هل شعب مصر جاحد لأبطاله، يتعمد تجاهل بعضهم.. بينما يكرم الذين اساءوا إليه، واحتلوا بلاده، بل ومنهم من حاول اذلال هذا الشعب؟.. مناسبة هذا الكلام أن مصر - وهي أقدم دولة مركزية في العالم.. تتجاهل الكثير من رموزها الوطنية ولا تطلق أسماءهم علي شوارعنا.. بينما هي تطلق أسماء اعدائها علي الشوارع والترع والمستشفيات.. بل والقري أحياناً، أم يا تري - هذا الشعب- يتعمد ذكر أسماء الأجانب لكي «يتحصن» الوطن ضدهم ولكي يتذكر أفعالهم، وجرائمهم في حقه.. فيسجلها علي شوارعه لكي لا ينسي، وحتي لا يقع مرة أخري، في براثن هؤلاء أو غيرهم.. نحن مثلاً نطلق اسم السلطان سليم الأول علي أطول شارع في الزيتون والحلمية والمتجه إلي المطرية وعين شمس.. بينما هو السلطان العثماني الذي غزا مصر وقضي علي استقلالها عام 1517، بعد أن غزا الشام وهزم جيش مصر بالخيانة والخديعة في معركة مرج دابق شمال حلب عام 1516 .. وتقدم نحو مصر، وهزم آخر سلاطينها الوطنيين، طومان باي في معركة الريدانية عند العباسية.. وأيضاً بالخيانة، ثم أمر بشنق البطل المصري طومان باي علي باب زويلة.. وبذلك دخلت مصر في طور رهيب وطويل من النسيان والدمار والاستغلال استمر أكثر من أربعة قرون، حتي أنه شحن كل علماء مصر وخبرائها وصناعها وثرواتها إلي عاصمة بلاده.. ليحرم مصر من كل عناصر الإبداع.. والمؤلم أنه - سليم الأول هذا - يقع بجوار شارع طويل يوازيه - ويتجاوران معاً - من شارع منشية البكري عند لقائه بشارع الفريق محمود شكري ويستمران متوازيين كيلو مترات عديدة.. شارع سليم الأول علي اليسار.. وشارع طومان باي علي اليمين، ويعبران معاً قصر الطاهرة إلي شارع الحكم.. إلي المطرية.. فما هي الحكمة في ذلك: حاكم يقضي علي دولة مصر المستقلة - فنكرمه ونسجل اسمه علي واحد من اهم شوارعنا.. وحاكم حاول الدفاع عن مصر.. فهل هي من سخرية الزمن.. وفي الإسكندرية نجد عملاً مشابهاً.. نجد شارعاً باسم الجنرال ريجنالد وينجت المعتمد البريطاني في مصر، والذي اشتعلت في عهده - ثورة 19، وهو الذي رفض الاستجابة لمطلب الزعماء الثلاثة: سعد زغلول وعلي شعراوي وعبدالعزيز فهمي عندما ذهبوا إليه يوم 13 نوفمبر 1918 يعرضون مطلب مصر، في الاستقلال.. فيهزأ بهم ويسألهم: من تمثلون؟! حقيقة محافظة الإسكندرية غيرت اسم الشارع، ولكن الناس مازالت تطلق اسم وينجت علي نفس الشارع حتي الآن.. وهناك - في الإسكندرية أيضاً - نجد اسم الملك الفارسي دارا الأول أو داريوس علي أحد شوارعها.. وهو ثاني ملوك الفرس - بعد قمبيز - الذين حكموا مصر بعد أن غزوها لمدة 124 عاماً وكان -للأسف - أحد ملوك الأسرة ال 27 من التاريخ المصري، وتكرر هذا الاسم فنجد داريوس الثاني - من نفس الأسرة كما نجد داريوس الثالث «كورومان» آخر ملوك الفرس علي مصر من الأسرة ال 31، وهي الأسرة التي انتهت بغزو الإسكندر لمصر عام 332 قبل الميلاد.. وإذا كنا سمحنا بإطلاق أسماء الملوك البطالمة وقبلهم اسم الاسكندر علي كثير من شوارعنا.. بل علي المدينة الثانية في مصر، وهي الإسكندرية، فإنما ذلك - ربما - لأن ذا القرنين «الإسكندر» ورد ذكره في القرآن.. وربما لأن البطالمة أقاموا دولة عظيمة في مصر بعد أن «تمصروا» واعتنقوا ديانة المصريين وعاداتهم.. وحتي إن لم ينسوا أصولهم الاغريقية - اليونانية.. والعجب العجاب أننا -رغم كراهيتنا التامة للاحتلال الانجليزي لمصر - إلا أننا نجد من أطلق أسماء من حكم مصر - باسم بريطانيا - من ضباطهم مثل كيتشنر، الذي أطلقنا اسمه علي أهم وأقدم مستشفي في حي شبرا، وهو مستشفي كيتشنر، ومازال الاسم يتردد حتي الآن!! وكذلك أطلقنا نفس الأسم علي واحد من أكبر المصارف الزراعية في وسط الدلتا، وهو للأسف يحمل الآن المرض والموت لأبناء محافظتي الغربية وكفر الشيخ «الفؤادية سابقاً»، ومازال هذا المصرف، يحمل اسم كيتشنر! ولكن المؤلم أن بعض المصريين - من ضعاف الوطنية - أطلقوا علي أولادهم اسماء أجنبية.. مثل اليصابات - وهو تحريف لاسم إليزابيث ملكة الانجليز - واسم وليم! وجون، وإن كان منهم من أطلق أسماء مثل هتلر أو موسوليني علي أولاده.. ربما بسبب زيوع هذين الاسمين وقت ولادتهما وربما يكون ذلك «إغاظة» للانجليز، ولكن ما يعدل الكفة أن نجد من أطلق أسماء وطنية أجنبية علي أولاده مثل غاندي ونهرو، وتيتو، وسوكارنو.. والطريف أننا وجدنا من أطلق علي أولاده اسماء القادة الطغاة أو المشهورين طلباً أو طمعاً في أموالهم مثل من أطلق أسماء أولاد صدام حسين أو ابن الملك حسين - ملك الأردن السابق - وهو ما سخر منه الزعيم عادل إمام في فيلمه الممتع: «مرجان أحمد مرجان»!!