هناك علامات بارزة فى التاريخ لا يستطيع أحد أن يخطئها، كما لا تستطيع العين أن تخطئ الشمس فى كبد السماء. فلا أحد يجهل المشروع الاقتصادى والتنموى الذى تبناه محمد طلعت حرب باشا الذى ولد فى 25 نوفمبر عام 1867 بحى الجمالية بالقاهرة، وغير شكل مصر من خلال إنشائه بنك مصر عام 1920 برسالة هى استثمار المدخرات القومية وتوجيهها لتسريع النمو الاقتصادى والاجتماعى، رغم أنه كان خريج مدرسة الحقوق والإدارة ولو فى زماننا هذا لقال الناس ما لهذا والاقتصاد ولكن الفكرة كانت فى شخص يذوب عشقاً فى وطن سعى وتمنى أن يحقق له استقلالاً اقتصادياً يمكنه من التحرر فى عهد الاحتلال البريطانى واستطاع فى سنوات قليلة من إنشاء 26 شركة أصبحت قلاعاً صناعية وما تبقى منها مازال حتى اليوم فى مجالات اقتصادية مختلفة تضم الغزل والنسيج والتأمين والنقل والطيران وصناعة السينما والبنوك ومعظمها يحمل اسم مصر وتمكن من بناء كوادر مصرية وإجراء تحويل تنموى للاقتصاد القومى من الاستثمار الزراعى إلى الاستثمار الصناعى وإثبات القدرات العقلية للإنسان المصرى ووضع روشتة دقيقة لكيفية عمله تضمنت أهدافه وسياساته الوطنية وكانت سياسات طلعت حرب مرتبطة بنشاط بنك مصر وشركاته وكان سبباً للانطلاقة الأولى للاقتصاد التى لم تسيير على هذا النحو حالياً، خاصة أن حجم الودائع تجاوز 1.6 تريليون جنيه بالجهاز المصرفى. والآن لدينا بنكان هما الأهلى ومصر باستطاعتهما أن يقودا رحلة الصعود الاقتصادى وإنقاذ البلاد من القروض والمساعدات الخارجية إذا كانت هناك سياسات وإرادة وطنية وأفراد يعشقون الوطن مثلما فعل طلعت حرب. الأرقام تظهر وضع بنكى مصر والأهلى حالياً وما كان عليه الوضع عند التأسيس نعلم إنجازاتها فقد بلغت الحصة السوقية للبنكين من إجمالى ودائع العملاء فى 10/6/2013 ما نسبته 42.1٪ وهذه الحصة تتزايد وتصبح حصة حاكمة لو جنبنا ودائع القطاع الحكومى، التى بات إيداعها قصراً على البنك المركزى المصرى طبقاً لنظام الشباك الموحد وبلغت (الحصة بلغت بعد الخصم 49.5٪، وقد كانت هذه الحصة دافعاً لكى تصبح حصة الفرعين من إجمالى أصول الجهاز المصرفى 37.4٪ وهى حصة كبيرة ومؤثرة وتشير وبوضوح لما يمكن أن يقوم به البنكان لصالح الاقتصاد المصرى لو أحسن توجيههما. وقد بلغ معدل نمو إجمالى الودائع بالبنكين 13.6٪ نهاية العام المالى وهذا المعدل محصلة لمعدل نمو ودائع العملاء ببنك مصر وبلغ 16.2٪ وهو يتناسب مع معدل النمو العام لإجمالى الودائع على مستوى الجهاز المصرفى المصرى. ويؤكد الدكتور أحمد آدم، الخبير المصرفى، أن الودائع ومعدلات نموها أصبحت هى القاطرة التى تدفع إجمالى الأصول للنمو فى ظل الانخفاض المستمر للتوظيف لدى العملاء، وقد بلغ معدل النمو بإجمالى أصول البنكين 14.8٪، وقد جاء هذا المعدل كمحصلة لنمو ودائع العملاء بالبنك الأهلى 12.2٪ وهو يقل عن المعدل العام لنمو الودائع على مستوى الجهاز المصرفى المصرى وقد يكون عدم تعيين رئيس للبنك الأهلى بدلاً من رئيسه المستقيل لفترة طويلة وقت الإخوان والاضطرابات والمظاهرات به أثر قد أدى لحالة من القلق أثرت على تركيز العاملين بالبنك ومع هذا فهى معدلات تستطيع أن تحقق تنمية. ومن المعروف أن الودائع ومعدلات نموها أصبحت هى القاطرة التى تدفع إجمالى الأصول للنمو فى ظل الانخفاض المستمر للتوظيف لدى العملاء، كما أن هذه الأموال هى التى يتم من خلالها إنشاء المصانع والشركات واستيعاب فرص العمل، كما فعل طلعت حرب من قبل. وقد بلغ معدل النمو بإجمالى أصول البنكين 14.8٪ وجاء هذا المعدل كمحصلة لمعدل نمو إجمالى الأصول ببنك مصر بلغ 16.2٪ وهو يزيد على المعدل العام لنمو إجمالى أصول الجهاز المصرفى التى بلغت 14.5٪. فقد بلغ نمو إجمالى الأصول ببنك مصر 16.2٪ وهو يزيد على المعدل العام لنمو إجمالى أصول الجهاز المصرفى، أما معدل نمو إجمالى الأصول بالبنك الأهلى بلغ 14.0٪ وهو يتناسب مع المعدل العام لنمو إجمالى أصول الجهاز المصرفى المصرى وأن بنوك القطاع العام، وخصوصاً بنكى مصر والأهلى لو تهيأ لها المناخ ووضعت لها الاستراتيجيات السليمة يمكن أن تكون القاطرة التى تجر الاقتصاد المصرى نحو نمو اقتصادى حقيقى يشعر به الجميع لذا فمتابعة أحوالها بتحليل مصرفى شامل لكل أنشطتها المصرفية بات أمراً مهماً للوقوف على أية ظواهر قد تبرزها مراكزها المالية السنوية، وذلك حتى يقضى الله أمراً كان مفعولاً ويتولى مقاليد الأمور من يكون قادراً على جعلها تقود مسيرة مصر نحو مستقبل اقتصادى جديد مستنير بفكر طلعت حرب فى بناء اقتصاد وطن فى وقت صعب مثل هذا الوقت. فهناك مواطن للقوة يجب استغلالها وأخرى للضعف يجب تجنبها فى أوضاع هذين البنكين ويمكننا أن نجعل منهما بالاندماج معاً قوة مصرفية كبرى تخدم مصر بشكل أكبر، فبالنسبة للهيكل النسبى لودائع العملاء من الملاحظ أنه دائماً ما يمتلك بنكا مصر والأهلى لوزن نسبى مهم فى حسابات التوفير وشهادات الادخار نظراً لفروعهما الكثيرة والمنتشرة فى جميع أقاليم مصر وكذا فى مناطق الحضر والريف على حد سواء، وقد بلغ عدد فروع بنك مصر العاملة داخل حدود مصر 487 فرعاً بخلاف 6 فروع خارجية، بينما تبلغ فروع البنك الأهلى العاملة داخل حدود الدولة المصرية 338 فرعاً بخلاف 5 فروع ووحدات مصرفية خارجية. ويشير هيكل ودائع البنكين إلى أن نسبة الودائع غير المكلفة بالبنك الأهلى تزيد على بنك مصر بسبب ضخامة حجم الحسابات النظامية لدى البنك الأهلى وما ينتج عنها من مارجات اعتمادات مستندية استيراد وكذا خطابات ضمان وقد بلغ حجم هذه الحسابات بالبنك الأهلى 162.9 مليار جنيه مقابل 17.9 مليار جنيه ببنك مصر، والجدير بالذكر أن زيادة الوزن النسبى لهذه الودائع مؤشر إيجابى ويمكن البنك من تقديم ميزات نسبية على عوائده الدائنة والمدينة لاجتذاب العملاء، وقد زاد الوزن النسبى للودائع غير المكلفة بالبنك الأهلى من 8.5٪ عام 2012 إلى 9.1٪ عام 2013 وكذا زاد الوزن النسبى لهذه الودائع ببنك مصر من 7٪ إلى 7.5٪. ومن الملاحظ أنه قد انخفض الوزن النسبى للودائع لأجل بالبنك الأهلى من 21.7٪ عام 2012 إلى 18.1٪ عام 2013 وكذا ببنك مصر من 22.5٪ إلى 20.8٪ بسبب الارتفاع الكبير فى عائد شهادات الادخار عام 2013 والذى شهد عودة السوق الموازية للدولار وبشكل أثر سلباً على سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية الرئيسية وشكل ضغطاً على الاحتياطيات الدولية لمصر من العملات الأجنبية وأدى للارتفاع بعوائد شهادات الادخار كسبيل للحد من التأثيرات السلبية للسوق الموازية على سعر صرف الجنيه وعلى الاحتياطيات وميزان المدفوعات. وقد زاد الوزن النسبى لشهادات الادخار بالبنكين فزاد فى البنك الأهلى من 44.5٪ إلى 48.4٪ وببنك مصر من 29.4٪ إلى 33٪ وهذه الزيادة ناتجة عن زيادة العائد على شهادات الادخار للحد من التأثيرات السلبية للسوق الموازية على الاقتصاد المصرى وانخفاض الوزن النسبى أيضاً لحسابات التوفير بالبنكين فانخفض بالبنك الأهلى من 25.3٪ إلى 24.4٪ وببنك مصر من 41.1٪ إلى 38.7٪ نتيجة لزيادة العوائد على شهادات الادخار بشكل أكبر من الأوعية الادخارية الأخرى فتسرب جزء من هذه الحسابات إلى شهادات الادخار، وأن الانخفاض الذى حدث على العوائد خلال العام المالى الجديد من شأنه زيادة الوزن النسبى للودائع لأجل مع ثبات نسبى فى وزن شهادات الادخار بالبنكين. وبالتالى فإنه لا يمكن لمفكرينا فى العصر الحديث أن يتناسوا قيمة وأهمية البنوك فى التمويل التى استخدمها طلعت حرب بطريقة أنقذت مصر ونستخدمها نحن الآن بطريقة لسجن مصر فى ركن مهمل. وهناك أفكار عدة لإمكانية استغلال هذا ومنها تكوين وحدة بوزارة المالية أو بالبنك المركزى بمهمتها علاج المشكلات المالية والمصرفية الموجودة ببنوك القطاع العام ومنها بنكا مصر والأهلى لمحاولة تدعيم مراكزها المالية بشكل فعال وسريع لتهيئة هذه البنوك للانطلاق بالاقتصاد المصرى والعمل على زيادة عدد الفروع بالبنك الأهلى التى تعمل بالنظام الإسلامى فهى تبلغ فرعان فقط مقابل 33 فرعاً لبنك مصر وإمكانية زيادة هذه الفروع فى الخارج تمهيداً للانطلاق للإقليمية والعالمية ولا نستبعد على الإطلاق إمكانية دمج بعض بنوك القطاع العام ببنكى مصر والأهلى كسبيل لدعمها للانطلاق أولاً نحو الإقليمية ثم العالمية، ومخاطبة الدول العربية النفطية لمحاولة تحويل أحد البنكين إلى بنك على غرار بنك التعمير الأوروبى الذى أقيم بعد الحرب العالمية الثانية وساهم بصورة مدهشة فى إعادة إعمار الدول الأوروبية التى تضررت من الحرب وهذا أفضل بكثير من تقديم هذه الدول لودائع ومساعدات للدول العربية المتضررة من تداعيات الربيع العربى وهذا يتطلب دمج أحد البنوك المتخصصة فى الإسكان مع أحد البنكين وتحويل إدارته إلى مجلس محافظين مع تغيير الهيكل الإدارى بالبنك إلى ما يناسب الوضع الجديد، وهذا أمر يمكن القيام به بسرعة ودقة حال موافقة الدول العربية ذات الفائض المالى على الدخول بنسب فى رأسمال البنك تمكنه من تمويل الدول العربية السابق الإشارة إليه لإصلاح بناها التحتية أو إجراء إصلاحات هيكلية على قطاعاتها الإنتاجية لتحقيق معدلات نمو اقتصادى مقبولة. الأمل فى النهوض ليس بمستحيل وما فعله طلعت حرب يستطيع أبناؤه أن يفعلوا أكثر منه، تقدم الدول يبنى فقط بحب الوطن والانتماء والإخلاص فى العمل.