رغم كل التآمر والشر الذي تتسم به الادارة الأمريكية في سياستها تجاه مصر، نتيجة افتضاح مخططها لاعادة رسم خريطة الشرق الأوسط وسقوط الأقنعة عن كل عملائها الخونة بعد سقوطهم من السلطة رغم كل هذا لا يسلم الأمر من صدور صوت عاقل يتسم بالواقعية من دوائر الفكر الأمريكي، وقد نشر معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدني في 28 فبراير تحليلاً للباحث عادل العدو يتسم بالكثير من الواقعية والموضوعية تحت عنوان «نتائج رئاسة السيسي لمصر» نسوق لقارئ الوفد فيما يلي: يقول الباحث إن القائد المصري لديه مصادر قوة عديدة وقدرة على البقاء في السلطة، ولكنه سيواجه ضغوطاً كبيرة لو تم انتخابه رئيساً كما هو متوقع، لأن ما سيحدد النجاح سيكون قدرته على ارضاء تطلعات المصريين التي تتسم بتوقعات اقتصادية واجتماعية غير واقعية. فاستقالة الوزارة في 24 فبراير قد غذت التوقعات بأن المشير السيسي سيعلن قريباً ترشحه للرئاسة هذا العام، وللأن فهو وزير الدفاع في الوزارة الجديدة برئاسة ابراهيم محلب، ويتوقع أن يحل الفريق صدقي صبحي محل السيسي عندما يستقيل السيسي ليستطيع الترشح للرئاسة. إن مشكلات مصر الاقتصادية والاجتماعية الضخمة، والمخاطر الأمنية ستجعل مهمة الرئيس المقبل غاية في الصعوبة، وستكون قدرة الرئيس المقبل على الاحتفاظ بالسلطات الحالية للرئاسة حيوية لمواجهة التحديات الداخلية والدولية، وفي هذا الخصوص فإن خبرة السيسي السابق كرجل قوي ذي صلات قوية بالقيادات العسكرية المصرية وحكومات الخليج المختلفة ستعطيه ميزة على باقي المرشحين، ولكنه مازال لم يعلن صراحة عن طبيعة نظام الحكم الذي ينويه اقتصادياً وفي مجال السياسة الدولية، ولذلك سيحتاج نجاحه الى حشد طاقم رئاسي مستعد لاتخاذ قرارات جريئة وتقديم انجازات للشعب المتطلع لحياة أفضل. خلفية الوضع: في سنة 2011 و2013 كان للعسكريين وغيرهم من المؤسسات القوية حافز للتحرك ضد الحكومة القائمة ففي سنة 2011 كان مركز القوة في مصر منقسماً وقد رفضت الأغلبية سعى ابن مبارك جمال للرئاسة مكان أبيه، واستاءت الأغلبية من تضخم سلطة الأسرة الحاكمة على صنع القرار، وفي سنة 2013 كان سوء ادارة الاخوان المسلمين وقياداتهم المدمرة سبباً في شحن أجهزة الدولة لمساندة المعارضين لهم، وباختصار فإن التركيبة المؤسسية في كلا الحالين كانت مناهضة لمن كانوا في الحكم، والحقيقة على الأرض الآن مختلفة كما تظهرها التصريحات الصادرة من المسئولين خلال الأشهر الأخيرة، فهناك توافق واضح من أجهزة الدولة مع الحكومة القائمة، وخاصة من أجهزة الأمن ويحظى السيسي بمساندة الكثير من مراكز القوة، وفي نفس الوقت تظهر تجربة السنوات الثلاث الماضية مدى سرعة امكانية تحول الرأي العام، خاصة إذا كانت الحكومة غير فعالة في مواجهة المشاكل الاقتصادية والأمن والسياسة، وقد اعترف السيسي نفسه بهذه المشاكل والتحديات، وإذا اصبح رئيساً فسيحتاج للتعامل مع بيروقراطية معقدة لحل المشاكل العاجلة. ويعتبر الوضع الاقتصادي المتدهور هو أهم المشاكل، ولكن هناك عاملا آخر قد يفجر غضباً شعبياً لحكومة يقودها السيسي، وهو الغضب من الوسائل القمعية ضد المعارضين السياسيين، وخاصة السلميين فهم من غير التيار الاسلامي، وحالياً يبدو معظم المصريين مستعدين لقبول الحد من الديمقراطية في سبيل الحرب ضد الاخوان المسلمين وحلفائهم ومع هذا فهناك حد معين لو تم تجاوزه فقد يقلب الميزان ضد الحكومة وضد السيسي نفسه الذي يقود عمليات الشرطة والجيش ضد الارهاب. جيل جديد من العسكريين: في أغسطس سنة 2012 شهدت مصر تحولاً ضخماً لجيل جديد من كبار القادة العسكريين عندما وصل السيسي وصبحي لقمة المؤسسة العسكرية، وقد تعجل كثير من المحللين في استنتاج أن اقالة طنطاوي وعنان لم تكن تغييراً مهما، وظنوا