الشباب عدة الأمم وعماد نهضتها وأمل مستقبلها.. وشباب مصر لهم الفضل الكبير في قيام ثورتي 25 يناير و30 يونية، ولا يعيب ثورة يناير ما أحيط بها من تآمر من جانب البعض في الداخل والخارج، ولابد لشبابنا أن يفهم ذلك، ويفهم أن الشعب مازال يؤيد هذه الثورة كما أيد وقام بثورة يونية.. وعليه أن يفهم أيضاً أن جماعة الإخوان الإرهابية التي سرقت ثورة يناير وقفزت عليها للاستيلاء علي السلطة.. رغم أنها كانت بعيدة عن الميدان في الأيام الأولي للثورة.. بل استنكرت النداءات بعزل مبارك!.. ثم فعلت فعلتها في جمعة الغضب، حيث الخيانة والتخابر، حين اقتحموا السجون بمعاونة عناصر غير مصرية، وقاموا بتهريب المساجين المحكوم عليهم، ومن الذين هربوا وتخابروا «محمد مرسي» واقتحموا أقسام الشرطة وبعض المؤسسات ودمروها وأحرقوها في توقيت واحد!، وركبت هذه الجماعة الثورة بعد ذلك، ورغم إعلان مرشدهم أكثر من مرة بعدم ترشيحهم أحداً للرئاسة، وبتحديد نسبة صغيرة لعضوية مجلس الشعب، ولكن كذبهم المعتاد هو الذين ساد كل تصرفاتهم.. وعشنا عاماً أسود في ظل حكم المرشد.. إلي أن انتفض الشعب وقام بثورة 30 يونية وعزل «مرسي»، فجن جنونهم وظهر حقدهم الأسود وأعلنوا الحرب علي شعب مصر وجيشها وشرطتها وعاثوا في الأرض فساداً، فقتلوا وحرقوا ودمروا وخربوا واستقووا بالأجانب. إن مشكلة شبابنا الآن، أنهم وقعوا في فخ أفكار الإخوان وكانوا فريسة لأساليبهم الوقحة في الإيقاع بين فئات المجتمع، فنجحوا في تغيير عقول بعض الشباب وأفهموهم أن غالبية الشعب لا سيما الذين قاموا بثورة 30 يونية وأيدوا خارطة الطريق هم من الفلول، وأنهم ضد ثورة 25يناير، وأن وسائل الإعلام تحجر علي فكر وإرادة الناس بتأييد الدستور وتكرار كلمة «نعم»!، وأن الرغبة الكاسحة لشعب مصر في ترشيح المشير السيسي للرئاسة، هي عودة لحكم «العسكر» وحكم الفرد والديكتاتورية وتقييد الحريات!، كما يزعم الإخوان، وهذا كله كذب وافتراء. ماذا حدث لكم يا شباب مصر؟! أفيقوا من غفلتكم قبل فوات الأوان وحكموا عقولكم وعودوا إلي صوابكم.. لقد منحتم الجماعة الإرهابية فرصة ذهبية لترويج هذه الأفكار الخاطئة، التي تحاول تشويه صورة مصر وثورتها وخارطة طريقها. لقد وصل الأمر بهؤلاء الشباب إلي تجاوز حدود أدب الحوار في هذا الأمر حتي مع آبائهم وأمهاتهم، لدرجة رفع الصوت وتجاوز الخطوط الحمراء في التعامل معهم، إن ديننا الحنيف يؤكد حتمية طاعة الوالدين والإحسان إليهما، ويؤكد احترام الصغير للكبير، ويؤكد أدب الحوار، ولنا في رسولنا الكريم - صلي الله عليه وسلم - أسوة حسنة، حين قال: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، وقال الله تعالي في حق رسولنا الكريم: «وإنك لعلي خلق عظيم». لقد تجاوز بعض الطلاب والطالبات حدود اللياقة والأدب والاحترام في التعامل مع أساتذتهم بالمدارس والجامعات، بل وصل الأمر - كما حدث في جامعة الأزهر - ومن الطالبات للأسف الشديد إلي التطاول والضرب وتعرية ملابس بعض أساتذتهن من النساء!.. ناهيك عما يفعلونه من حرق وتدمير وتخريب مبني الجامعة وغيرها، إلي جانب إطلاق الهتافات البذيئة والمعادية للشعب والجيش والشرطة ورموز الوطن! إنني أذكر مثالاً للشباب المحترم الذي يعد نموذجاً يحتذي به في أدبه وأخلاقه واحترامه لمعلميه ولمن هم أكبر منه سناً، حتي بعد تخرجه في الجامعة وتوليه مناصب قيادية في الدولة.. إنه من بلدة شقيقة وقفت إلي جانب مصر في ثورتها ومحنتها، وفي مواجهتها للإرهاب، وبالدعم المادي والمعنوي، وهي المملكة العربية السعودية، إنه صاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد بن عبدالعزيز آل سعود، الرئيس العام لرعاية الشباب، الذي حل محل والده الراحل في هذا المكان المهم.. فأعطي درساً في الوفاء لوالده الذي كان راعياً للشباب وقدوة ونموذجاً رائعاً لشباب بلاده.. إنه يواصل رسالة أبيه بنجاح ويجتهد كثيراً لنجاح عمله وأداء دوره بإخلاص وتفانٍ.. يتوج هذا كله أدب جم وخلق طيب كريم وتواضع وعطاء بلا حدود.. واحترام الكبير والصغير في آن واحد. لقد زرته ذات مرة في العام الماضي بمكتبه بالرئاسة العامة لرعاية الشباب بالرياض.. وأسرني بحسن استقباله وكرم ضيافته وتواضعه، واحترامه لمعلميه السابقين ووفائه لهم - فقد قمت بالتدريس لسموه من قبل في مدارس الرياض في الثمانينيات - وأثناء جلوسي معه بمكتبه قمت بإهدائه بعض لوحاتي الخطية، فوقفت لأريها له واحدة واحدة.. فقام من مقعده، أثناء وقوفي، فقلت له: اتفضل اجلس يا سمو الأمير.. فقال بالحرف الواحد: «كيف أجلس ووالدي وأستاذي واقف؟».. لقد ترقرقت الدموع في عيني تأثراً وأنا أستمع لهذه الكلمات من الوزير الذي كان تلميذي في يوم ما منذ أكثر من ثلاثين عاماً، في نفس اللحظة أتذكر وأقارن بين هذا الموقف وما يحدث من شبابنا الآن من عدم احترامهم لمعلميهم وأساتذتهم، وإهانتهم وبهدلتهم في المدارس والجامعات.. رحم الله أحمد شوقي حين قال: «إنما الأمم الأخلاق ما بقيت.. فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا».