"وراء كل عظيم امرأة" مقولة أثبت التاريخ صحتها على مر العصور، فكانت المرأة جزءا لا يتجزأ من مسيرة العظماء، أخضعت بسحرها الكثير من الرجال، وسكن إليها الأقوياء فاستولدت منهم خبرات متجددة لا تعد ولا تحصى. توماس أديسون "ابن والدته" "لقد صنعتنى أمى فقررت ألا أخيب آمالها .. كانت صادقة، أمينة، تثق بى، فشعرت أن لدى من أعيش من أجله، وقد ظلت ذكراها ترعانى على مر السنوات" هكذا كان يتحدث "توماس أديسون" عن والدته بعينان تغمرهما الدموع، فلقد كان لتلك السيدة الأثر الأكبر فى عبقريته، انطلاقا من إيمانها الكامل بقدرات طفلها الصغير الذى طالما اشتكى منه معلموه، فكانت بالنسبة له الدرع الآمنة التى يمكنه من مواجهة الحياة، وبحسب روايات مختلفة اعتادت والدة توماس أديسون على تخصيص جلسات يومية للتدريس لهذا العبقرى الصغير. يقول "توماس أديسون" عن أمه: "لقد اكتشفت مبكرا فى حياتى أن الأم هى أطيب كائن على الإِطلاق، لقد دافعت أمى عنى بقوة عندما وصفنى أستاذى بالفاسد، وفى تلك اللحظة عزمت أن أكون جديرا بثقتها، كانت شديدة الإِخلاص واثقة بى كل الثقة، ولولا إِيمانها بى لما أصبحت مخترعًا أبدا" . كانت لحظات وفاة والدة "توماس أديسون" من اللحظات الفارقة فى حياته، إذ تركت الأزمة آثارا عميقة فى نفسه جعلته عاجزا عن التعبير فى كل مرة يستدعى فيها مشهد الرحيل. أديسون والزوجة الثانية لم يستطع أديسون الخروج من أحزانه إلا عندما تزوج من فتاة جميلة تدعى "مارى" كانت تعمل فى مكتبه، رُزق منها بثلاثة من الأبناء، وبعد 13 عاما من الزواج استطاع خلالها "أديسون" أن يحظى بالشهرة والمال، فارقت "مارى" الحياة بعد إصابتها بمرض "التايفويد" لينخرط بعدها "أديسون" فى العمل محاولا النسيان، عاد "أديسون" لحياة العزوبية من جديد وأصبحت الفتيات تتهافتن عليه ما بين نظرة وابتسامة وتمنيات باللقاء. أما المشهد التالى لحياة "توماس أديسون"، فاستطاعت أن ترسم ملامحه تلك الفتاة الجميلة ذات الشعر الأسود الكثيف والعيون الخاطفة للانتباه.. إنها "مينى" ابنة العالم "لويس ميلر"، التى استطاعت خلال عزفها بأحد اللقاءات التى جمعتها مع "أديسون" أن تستحوذ على قلبه وعقله معا، ومنذ تلك اللحظات أبت "مينى" أن تغادر ذاكرة توماس أديسون، الذى ظل يتوسم فيها زوجة المستقبل، فلم يكف عن الحديث عن كمالها وجمالها حتى أمام ابنته "ماريون". استطاع "أديسون" أن يقف فى وجه عائلة "مينى"، التى كانت تخطط لزواجها منذ طفولتها ل "جورج" ابن أحد المعلمين الأشهر فى ذلك الوقت, وعبر "شفرات موريس" تبادل "أديسون" مشاعره مع "مينى"، ورغم الصعوبة التى واجهتها فى استخدامه تمكنت "مينى" بحركات بسيطة على جهاز التلغراف من إرسال كلمة "نعم" كرد لطلب "أديسون" الذى عرض عليها الزواج. وفى حفل بهيج تم الزفاف، بعدها لم يُسمع عن أديسون أخبار طيلة الثلاثة أسابيع الأولى من الزواج، فوفقا لسكرتيرته تعمد "أديسون" تجاهل الخطابات والتلغرافات المهمة مما أثار دهشة كل من عمل مع هذا الرجل. كانت "مينى" تتمتع بشخصية قوية، وكثيرا ماكانت تدفع أديسون للتصرف على طريقة النبلاء إلا أنها سرعان ما كانت تصطدم بشخصية "أديسون" التى كانت تتصف بالعناد. وتمتعت "مينى" بنوع من الاستقلالية مكنتها من مواجهة ساعات من الانتظار انشغل خلالها أديسون بأبحاثه وأعماله عن