"أنا واخويا على ابن عمي، وانا وابن عمي على الغريب".. مثل شعبي نسمعه كثيرا ونعمل به في مختلف المواقف وخاصة في "الخناقات"، ورغم أنه لم يحدد من فيهما على حق أخي.. ولا ابن عمي.. ولا حتى الغريب، فقد شمل المثل عملية الالتصاق والانحياز للأهل ضد الأقارب ومع الأقارب ضد "الغٌرب" بصرف النظر عن "الحق" مع من؟.. وهذا ما يحدث في الواقع، فنحن نتعلم منذ الصغر كيفية الانحياز للأقرب فالأقرب.. ولكن نادرا ما نتعلم أن ننحاز للحق حتى ولو على مستوى إبداء الرأي. ولكن ما حدث منذ أيام عندما أعلنت "فاطمة" ابنة محمد سليم العوا ،المرشح الرسمي لرئاسة الجمهورية، انحيازها لغريم والدها "محمد البرادعي" المرشح الآخر للرئاسة بصرف النظر عن كون "العوا" والدها. آثار هذا الموقف حفيظة البعض وأشاد به البعض الآخر.. فهناك من قال إنه كان لابد أن تقف فاطمة مع والدها لأنه هو من رباها وعلمها ودورها أن تقف بجانبه، وعلى الجانب الآخر أشاد كثيرون بموقف الابنة مبدين إعجابهم بوالدها نفسه الذي استطاع أن يربيها تلك التربية الديمقراطية المتحررة من كل التقاليد والعادات الخاطئة التي تجبر الأولاد على الالتصاق ليس فقط بآبائهم ولكن بآراء آبائهم أيضا فلا يكون لهم رأيهم الخاص المنفصل عنهم أحيانا بل والمخالف أحيانا أخرى. ولأن الرأي الأول الذي ينتقد فاطمة هو الرأي الغالب في مجتمعنا بحكم المنهج التربوي المتبع في معظم بيوتنا والمعتمد على جعل الآباء أوصياء على أبنائهم وآرائهم حتى بعد زواج هؤلاء الأبناء، كان لابد أن نوضح للآباء الطريقة المثلى التي بها يمكنهم أن يخلقوا من تلك الكائنات الصغيرة الوديعة أطفالا وشبابا وأزواجا لهم آراؤهم الخاصة المبنية على تفكير ومنطق صحيح، وليس مجرد تابعين لرأي كل حجتهم لأتباعه أنه رأي فلان. التحيز الأسري مرفوض ترى أميرة بدران ،الأخصائية النفسية، أننا في مجتمعنا نتعلم بشكل تلقائي "التحيز الأسري" والذي تكون مواقفنا فيه متحيزة مع أفراد أسرتنا بغض النظر عن حقيقة الوضع أو المصلحة العامة، وهو عيب علينا أن نقع فيه. وعلى الجانب الآخر لا يجب أن تتعدى الديمقراطية حدودها فلا نجرح والدينا أو أي شخص أيا كان، ولابد هنا أن نفرق بين أن يكون هناك عيب شخصي لن يتضرر منه شخص آخر وأن تكون هناك مشكلة تخص عموم الناس أو تضر بالمجتمع فلابد هنا ألا نتحيز لأهلنا، تماما مثل فكرة الستر والتستر فالستر يعني التعامل مع مشكلة شخصية لأنها لا تمس العموم، لكن التستر يكون على شيء يمس المصلحة العامة للناس ولا يجوز التستر عليه لأنه يضر بالمجتمع. وحتى نتجاوز هذه الإشكالية في تنشئة أطفالنا التي تجعل الأطفال ينشأون بشكل ديمقراطي متفتح تنصح بدران باتباع بعض الأسس التربوية السليمة التي تعتمد بدورها على عدة عوامل أهمها: 1- التربية بالتعبير عن الذات.. بمعنى أن يقوم الطفل بالتعبير عن نفسه وعن رأيه بحرية وبدون ضغوط مثل تلك التي نسمعها من الآباء عن أنه لا يجوز أن يعبر الطفل عن رأيه أمام الكبار أو وسط من يفوقونه عمرا. 2- يجب كذلك ألا يكون المناخ التربوي فيه نوع من النقد والسخرية أو الاستهتار والإهمال، وأن تخلو التربية من القسوة لأن كل أنواع التربية هذه تؤدي إلى حالة من "العجز" عن التعبير عن النفس أو المشاعر أو الأفكار، وكذلك تسبب "فقدانا للثقة في النفس" والتنازل عن الشخصية والذوبان في شخصيات الآخرين. 3- هناك أيضا عامل التعليم؛ فكلما كان تعليم الطفل تعليما راقيا في بيئة مدرسية تحترم الطفل وتجعله بؤرة الاهتمام في العملية التعليمية، ويكون صاحب أنشطة متعددة في المدرسة، وتكون العلوم التي يدرسها مرتبطة بحياته أو بالحياة عموما كلما ساعد ذلك بشكل كبير في بناء شخصية ديمقراطية متفتحة. 4- المشاركة الإيجابية، فكلما دفع الآباء أولادهم في خدمة المجتمع المدني كلما كان للأبناء القدرة على إبداء الرأي بحرية أكبر. البيوت أحرار بدوره ينبه ياسر محمود ،المستشار التربوي، لعدة أمور ينبغي العناية بها لكي ينشأ الأبناء على الحرية والتعبير عن رأيهم حتى ولو خالف ذلك أقرب الناس إليهم: 5- أن ينشأ الطفل في بيت تسوده أجواء الحرية والتعبير عن الرأي، فيرى والديه مثلا وهما مختلفان في الرأي حول مسألة ما، ويتناقشان فيها بكل ود واحترام دون أن يجرح أي منهما الآخر، فمثل هذا الموقف يعلم الابن بصورة تلقائية أن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية. 6- تدريب الطفل وتشجيعه على إبداء رأيه فيما يخص شئون الأسرة وفي الموضوعات التي تناسب عمره وقدراته، كأخذ رأيه عند الخروج لرحلة أو عند شراء شيء جديد في البيت على سبيل المثال، فمن المهم إشراك الأبناء في هذه الأمور والاستماع إلى آرائهم ووضعها في الاعتبار. 7- ويلفت المستشار التربوي إلى أن هذا الأمر يزداد أهمية إذا ما كان الحدث متعلقا بالإبن مباشرة، كشراء ملابس له أو حقيبته المدرسية، وعندها لا بد أن يكون رأيه هو المعمول به حتى ولو خالف ذلك رأي الوالدين. 8- تربية الطفل على التفكير الناقد، وذلك بأن يطلب منه الأب أن يبدي رأيه بشكل مستمر في العديد من المواقف التي تمر به، فمثلا عند مشاهدة موقف سلبي أو إيجابي يسأله ما رأيك في هذا الموقف، ويدير نقاشا معه حول هذا الموقف، وهكذا في غيره من المواقف، فينشأ الطفل ولديه قدرة على تقييم المواقف المختلفة في الحياة بعيدا عن آراء الآخرين.