميد المجيد. سوء الاختيار – وهو الذي أدي إلي سوء الإدارة – ورم سرطاني خبيث وسلسلة عنقودية لا تنتهي منه الفساد الممنهج فكل مسئول جاء بالمجاملة يطبق نفس النظرية بشكل مصغر يتناسب مع حجم التورتة التي أهديت إليه فيأتي بدوره برجال تابعين له مكملاً الفساد والانهيار وهؤلاء يأتوا بغيرهم حتي نكتشف في النهاية انه تم تهميش أصحاب الدار وإجلاؤهم ليحل محلهم الأصدقاء والأقارب والمعارف المهرولون نحو نهب طوبة من جدار المصنع أو الشركة التي تؤذي مئات أو آلاف العمال. لاني اعرف إبراهيم محلب وأدرك حرصه علي تاريخه وقراءته لمستقبله فإنني أدعوه وأطالبه – لا أطلب منه – أن ينقذنا من فساد الاختيار وعندها لن نسمع منك ثانية يا دولة الرئيس عن سوء الإدارة.