زوجته وأبنائه، حتى أنها كانت تذهب إلى مسكنها فى "نيوجيرسى"مكتفية باصطحاب أبنائها الثلاثة تاركة "أديسون" إلى هموم الوحدة التى عشقها ومتاعب العمل التى وجد فيها لذته. العنوسة من أجل الأخوة الأمريكيان "ويلبر"، و"أورفيل" المعروفان ب "الإخوان رايتط "، اخترعا أول طائرة ناجحة، وقاما فى يوم 17 ديسمبر 1903م بأول رحلة فى العالم على طائرتهم التي حلقت على ارتفاع 37 م لمدة 12 ثانية . ظل إِنجاز الأخوين رايت غير معروف لمدة خمس سنوات، ومع ذلك استمرا فى العمل بهدوء لتطوير اختراعهما، وكانا يؤمنان بأن الطائرات لن تحمل فقط المسافرين ولكنها ستحمل معها الأمل والسلام بين البشر. "كاثرين رايت"، الشقيقة الوحيدة للأخوين رايت، تلك الفتاة التى لم يتجاوز عمرها 15 عاما، بوفاة والدتها وجدت نفسها الداعم الدائم والوحيد لأخويها ثقافيًا وعاطفيًا وماديًا، حيث كانت تنفق ما تكسبه من مهنتها بالتدريس على كل ما يحتاجه أخويها، فكانت بالنسبة لهما الأم والأخت والصديقة الأمر الذى كان من شأنه أن يكتب لها النهاية لأى فرصة زواج. عُنيت "كاثرين" بالمسائل الاجتماعية ل "أورفيل" و"ويلبور"، والتى كانت دائمًا فى حالة من الفوضى، إِذ كان الإخوان رايت دائمى الخجل ولا يجيدون فن التعامل مع الناس حتى مع من كانوا يأتون لشراء نماذج طائراتهم. رد الجميل ؟! فى عام 1908 بعد العديد من المحاولات استطاعا "الأخوان رايت" أن يقنعا إِحدى الهيئات فى الولاياتالمتحدة لتدعمهما فى اختبارات طيرانهما لتمهيد بيع اختراعهما للحكومة، وفى هذا اليوم كان "أوروفيل" هو الطيار وبعد أن استطاع إِنجاز بعض النجاحات حدثت الكارثة عندما تحطمت الطائرة ولقى ركابها مصرعهم وجرح "أورفيل" جرحا شديدا، وبصحبة "ويلبر" فى فرنسا أسرعت "كاثرين" بالذهاب إِلى واشنطن فى إجازة طارئة من مدرستها قررت ألا تقطعها أبدا، وأصبح "أورفيل" الأكثر اعتمادا عليها فى كل شىء لتعود "كاثرين" من جديد لذلك الدور الذى آثرته من قبل وضحت فى سبيله بكل شىء. لقبتها الصحف الأوروبية ب "الأخ الثالث رايت"، على ضوء ما انتشر من شائعات لا تزال تعيش بيننا إلى الآن حول كونها هى التى مولت وصممت وشاركت فى حسابات طائرة رايت الأشهر حتى يومنا هذا، لتصبح فيما بعد رئيسة لشركة رايت فى عام 1912 عقب وفاة "ويلبور". كانت "كاثرين" فتاة جميلة ذات شعر أسود فاحم، وعيون زرقاء وابتسامة ساحرة، ذات شخصية مرحة تدخل القلوب من دون استئذان، ومع كل ذلك بقيت "كاثرين" دون زواج إِلى أن أصبحت فى الخمسينيات من عمرها، حيث آثرت مسئولية الأخوة على الزواج. في عام 1920 عاد قلب "كاثرين" إلى الخفقان عندما استعادت ذكرياتها مع الصحفى "هنرى هاسكيل"، وسرعان ما تبادلا الخطابات واتفقا على الزواج لكنهما اصطدما برفض "أورفيل"، والذى كان من أشد من المعارضين لهذا الزواج حتى أنه لم يحضر مراسم الزفاف ورفض مجرد التحدث إلى الزوجين. "لقد أذنبت كاثرين لاختيارها هنرى وتفضيلها عليه" هكذا كان يرى "أورفيل" موقف شقيقته من الزواج، والتى سعت جاهدة بعد ذلك نحو المصالحة لكنها كانت تصطدم بحالة من العناد. وبعد مرور سنتين من الزواج أُصيبت كاثرين بمرض فى الرئة وعندما علم "أورفيل" بمرضها رفض الاتصال بها أو زيارتها حتى دفعه لزيارتها صديقه "لورين"، فكان معها على فراش الموت حتى توفيت عن عمر 54 عاما.