أن السيسي يمثل امداداً لعهد طنطاوي، ومع هذا فرغم علاقة السيسي الوثيقة بسلفه فإن بعض اساليبه في قيادة وزارة الدفاع مختلفة تماماً.. الواقع أن وصول السيسي وصبحي للقمة في المؤسسة العسكرية كان علامة تغيير جذري في المؤسسة العسكرية. ويرجع جزء من التحول الى طريقة كلا الرجلين في الاستفادة المباشرة من علاقة وثيقة بأمريكا في التعاون مع المؤسسة العسكرية، كان لكل من السيسي وصبحي فرص الدراسة في أكاديمية الحرب الأمريكية، فتفهما الفكر الأمريكي العسكري الحديث وفن القيادة كما كونا صداقات قوية مع العسكريين الأمريكيين، أما طنطاوي وعنان فقد أخذا خبرتهما أساساً من الأعراف العسكرية السوفيتية خلال سنوات دراستهما، مما بدا واضحاً في اسلوبهما في القيادة. وبالاضافة لذلك فقد كان التعليم العسكري والتدريب خلال عهد طنطاوي مبنيين علي الحرب التقليدية، مما جعل القادة أقل تأقلماً مع المخاطر الانتقالية الحديثة، والتطورات التكنولوجية السريعة، وكان صعود لاعبين غير حكوميين في مجال جمع المعلومات والنظرة الأمنية الأوسع للعالم أمراً صعب الاستيعاب للقادة من الجيل القديم، أما اليوم فالجيل الأصغر من القادة يتخذ موقفاً أكثر مرونة من تحديات الأمن غير التقليدية، والسيسي وصبحي على وجه الخصوص يفهمان أن أمن سيناء ومخاطره يحتاج لمواجهة عسكرية فعالة، فقد أخذ العسكريون على عاتقهم مسئولية غير مسبوقة للقيام بحملة فعالة ضد الخلايا الارهابية في سيناء وفي أنفاق التهريب مع غزة، وقد دمروا للآن أكثر من ألف نفق خلال الأشهر الماضية. وأنشأوا منطقة حدودية عازلة للحد من نشاط الارهابيين والمهربين، ويعتبر الجنرال أحمد وصفي الذي يقود العملية نموذجاً آخر للقادة الشباب العسكريين الصاعدين المدركين لأهمية المواجهة مع الارهاب في سيناء. أسلوب السيسي في القيادة: أثبت السيسي كوزير دفاع قدرة قيادية تفوق كثيراً من سبقه، فمثلاً كان أحد أول القرارات التي اتخذها تعيين شاب متحدثاً رسمياً للقوات المسلحة يكون واجهة براقة للعلاقات العامة مع الشارع السياسي، وتميز السيسي عمن سبقوه في نزوله الميدان واحاطة نفسه بالضباط الصغار لرفع معنوياتهم، وكان أكثر حرصاً على العمل بروح الفريق عنه بالتسلسل الوظيفي، واكتسب بذلك شعبية ضخمة اتضحت بقوة في يونيو الماضي عندما حاول الإخوان المسلمون استبداله بالجنرال وصفي، فأعلن وصفي ولاءه الكامل للسيسي. كما نجح السيسي في بناء تحالفات بين مؤسسات كانت متنافسة سابقاً، فخلال عهد مبارك كانت الشرطة جهازاً يوازن به الجيش وينافسه، ولكنه منذ تولى السيسي المسئولية أصبح التعاون بين الجيش والشرطة كاملاً، وأصبح الجهازان ركني الاستقرار الأمني، وعندما أعلن عزل مرسي في 3 يوليو كان هناك حشد ضخم من كافة الأجهزة والسياسيين لتأييد هذه الخطوة الضخمة، مما مكن السيسي من ضرب قيادة الإخوان ضربة قاصمة، ويبقى أن نرى كيف سيواجه السيسي المشاكل الاقتصادية والاجتماعية. وفي الختام نقول إن الجنرال السيسي هو جزء من جيل جديد تعلم في أمريكا ويميل الى التأقلم مع متغيرات المخاطر الأمنية المتسارعة في المنطقة، ويساعده قربه من القادة العسكريين من جيله على الصمود لو أصبح رئيساً، ونظراً لهذه الفرصة الكبيرة في فوزه بالرئاسة فإن واشنطن قصيرة النظر جداً عندما تعرض علاقتها القوية بالجيش المصري لثلاثة عقود إلى الدمار عن طريق ايقاف وتأجيل المعونة العسكرية لمصر، فتركيز السيسي على محاربة الارهاب يخلق فرصة حيوية لأمريكا للتعاون معه وليس مقاومته. والى هنا ينتهي هذا التحليل العميق للمعهد الأمريكي ويعيبه تماماً رغم عمقه أنه يتجاهل أن عصابة الشر المسيطرة على الحكم في واشنطن تعمل طبقاً لخطة تقتضي تدمير دول المنطقة الى دويلات صغيرة وليس خطة لمكافحة الارهاب. نائب رئيس حزب الوفد