وسوف يذكر تاريخ الصحافة ان جريدة الوفد كانت قلعة الليبرالية والحصن الحصين «لقبول الآخر».. وقاعدة أساسية لحرية الفكر والإبداع.. وهذه من أهم مهمات جريدة الوفد، التي حرص عليها فؤاد باشا سراج الدين، الزعيم الحقيقي الذي أعاد حزب الوفد إلي الحياة السياسية في مصر بعد أن غاب مقهوراً ورغماً عنه حوالي ربع قرن بالتمام والكمال. وتبلورت هذه المهمة عندما فتحت جريدة الوفد أبوابها، وصفحاتها، لكل أصحاب التيارات الفكرية المختلفة، لكي يكتبوا فيها، حتي وان اختلفت توجهاتهم مع توجهات الوفد، حزباً وصحيفة.. وذلك منذ العدد الأول من الوفد الذي صدر يوم الخميس 22 مارس 1984.. كعدد أسبوعي.. ثم زاد هذا الدور وتوسع بعد أن ظهرت الوفد كجريدة يومية يوم 9 مارس 1987. فقد ازدانت صفحات الوفد بكتابات ومقالات أقطاب الفكر والليبرالية في مصر.. بل حرص معظم هؤلاء علي الانتظام في نشر مقالاتهم باستمرار سواء في العدد الأسبوعي، أو العدد اليومي. وكان في مقدمة هؤلاء الصحفي الوفدي العملاق أحمد أبوالفتح، الذي كان رئيساً لتحرير جريدة المصري- قبل يوليو 1952- وكان يكتب مقالاً أسبوعياً تحت عنوان «رأي حر» كل يوم خميس.. وكان يرفض قبول أي مقابل مادي عن هذه المقالات، رغم انه كان أحياناً يتحمل تكاليف ارسالها من مقر اقامته في جنيف إذا سافر إليها.. وظل محافظاً علي كتابة مقاله هذا، حتي آخر لحظة من عمره. وكان منهم- وفي مقدمتهم كذلك- الصحفي العظيم إحسان عبدالقدوس صاحب دار وصحف روزاليوسف ثم رئيس تحرير أخبار اليوم، وكان مقاله يزين الصفحة الأخيرة من الوفد الأسبوعي، كل خميس، تحت عنوان «علي مقهي في الشارع السياسي» وكان أيضاً يرفض أي مقابل مادي عن هذه المقالات وقد حفظ فؤاد باشا سراج الدين جميلهما هذا للعملاقين وكثيراً ما كان يستشيرهما في أمور عديدة. ومن الكتاب العمالقة الذين كانت صفحات «الوفد» تتزين بمقالاتهم كان المفكر الإسلامي المستنير الكبير خالد محمد خالد، الوحيد الذي وقف يجادل جمال عبدالناصر- في عز مجده وجبروته- خلال جلسات المؤتمر القومي.. ودفع خالد محمد خالد ثمن دفاعه عن الديمقراطية ثمناً غالياً، حتي انه اضطر إلي اعتزال الكتابة لمدة 10 سنوات وهو صاحب الكتب الخالدة التي أنارت الطريق لثورة يوليو- قبل أن تبدأ- مثل: من هنا.. نبدأ. ثم مواطنون.. لا رعايا. وكذلك الديمقراطية أبداً. الدين للشعب ثم هذا أو الطوفان. وكذلك لكي لا تحرثوا في البحر.. وغيرها من روائع خالد محمد خالد. وتستمر قائمة كبار الكتاب الذين فتحت الوفد صفحاتها لانتاجهم مثل الدكتور محمد عصفور. والدكتور إبراهيم دسوقي أباظة. والدكتور عبدالحليم مندور وفتحت الوفد صفحاتها أمام الكتاب اليساريين ومنهم العزيز حسين عبدالرازق والصديق الكبير نبيل زكي والعزيزة أمينة النقاش.. وجمال سليم. ووصل الأمر إلي حد الاتفاق بين رئيسي حزبي الوفد والتجمع بحيث يكتب في الوفد الأستاذ نبيل زكي مقالاً أسبوعياً.. ويكتب عباس الطرابيلي رئيس تحرير الوفد مقالاً كبيراً بالصفحة الأخيرة من جريدة الأهالي وكان الهدف دعم جبهة المعارضة ضد النظام.. حتي وان اختلفت المبادئ والسياسات.. إذ كلنا- كل المعارضة- في صف واحد من أجل المعارضة السليمة. وفتحت الوفد صفحاتها أمام كتاب وصحفيين كبار يعملون بالصحف القومية كنا نقول لهم: صفحات الوفد ملك لكم.. وحدث ان كثيراً من هؤلاء كانت صحفهم «الأهرام. والأخبار. والجمهورية. وروزاليوسف» تمنع نشر مقالاتهم إذا لم تتفق مع تعليمات السلطان أو توجهاته ومن هؤلاء الكاتب الكبير محمد سلماوي الذي منعت «الأهرام» نشر بعض مقالاته.. وكنا نسارع بنشر هذه المقالات الممنوعة، بمجرد وصولها لنا. وكذلك الكاتب الإسلامي فهمي هويدي الذي كنا نرحب بنشر مقالاته التي يمتنع «الأهرام» عن نشرها.. وهو نفس ما حدث مع الكاتبة الكبيرة سكينة فؤاد التي امتنعت الأهرام عن نشر مقالاتها النقدية الخطيرة، وبالذات عن أخطاء السياسة الزراعية.. وزاد تمسكنا بالكاتبة الكبيرة بعد أن أنهت الأهرام علاقتها بها، بعد ذلك. أيضاً عندما قرر رئيس تحرير «الأخبار» من سنوات منع الكاتبة الكبيرة نعم الباز من نشر انتاجها هناك.. فاتصلت بها فوراً وقلت لها: صفحات «الوفد» مفتوحة وفوراً أمام كل ما تكتبين. وهكذا أثبتت جريدة الوفد انها جريدة الليبرالية الأولي في مصر ولم تفرق يوماً بين كاتب يميني أو يساري.. فالكل جنود معنا في معركة الحرية. معركة الديمقراطية.. معركة الليبرالية. وهذا دور عظيم تسجله صفحات «الوفد» علي مدي تاريخها.