يواجه الرئيس القادم لمصر أزمات اقتصادية استفحلت وأصبحت متفجرات خطيرة توشك أن تلتهم ما تبقى من أنشطة، بعد أكثر من ثلاث سنوات من الجفاف الاقتصادى فى مختلف القطاعات وندرة فى الموارد وتوقف عجلة الإنتاج ومستويات مرتفعة من الأسعار لكافة السلع والخدمات مع تراخى الحكومة أو تدخلها بقرارات تزيد «الطينة بله» الشعب لديه آمال وتطلعات والحقيقة أن هذه المشكلات عراقيل وقنابل أمام أى رئيس قادم. وأهم هذه القضايا وأخطرها على الإطلاق تزايد حجم الدين العام المحلى وعجز الموازنة الذى بلغ مستويات غاية فى الخطورة وأدت إلى الضغط على مستويات المعيشة والزيادة فى الأسعار. فقد ارتفع عجز الموازنة من نحو 130 مليار جنيه خلال فترة حكم المجلس العسكرى عام 2011 ليتجاوز العجز حاليا 240 مليار جنيه يتم تغطيته من البنوك المحلية بفوائد مرتفعة عن طريق أذون وسندات الخزانة. وقد ارتفع الدين العام المحلى من ألف مليار جنيه فى ديسمبر 2011 ليصل إلى 1.6 تريليون جنيه بخلاف الديون الخارجية التى كانت 36 مليار دولار وتجاوزت حاليا 52 مليار دولار فقد حصل حكم الإخوان على 11.7 مليار دولار خلال عام حكمه وحصلت إدارة الفترة الانتقالية الثانية على نحو 10.7 مليار دولار مساعدات وقروض من دول الخليج منها 7 مليارات دولار قروض نقدية والباقى قروض فى صورة عينية من خلال تمويل استهلاك المحروقات والمواد البترولية التى تحتاجها البلاد. وبالتالى فإن حجم الديون وحدها تتجاوز 2 تريليون جنيه تلتهم فوائد خدمتها أكثر من ثلث الموازنة العامة للدولة ومادامت توجد هذه الديون فإن حركة الانطلاق الاقتصادى التى ينتظرها الناس تظل مقيدة والحديث عنها يظل محض خيال وبالتالى فلابد للرئيس القادم أن يتخلص تدريجيا من هذه الأعباء لتصبح الموازنة محررة من أول قيد عليها يؤثر فى حجم الخدمات والاستثمارات المقدمة للجماهير وهو أعباء الديون، ويتبقى القيد الثانى وهو لن يتطلب سوى قرار سياسى وهو التخلص من أعباء دعم الأغنياء الذى تتحمله الموازنة فى شكل دعم السلع البترولية على أن يتم بصورة حكيمة لا تؤثر على الأسعار والتحول من الدعم العينى للسلع التموينية للفقراء إلى الدعم النقدى وبالتالى يصبح سوقاً واحداً وأسعاراً واحدة ونرحم الفقراء من معاناة الطوابير ومهانة ما يتعرضون له فى الحصول على حق من حقوقهم. وتأتى البطالة كأخطر المشكلات بل والمتفجرات الاقتصادية والاجتماعية التى تعصف بالبلاد، فقد عصفت حاليا بالأخلاق ولن يزيل هذا الجرم إلا قيام الدولة بأشياء تؤدى أولا إلى التشغيل، ثانيا توفير السكن والمعيشة الكريمة للمواطنين وحل هذه المشكلة وحدها قادر على دوران الاقتصاد ودعم نموه بمعدلات كبيرة. وحسب الإحصاءات الرسمية الصادرة من الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء فإن معدل البطالة ارتفع إلى 13.4% من قوة العمل فى الربع الرابع من شهر أكتوبر وحتى نهاية شهر ديسمبر مقابل 8.9% فى الفترة المماثلة لعام 2010، وأن هناك نحو 1.3 مليون مشتغل فقدوا وظائفهم منذ ثورة يناير معظمهم من الشباب بسبب تعطل الإنتاج وتباطؤ الاقتصاد. واللافت للنظر أن الأرقام حول البطالة منذ سنوات طويلة تدور حول 3.6 مليون عاطل ونسمع هذا الرقم منذ التسعينات فى حين أن تُخرج المؤسسات التعليمية من مدارس فنية ومعاهد وجامعات نحو مليون خريج سنويا تضاف إلى طابور البطالة المتوقف تشغيله منذ الثمانينات بقرارات حكومية وبالتالى فإن هذه الأرقام أقل بكثير ولا يمثل حجم الأزمة بمعايير الإحصاءات الرسمية، حيث إن الواقع يشير إلى أن حجم الازمة لن يقل عن 18 مليون عاطل وانظروا إلى حجم الشباب الذى يتطلع إلى الزواج ولم يستطع بعد إتمام تخرجه وبسنوات وهذا الرقم تم إحصاؤه رسميا بنحو 33 مليون شاب وشابة لم يتزوجوا للمرة الأولى وهذه هى أخطر قضية اجتماعية أساسها اقتصادى فى المقام الأول. ولابد من زيادة النمو حتى يرتفع احتياطى النقد الأجنبى بالبلاد والذى يبلغ حاليا 17.3 مليار دولار لن يغطى سوى 3.9 شهر من الواردات السلعية وهو فى حد ذاته مشكلة، فقد تواجه الرئيس القادم للبلاد أزمة تراجع الاحتياطى الأجنبى والتى أفرزتها الأوضاع السياسية والأمنية وسوء إدارة المرحلة الانتقالية خلال الثلاث السنوات الماضية وأدت إلى تراجع احتياطى النقد الأجنبى للبلاد وعدم كفاءة السياسة المالية، فقد تراجع احتياطى النقد الأجنبى بالبنك المركزى بنحو 21 مليار دولار ليفقد أكثر من 60% من قيمته خلال عام ونصف فقط بعد ثورة يناير 2011 وإن كان الخبراء يؤكدون فقد نحو 28 مليار دولار تعادل 78% نتيجة تلاشي احتياطيات لم تدرج ضمن الأصول الرسمية بقيمة 7.1 مليار دولار خلال الفترة. وإذا استمر وضع الاحتياطى هكذا وتراجع عن المعدلات الحالية فإنه سيؤدى إلى تداعيات سلبية على معيشة المواطنين نتيجة لعدم قدرة الدولة على استيراد احتياجاتهم الضرورية من السلع وعدم قدرتها على سداد ما عليها من ديون خارجية وسيؤدى إلى سلبيات أخرى تؤثر على أداء السوق المصرى واستقرار الأوضاع. وهناك مشكلة ندرة الموارد والتى جاءت نتيجة لتراجع إيرادات الدولة من السياحة وضعف إيرادات الصادرات الوطنية وإيرادات الخدمات بصفة عامة من النقد الأجنبى وتوقف عجلة الإنتاج وعدم دخول استثمارات أجنبية جديدة للبلاد منذ بدء الثورة أو سوء ادارة للاحتياطات وهروب أموال فى شكل تحويلات دولارية. المشكلات عديدة والرئيس القادم مهما كانت قوتة ومهما يملك من قدرات فنحن نعلم أنه لا يملك عصا ساحر ولن يستطيع وحده مواجهتها ما لم يتضافر الجميع فى مواجهتها إذا كانت هناك إرادة للنهوض.