تحت هذا العنوان نشرت جريدة نيويورك تايمز في 27 يناير مقالاً لكاتبها دافيد كيركباتريك عن المشير عبد الفتاح السيسي مليئاً بالغمز واللمز وتمني الفشل في غلاف من الموضوعية نسوقه للقارئ كما جاء قبل التعليق عليه. يقول الكاتب إنه عندما قام محمد مرسي أول رئيس منتخب لمصر بتعيين السيسي وزيراً للدفاع، أقسم الضابط أن يبقى الجيش خارج السياسة تاركا المجال لديمقراطية مدنية، وبعد مرور سنة عزل الجنرال السيسي مرسي مصراً على أن الجيش كان يستجيب للشعب لحماية ثورته، وبعد ثلاثة أسابيع فقط عاد يقول إنه يتوجه للشعب عندما طلب من الشعب النزول للشارع لاعطائه تفويضاً شخصياً لسحق قاعدة مرسي التي تؤيده وسط الاخوان المسلمين. ثم جاء يوم الاثنين واتخذ السيسي أول خطوة رسمية ليصبح رئيس مصر القادم، وأصر على أنه كان يلبي الإرادة الشعبية ونداء الواجب، وبذلك مهد الطريق لتعود مصر لنوع الحكم الذي يسنده الجيش والذي كان مفروضاً أن ينتهي بالربيع العربي سنة 2011. وخلال سنتين في الحياة العامة كوزير دفاع ثم كحاكم فعلي لمصر مزج المشير السيسي بين مكر ضابط المخابرات والقدرة الغريزية على ممارسة السياسة وكسب الشعبية بدرجة لم تشهدها مصر منذ قام البكباشي جمال عبد الناصر بإنهاء الحكم الملكي الذي يؤيده الانجليز منذ ستة عقود. ولكن بتحركه لأخذ السلطة رسمياً كرئيس للدولة فإن المشير السيسي يقدم على تحدٍ أكبر وأكثر خطورة، فقد رفعه الاعلام الحكومي والخاص إلى مصاف الأبطال المنقذين وعليه السيطرة على رأي عام يزداد تمرداً، ويضم نخبة تتطلع الى إعادة امتيازاتها، فضمنها جنرالات ينظرون الى السيسي على أنه مجرد الأول وسط رجال متساوين، ويضم قطاعاً كبيراً من الرأي العام مازال يشعر بالقدرة على الاحتجاج، كما يضم مئات الألوف من مؤيدي مرسي ممن يجاهرون بالعداء للحكومة الجديدة، كما يضم تمرداً إرهابياً مصمما على إجهاض أي أمل في الاستقرار. ويقول سمير شحاتة العالم السياسي بجامعة أوكلاهوما إنه يعتقد أن الاقتصاد سيكون سبب هزيمة أي شخص في منصب الرئاسة لأن كل العناصر التي أدت الى انفجار الثورة سنة 2011 مازالت قائمة مثل البطالة وسط الشباب وتهميشه السياسي والبيروقراطية المكدسة وعدم كفاية دعم أسعار الطعام والطاقة. والآن فإن استمرار الاحتجاجات والعنف قد نسف أي أمل في تعاف سريع لقطاع السياحة الحيوي، فليس هناك من لديه الإرادة المطلوبة لاتخاذ القرارات المؤلمة الضرورية لتحريك الدولة للأمام. ويزعم مؤيدو المشير السيسي أن وضعه كبطل قومي محبوب سيمكنه من عبور المصاعب، فالمثل الشعبي يقول: «حبيبك يبتلع لك الظلط.. وعدوك يتمنى لك الغلط» كما يردده الاقتصادي المصري أحمد النجار الذي زعم في حديث تليفزيوني مؤخراً عن فرص نجاح رئاسة السيسي أنه مهما كانت مرارة الإصلاح الاقتصادي فإنها إذا جاءت من شخص يحبه الشعب فإن الشعب سيتحملها. ولكن خالد صلاح رئيس تحرير اليوم السابع وأحد مؤيدي السيسي يقول إن توقعات الناس هى المشكلة، وعلى السيسي حلها، وهذه الفكرة غاية في الخطورة لأن أحلام الجمهور الكبيرة لا يمكن تحقيقها. لم يعط السيسي للآن فكرة عن ما هية السياسات التي يريد تنفيذها كرئيس وأكثر الملامح التي تميزه خلال مدة نصف العام التي قضاها كحاكم مصر الفعلي منذ إسقاط مرسي هى القمع الشديد للإخوان المسلمين وكذلك المعارضين له من الليبراليين، ولكن التوقع شبه المجمع عليه من أنه سيترشح للرئاسة قد تأكد الاثنين الماضي عندما رأس اجتماعاً لكبار القادة الذين باركوا ترشيحه، ففي تصريح للمجلس الأعلى للقوات المسلحة قال التصريح إن ترشح السيسي للرئاسة هو واجب وطني وأن السيسي يعتبره تكليفاً من الشعب لا يمكن رفضه. ومع أن هناك مرشحين آخرين للرئاسة على الأقل من انتخابات سنة 2012 ألمحا الى رغبتهما في الترشح، فإن قليلين يعتقدون أن لدى أيهما فرص منع السيسي من أن يكون سادس رئيس لمصر وخامس رئيس عسكري. لقد وجه السيسي كلمات جافة لأمريكا بسبب نقد الادارة الأمريكية لقيامه بعزل مرسي ومطاردة مؤيديه من الاسلاميين، وقال: «لقد أدرتم ظهركم للمصريين وتخليتم عنهم، ولن ينسوا لكم ذلك»، وكان ذلك خلال حديثه ل «الواشنطن بوست» في أغسطس الماضي، وأضاف: «فهل تنوون استمرار إدارة ظهوركم للمصريين؟»، ومع ذلك فللسيسي علاقات وثيقة مع العسكريين في الغرب، فقد تدرب في الكليات العسكرية في بريطانيا وأمريكا، وعندما كان مديراً للمخابرات الحربية كان حلقة اتصال رئيسية بين مصر والعسكريين الاسرائيليين، بدأ حياتها العسكرية كهروب من الظروف الصعبة حوله، فقد ولد في 19 نوفمبر سنة 1954 ونشأ في الشوارع المزدحمة في حي الجمالية، ويقول زملاؤه العسكريون إن والده كان يملك محلاً بسوق خان الخليلي السياحي الشهير، وقد تجنب السيسي العمل مع والده، وحصل على مكان في كلية الطيران رفيعة المستوى. ويقول زملاؤه إنه كان ملتزماً بالتدين الذي يميز المصري المتوسط، فيستيقظ في الخامسة صباحاً لصلاة الفجر وتلبس زوجته حجاباً بعكس زوجات الرؤساء السابقين باستثناء زوجة مرسي، وتبدو في أحاديثه سهولة استعمال الآيات القرآنية وإتقان معرفتها، وقبل أن يصبح وزير دفاع ترقى لمنصب مدير المخابرات الحربية حيث صقلت قدراته السياسية، وفي ربيع سنة 2013 قبيل إسقاطه مرسي تعهد علناً بإبعاد الجيش عن السياسة. وكما تصاعد الغضب الشعبي على مرسي، اقترح السيسي على الجماهير تفويضه للتدخل، فخرج عشرات الملايين يؤيدونه، وفي 3 يوليو استجاب لهم السيسي بعزل مرسي، مؤكداً رغم ذلك أن الجيش سيبقى بعيداً عن السياسة، وأنه اضطر للتدخل لإنقاذ الوطن من الدمار، وكان حديثه بحذر في مؤتمر صحفي، وكان أول تظاهر احتجاجي من أنصار مرسي بعد حديثه بأسبوع، وبنهاية اغسطس كانت قوات الأمن قد قتلت أكثر من ألف شخص كما جاء في بيانات منظمات حقوق الإنسان. وكرئيس جمهورية سيكون على السيسي إدارة متطلبات أكثر تعقيداً بكثير مما كان عليه ادارته كوزير دفاع، وأكثر تعقيداً مما واجه الرؤساء السابقين، لقد أظهرت الثورة مثالب النظام الذي كان قائما، والذي كانت مؤسسات الدولة تعمل فيه مستقلة عن بعضها، فضلاً عما سيواجه السيسي من جمهور ثوري كسر حاجز الخوف، لن تكون رئاسة جمهورية ملكية مثل عبد الناصر والسادات التي ورثها مبارك، فالسيسي يواجه أوضاعاً مختلفة تماما عمن سبقه من الرؤساء. وإلى هنا ينتهي عرض الكاتب الأمريكي للأوضاع في مصر، ولا نحتاج الى عناء كبير لتفنيد مالواه من أوضاع وما تجاهله من حقائق: 1- يتجاهل الكاتب تماماً المؤامرة المنحطة التي دبرتها حكومة بلاده لإعادة تخطيط الشرق الأوسط وتفتيته إلى دويلات تسهل السيطرة عليها. 2- يتجاهل الكاتب دور العملاء وعلى رأسهم عصابة الاخوان المسلمين الإرهابية في تنفيذ المخطط الأمريكي، وأنه لأول مرة في تاريخ العملاء بهذه المنطقة يجد الاستعمار عملاء مستعدين للتفريط في أجزاء من أرض الوطن مثل حلايب وشلاتين وسيناء، فضلاً عن قبول تقسيم الوطن لدويلات. 3- يتجاهل الكاتب أن السيسي لم يكن هو محرك الثورة ضد حكم الإخوان الإرهابي، وأن الشعب الذي جمع أكثر من عشرين مليون توقيع لسحب الثقة من حكومة مرسي، وأن الشعب لم يقدم على هذا إلا عندما انتابه الفزع من تصرفات حكومة العصابة الإرهابية والسرعة الشديدة التي كانت تقوم بها في أخونة المجتمع وهدم أركان الدولة المدنية التي استغرق بناؤها قرنين منذ محمد علي الكبير، وأن الهدم تناول رمز الدولة وهو العلم الذي وطأته الكلاب السعرانة بأقدامها ورفعت بدلاً منه علم السيفين المتعانقين رمز العصابة، ووصل الأمر الى تغيير البرامج الدراسية واضافة سيرة الإرهابي الأول حسن البنا كدرس إجباري في مادة التربية الوطنية. ولكن عودنا الغرب الاستعماري والناطقون بلسانه على أن يكذبوا كما يتنفسون ويلجأوا للمعايير المزدوجة ولأي سلاح مهما انحط مادام يخدم أطماعهم، ولذلك نقول للكاتب في النهاية شكراً لك على هذه الفرصة الإضافية التي أتحتها لنا لكشفك أمام شعوبنا. نائب رئيس حزب الوفد