كشف حادث اغتيال اللواء محمد السعيد رئيس المكتب الفني لوزير الداخلية عن وجود خلل جسيم في تأمين قيادات الوزارة، خاصة أن هناك عددا كبيرا من الضباط معرض لنفس المصير بعد أن كشفت الجماعات الإرهابية النقاب عن قدراتها وقامت بنشر قوائم بأسماء وعناوين وأرقام تليفونات عدد من الضباط الذين شاركوا في فض اعتصامي رابعة والنهضة علي شبكة الانترنت، ورغم أن قوات الأمن تمكنت من ضبط 9 من المتهمين الذين قاموا بنشر القوائم، إلا أن نشر القوائم بهذا الشكل أكد أن اللواء السعيد لن يكون الأخير، فقائمة المطلوبين طويلة تضم العديد من قيادات الداخلية وضباطها وعلي رأسهم الوزير اللواء محمد إبراهيم الذي تعرض لمحاولة اغتيال فاشلة من قبل، ومن ثم أصبح تأمين هؤلاء الضباط مهمة مصيرية للوزارة حماية لرجالها أولا وثانيا لطمأنة رجل الشارع الذي بدأت الهواجس تطارده، فإذا كان رجال الداخلية مستهدفين بهذا الشكل فماذا عن البسطاء؟! «الوفد» انتقلت الي العناوين المنشورة بالصفحات الإخوانية وحاورت عددا من ضباط القائمة المطلوبين من الجماعات الإرهابية والذين أكدوا أن النشر زادهم إصرارا علي مواجهة الإرهاب ولكن تأمين 35 ألف ضابط مهمة تكاد تكون مستحيلة، خاصة أنهم يسكنون في أحياء يسكن فيها مواطنون من كل الفئات وإذا كانت مدن ومساكن ضباط الشرطة المنتشرة في بعض المدن الجديد مؤمنة الي حد ما فإن من يقيمون خارجها يعدون صيدا سهلا لجماعات لا تعرف الرحمة. معادلة صعبة للغاية تعمل وزارة الداخلية علي إيجاد حل لها، فالوزارة التي تعتبر أمن المواطن هو مهمتها الأولي عجزت عن توفير هذا الأمن لرجالها الذين تغتالهم يد الإرهاب واحدا تلو الآخر فبدءا من محاولة اغتيال اللواء محمد إبراهيم نفسه ومرورا باغتيال العميد محمد مبروك والمقدم أحمد الكبير ومحمد أبوشقرة وغيرهم وانتهاء باغتيال اللواء محمد السعيد ناهيك عن أفراد الشرطة الذين تقطفهم يد الإرهاب كل يوم، كل هذا يؤكد أن رجال الداخلية أصبحوا في مرمي نيران الإرهاب، ومع نشر قوائم كاملة بأسماء ضباط الداخلية الذين شاركوا في فض اعتصامي النهضة ورابعة مزودة بأرقام تليفوناتهم الشخصية ومحال إقامتهم أضيفت مهمة جديدة للداخلية وهي توفير الأمن لرجالها أولا حتي يمكنهم تأمين المواطن المصري، وكانت بعض الصفحات الإخوانية علي موقع التواصل الاجتماعي «الفيس بوك» نشرت قوائم بأسماء ضباط الشرطة الذين شاركوا في فض اعتصامات الإخوان وتضمنت هذه القوائم أسماء عدد من القيادات والضباط، ومع التهديدات الإرهابية التي يتعرض لها رجال الشرطة من اغتيالات وحرق سيارات بعضهم أصبح هؤلاء الضباط المطلوبون من الجماعات الإرهابية في خطر، خاصة أن عملية اغتيال اللواء محمد السعيد كشفت عن انعدام تأمين قيادات الوزارة فما بالنا بصغار ضباطها الموجودين في الشارع أو أولئك الذين تم الإعلان عن أسمائهم وعناوينهم علي شبكة الانترنت. الرائد إيهاب السيسي أول اسم في قائمة المطلوبين في فض اعتصام رابعة أكد لنا أنه بعد نشر القائمة تم تأمين الضباط ولكن ليس من المنطقي أبدا أن تضع الوزارة عسكريا وراء كل ضابط يحميه، فالأعمار بيد الله أولا وأخيرا. وأضاف: طبيعة عملنا تفرض علينا التعامل مع المجرمين والإرهابيين ونحن قادرون علي مواجهتهم ولن نحتاج حماية من أحد، فالله تعالي هو الحامي خاصة أننا ننفذ واجبنا تجاه وطننا