منذ قرار إثيوبيا بالبدء فى تحويل مجرى مياه النيل الأزرق تمهيدًا لبناء سد النهضة أو ما يسمى ب"سد الألفية"، والأزمة تراوح مكانها، حيث التعنت الواضح ل"أديس أبابا" بشأن استكمال بحث النقاط العالقة التى لم يتم التوصل لاتفاق بشأنها، خلال الاجتماع الثلاثى الذى عُقد بالعاصمة السودانية "الخرطوم" أوائل شهر يناير الماضي. الموقف المصرى الحالى يصفه البعض ب"المتردد" أو "المهزوز"، حيث يُفضِّل اللجوء للحوار والدبلوماسية الهادئة، بعد أن كانت اللهجة فى السابق تتسم بالصرامة والحزم، الأمر الذى دعا بعض الإعلاميين والسياسيين قبل فترة ليست بالبعيدة للمطالبة باستخدام القوة والقيام بعمل عسكرى ما، للحفاظ على الحقوق التاريخية، ومطالب مصر العادلة فى حصتها من المياه، والتى تغطى أكثر من 85% من احتياجاتها. إن جميع التقارير الفنية للخبراء أثبتت أن أديس أبابا فشلت فى إثبات عدم الضرر الذى من المتوقع أن يلحق بالقاهرة جراء بناء سد النهضة، والتى تؤكد أيضًا أن حصة مصر ستتأثر خلال فترة ملء خزان السد وأثناء فترة تشغيله، حيث من المتوقع إذا تم الانتهاء من بناء السد، أن تقل حصتنا من 55 مليار متر مكعب إلى 40 مليارًا، وبالتالى وقوع تأثير مباشر على إمكانية توليد الكهرباء من السد العالي، وانخفاض الأراضى الزراعية بنسبة 30 %. خطور سد النهضة الإثيوبى كما يقول خبراء ومتخصصون قد تتحقق فى ظل احتمال وقوع سيناريوهات كارثية لا قدَّر الله، مثل قيام السودان بمضاعفة حجم استصلاح الأراضى بسبب انتظام المياه الواردة إليها وانقطاع قدوم الفيضان بسبب السد، أو احتمال انهياره، وما ينجم عن ذلك من تدفق 74 مليار متر مكعب من إثيوبيا إلى السودان ومصر، وبالتالى تكون هناك احتمالية غرق مدن بأكملها فى السودان ومصر، إذا كانت بحيرة ناصر ممتلئة. لا يمكن قانونيًا لأى دولة من الدول التحكم فى نهر النيل وحدها، لأنه نهر دولى تحكمه قواعد القانون الدولي، والتى تؤكد حق مصر فى الحصول على حصتها المحددة من مياه النيل، خاصة إذا علمنا أن نصيب مصر والسودان من المياه المتوافرة فى حوض نهر النيل يساوى عُشر المياه المتوافرة من الناحية الفعلية، حيث يتم إهدار الباقى عبر ظروف مختلفة فى إثيوبيا وأوغندا وكينيا وبروندي. عندما وقعت مصر وبريطانيا سنة 1929، وثيقة حول اتفاقية تقاسم مياه النيل، فقد تم بموجبها منح مصر حق استغلال 55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل، إلى جانب توقيع بريطانيا فى نفس السنة، نيابة عن أوغندا وتنزانيا وكينيا، اتفاقًا مع الحكومة المصرية يتضمن إقرار دول الحوض بحصة مصر المكتسبة من مياه النيل، ولذلك إذا حاولت أى دولة استغلال مياه النيل بما يضر مصر أو السودان فإن ذلك يعد إهدارًا لحقوق مصر التاريخية وحقوق السودان، والاتفاقيات الدولية فى هذا الشأن. قد نتفهم احتياجات إثيوبيا من التنمية، وإنشاء سد بسعة تقدر ب 14 مليار متر مكعب فقط، بحيث تستطيع إثيوبيا من خلاله توليد الكهرباء بما يفوق السد العالي، لكن لا يمكن القبول بشكل قاطع، إنشاء السد بسعة 74 مليار متر مكعب، لأن هذا السد سيكون بمثابة الإجحاف بحصة مصر ومصالحها المائية، وبالتالى سنكون أمام معركة مصيرية، مع دول حوض النيل، تتلخص فى أننا أمام خيار أوحد، وهو إما أن "نتقاسم" الحياة أو "نتقاسم" الموت!.