الحركة المجتمعية والأهلية هى تعبير طبيعى عن تحركات مجتمعية سواء لحاجة داخلية به أو رد فعل لأحداث خارجية... كانت نشأة أول جمعية أهلية مصرية هى الجمعية المصرية اليونانية في 1821 ثم كانت جمعية معهد مصر وهى مهتمة بالحضارة المصرية وتاريخها ثم توالى إنشاء الجمعيات الأهلية الاجتماعية الدينية «الجمعية الخيرية الإسلامية جمعية التوفيق القبطية..».... ظهرت الجمعية الشرعية للشيخ محمود السبكى فى 1912 وكان للأثر السياسى دور فى ظهورها مع بدايات اختفاء دولة الخلافة وفى مواجهة القوانين المدنية وتفعيلها وهذا واضح من اسم الجمعية... ثم ظهرت جمعية الإخوان التى أسست الاستخدام السياسى للعمل الأهلى. عدد كبير من المصريين كان ينتمى لحزب الوفد وينتمى أيضاً لجماعة الإخوان فيمارس احتجاجه السياسى ومطالبه عبر الوفد ويذهب لتلقى الدرس الدينى فى مقر الإخوان ولما تصاعد تداخل حسن البنا فى السياسة وانحيازه لأطراف فى الصراع «فؤاد فاروق على ماهر إسماعيل صدقى...» بدأت تتضح الصورة السياسية لجماعة الإخوان وبدأ الفصل بين السياسى والدينى للمصريين... كما كانت الجامعة ساحة كشفت الدور السياسى لجماعة الإخوان وجعلت الطلبة فى مواجهة سياسية معها... فلما تكونت لجنة الطلبة والعمال فى 1946 سارع الإخوان لتشكيل اللجنة القومية للطلبة بزعامة مصطفى مؤمن بالتعاون مع أعضاء حزب مصر الفتاة وفى تصادم مع لجنة الطلبة والعمال لصالح صدقى... الحركة المجتمعية الإصلاحية التى سعت لتطوير المجتمع المصرى تأثراً بالانفتاح على الغرب فى أعقاب الحملة الفرنسية وفى اثناء حكم محمد على والخديوى اسماعيل هى التى أفرزت الجمعيات الأهلية التى لم تخلط العمل الأهلى بالسياسى أو تتخذه مدخلاً للسياسة... والجمعية الخيرية الإسلامية وجمعية المساعى المشكورة وجمعية التوفيق كلها دعمت الخدمة الاجتماعية والتعليمية والتنويرية للمجتمع وكان هذا انفعالاً حقيقياً بالعمل الأهلى ممن آمنوا به وانضموا الى طريقة لخدمة مجتمعهم وأبناء وطنهم فتركت آثاراً من المدارس والمستشفيات الهامة لم تزل ماثلة أمام أعيننا... نشأ حزب الوفد فى قلب الحركة الوطنية وكان مفجراً لثورة 19 والتف الناس حوله إيماناً به معبراً عن مطالبها وحقوقها وتعلقت الجماهير بزعاماته سعد والنحاس لأنهما خرجا من بين الناس وكانا تعبيراً جاداً وانفعالاً صادقاً بمطالب الناس فضلاً عما حملاه من رؤية للمستقبل وصلابة فى الدفاع عن حقوق الوطن.... كل هذا صنع حركة شعبية حقيقية أحاطت بالوفد وانتصرت له فى كافة الانتخابات البرلمانية التى جرت فيما قبل 52.. وجود الوفد والتفاف الحركة الشعبية حوله صرف الأنظار عن عملية السطو على الجماهير عبر الاهداف الخيرية والعمل الأهلى وخلطها بالسياسة الذى مارسه البنا وكانت جماعة الإخوان ومن لف لفها من الجمعيات التى اتخذت أسماء إسلامية لأغراض سياسية قد صنعوا بذلك الخلط والالتفاف تشويشاً ذهنياً أفسد مفهوم العمل الأهلى جعله ملتبساً وأفسد السياسة وجعلها مدخل فتنة واقتتال وفى كل هذا صرف للناس عن ممارسة أدوارهم الطبيعية لحساب القوة والديكتاتورية والاستبداد.. فى أعقاب 52 أصبح مصر فى قبضة الدولة المستبدة والبيروقراطية الخادمة للنظام البوليسى وانصرفت الناس عن ممارسة العمل العام سواء كان سياسياً أو اجتماعياً وتكفلت الدولة بالقيام بكل الأنشطة.. فخبا المجتمع وتكلس.. فى أعقاب مصالحة السادات والإخوان خرجت الجماعات الاسلامية الى الجماعة فى مواجهة الطلبة المناوئين للسادات... وعلا الخطاب السياسى فى الجمعية الشرعية وظهرت الخطابات السياسية الدينية وحل المشايخ الخطباء محل القادة السياسيين وحلت ساحات المساجد مكان الأحزاب المحاصرة قمعاً أو قانوناً... وتسرب الإخوان الى النقابات المهنية ليتخذوها مقراً لمشروعهم السياسى... فتفسد السياسة ويختفى النقابى وتزدهر صناعة التشويش ويصبح العمل النقابى غير واضح المعالم لأجيال عديدة عاشت ومضت وذلك عبر الستة عقود الماضية.. العمل النقابى والعمل الأهلى لا ينشآن بقانون ولكن ينشآم بالممارسة والتراكم والتجارب المختلفة وينشآن بالحاجة اليها وهى طبيعية طبقاً لتقدم المجتمع وحيويته وقدرته على مواجهة أزماته فى الممارسة وقبول الآخر.... صحة المجتمع وانفتاحه هو نتاج الحرية وصيانتها والدفاع عنها وتصحيح أخطاء الممارسة بمزيد من الحرية والنقد الذاتى وتراكم الخبرة... تلك معضلة الوطن فى أعقاب ثورتنا للكرامة والحرية فى يناير2011 وتلك أزمة النخب المسيسة فى قيادة المجتمع نحو انفتاح وتسامح وقدرة على العمل الجماعى... أجيال مصر الجديدة بصناعة خبرة التجارب والتراكم على أصعدة العمل الأهلى والنقابى والسياسى يفتحون الطريق لمصر الحديثة الديمقراطية بعيداً عن كوارث التشويش والسطو على المؤسسات المجتمعية وتحويلها لوجهات أخرى... كوارث الفاشية والأقليات المنظمة المبرمجة هى حصيلة ستة عقود ماضية... ومواجهتها هى السبيل الوكحيد لانتصار ثورتنا والوصول لمصر الحديثة المدنية الديمقراطية.