وحماية أمنه، وأكد أن تأمين كل هذا العدد من الضباط أمر صعب للغاية وليس من المنطقي لذلك فنشر أسماءنا بهذا الشكل لم يؤثر علي إرادتنا في مواجهة الإرهاب، والأهم في هذه المواجهة هو القبض علي أولئك الأشخاص الذين قاموا بنشر القوائم ومعاقبتهم وفقا للقانون. وكانت قوات الأمن تمكنت من القبض علي عدد 9 أفراد ممن قاموا بنشر قوائم أسماء الضباط علي شبكة الانترنت وتبين من تحقيقات نيابة أمن الدولة العليا أن أحد موظفي المصرية للاتصالات المعروف بانتمائه الي جماعة الإخوان المسلمين وراء تسريب معلومات عن عدد من ضباط الأمن الوطني الي أحد الجهاديين الذي قام باستهداف ضباط الشرطة وذويهم، وتم نشر القوائم علي عدد من صفحات جماعة الإخوان الإرهابية التي طالبت روادها بالقصاص للشهداء والمصابين والثكلي، وتضمنت القائمة الأولي أسماء 4 ضباط ما بين مقدم ونقيب شاركوا في فض اعتصام النهضة بينما تضمنت القائمة الثانية أسماء 22 ضابطا شاركوا في فض اعتصام رابعة تتراوح رتبهم بين لواء ومقدم ونقيب ورائد وهو ما ينذر بزيادة قائمة شهداء الشرطة إذا لم يتم تأمينهم. «الوفد» تجولت في أماكن سكن هؤلاء الضباط بمدينة نصر فتبين أنهم يقيمون في مناطق سكنية تضم فئات مختلفة من المواطنين وبالتالي فالشوارع مفتوحة أمام الجميع وأمام كافة الاحتمالات أيضا، وإذا كان الإرهابيون تمكنوا من اغتيال اللواء السعيد وحرق سيارة ضابط شرطة مقيم بمدينة الشيخ زايد فكل الاحتمالات الأخري متاحة، ولذلك قام عدد من الضباط المطلوبين بتغيير محال إقامتهم وفقا للمقدم عمر الشريف أحد الأسماء التي تضمها القائمة، مشيرا الي أن بعض العناوين التي وردت في القائمة غير صحيحة ومن كان عنوانه صحيحا فيها قام بتغيير محل سكنه خوفا علي أسرته وليس علي نفسه، واستطرد قائلا: نشر هذه القائمة لم يزدنا إلا إصرارا علي المقاومة والإرهاب لن يخيفنا أبدا ولن يثنينا عن عزمنا في حماية أمن المواطن المصري والوطن كله. ومهمة تأمين 35 ألف ضابط بالداخلية مهمة تكاد تكون مستحيلة خاصة أنهم يقيمون في أماكن متفرقة، وإذا كانت مدن الضباط المنتشرة في مدينة 6 أكتوبر تمكنت من تأمين نفسها عن طريق شركات أمن خاصة ولجان أمن مشكلة من قبل اتحاد شاغلي المدينة فإن المشكلة ستكون أكبر بالنسبة لمن يقيمون خارج هذه المدن وأصبح علي هؤلاء الضباط مهمة حماية أنفسهم بأنفسهم وهو ما أكده أحد ضباط القائمة - رفض ذكر اسمه - مشيرا الي أن الوزارة لا يمكنها تأمين كل هذا العدد من الضباط من مختلف الرتب، ومن ثم فعلي الضباط حماية أنفسهم خاصة أن كيفية التعامل مع الحوادث الإرهابية المفاجئة هو جزء من التدريب الأساسي للضباط، لذلك يجب أن يكون كل ضابط علي أهبة الاستعداد للتعامل مع أي حادث مفاجئ. وسألته: ولكننا لم نلحظ هذا مع اللواء محمد السعيد الذي اغتالته يد الإرهاب ولم يتمكن سائقه حتي من المواجهة؟ قال: بحكم السن وطبيعة العمل فاللواء السعيد لم يكن يحمل سلاحا وسائقه ليس مدربا للتصرف في مثل هذه الحالات ولذلك يجب أن يحصل كل الضباط من مختلف الرتب علي دورات «تذكيرية» لتذكيرهم بما نسوه من طرق المواجهة وسرعة التصرف في حال تعرضه لهجوم. وأضاف رغم أن الوزارة زادت من تأميننا في مقار أعمالنا ومنازلنا بعد نشر القائمة إلا أن هذا الوضع لن يستمر للأبد، ومن ثم فيجب علي كل ضابط أن يتعلم كيفية مواجهة أي معتد أو بمعني أدق يسترجع معلوماته عن كيفية تفادي الخطر والتعامل معه. جدير بالذكر أن هناك العديد من المناطق التي يقيم بها ضباط الشرطة في القاهرة والجيزة وهي معلومة للجميع هذه المناطق تمكن المقيمون فيها من تأمينها خوفا علي أسرهم ففي مدينة الفردوس تم وضع نظام للتأمين يتضمن تفتيش السيارات خاصة سيارات النقل المغلقة بينما السيارات الملاكي تمر بسهولة من البوابات وهو ما ينذر بالخطر ورغم استغاثة اتحاد شاغلي المدينة بشركات أمن خاصة ولجنة أمن تابعة للاتحاد يعمل فيها عدد من سكان المدينة أنفسهم، إلا أن إقامة عدد كبير من المدنيين داخل المدينة جعل مهمة تأمينها صعبة عكس ما يحدث في مدينة الخمائل التي تشهد تأمينا جيدا ولكن إذا كان المقيمون داخل هذه المدن تم تأمينهم بشكل أو بآخر فإن من يقيمون خارج هذه المدن عليهم حماية أنفسهم، ولذلك يجب أن يكون هناك وسائل أخري لتأمين هؤلاء الضباط خاصة من يقيم منهم في مناطق سكنية مفتوحة تضم آلاف المواطنين الذين لا يعلم أحد انتماءاتهم. ورغم أن وزارة الداخلية تضم إدارة للأمن والحراس إلا أن مهمة تأمين 35 ألف ضابط ليست بالمهمة السهلة ولا توجد دولة في العالم تقوم بتأمين ضباطها إلا أن الظروف الحالية التي تمر بها مصر جعلت هذا الأمر ضروريا خاصة أن رجال الداخلية أصبحوا مستهدفين ومن هنا يري اللواء أحمد الفولي مدير إدارة الأمن والحراسة بوزارة الداخلية الأسبق أن مسألة تأمين ضباط الداخلية لم تأخذ الاهتمام الكافي من الوزارة ولذلك تعرض عدد من رجال الداخلية للاغتيال حتي الوزير نفسه تعرض لمحاولة اغتيال ولولا العناية الإلهية لكان في عالم آخر الآن، وهو ما جعل رجل الشارع يشعر بالخوف بسبب ما يحدث لرجال الداخلية ومن ثم فلابد من وجود وسيلة لتأمين ضباط الداخلية وإذا كانت إدارة الأمن والحراسة بالوزارة تقوم بتأمين الوزير ومساعديه فإن باقي الضباط يجب أن يتم تعليمهم كيفية حماية أنفسهم حتي تتفرغ الإدارة لتأمين القيادات الكبري وذلك بتوفير حراسة لهم في أماكن عملهم ومنازلهم وهذا علم معروف في العالم كله، وهناك عدد من القيادات الشرطية في مصر حصلت علي شهادات عالمية في هذا المجال، وهناك خبرات مصرية نادرة يمكن الاستعانة بها في هذا المجال كمستشارين متطوعين للعمل في الوزارة لعلاج هذا القصور في تأمين قيادات الوزارة وعقد دورات تدريبية لصغار الضباط لتعليمهم كيفية تأمين أنفسهم. وأضاف: في كل دول العالم يتم تأمين قيادات الداخلية والأمن عن طريق أشخاص يتبعونهم في كل مكان أو تأمين منازلهم الكترونيا وتعليم الشخص نفسه كيفية معاونة حراسه لحمايته وهذا علم يجب أن يدرس في مصر ويتعلمه قادة الداخلية وضباطها حتي يمكنهم التعامل مع أي محاولة للإضرار بهم. وإذا كان مقتل اللواء نبيل فراج الذي استشهد في أحداث تطهير كرداسة والذي أصيب برصاصة في مقتل رغم ارتدائه الصديري الواقي، ومن بعده جاء مقتل اللواء محمد السعيد الذي استشهد برصاصة اخترقت زجاج سيارته لتستقر في عنقه، هذه الأحداث كشفت أن الإرهابيين يستعينون بقناصة مدربين علي أعلي مستوي للقتل، فإن هذا يتطلب تدريبا عالي المستوي لضباط الداخلية أيضا لتفادي هذه الأخطار، ومن ثم يري اللواء الفولي ضرورة الاستعانة بالخبراء لتعليم ضباط الداخلية علي اختلاف رتبهم كيفية تفادي المخاطر والتعامل مع الأحداث المفاجئة.