يظن البعض أن الانتفاضة الأولى للشعب المصرى, التى نادت بالعيش و العدالة الاجتماعية فى الخامس و العشرين من يناير,عام 2011، و لكن هذه الاعتقادات مغايرة للواقع فأول انتفاضة حقيقة عرفها الشعب المصرى فى العصر الحديث تنادى بالعيش و العدالة الاجتماعية كانت فى عام 1979 ، ما أطلق عليها " ثورة الخبز أو ثورة الجياع " أو كما أطلق عليها الرئيس الراحل أنور السادات " انتفاضة الحرامية "، ليكسر بها المصرى القاعدة المعروفه " يتحرك أبو الهول و لا يتحرك المصرى " . فى 18و19 يناير 1977, خرجت الملايين الغاضبة، فى انتفاضة تشبة يوم الغضب فى الثامن و العشرين من يناير، تطالب بالحد الأدنى من الحياة و هو "رغيف الحبز "، رافضين غلاء ست سلع رئيسية وهى الأرز، والسكر والدقيق والصابون والزيت والجاز بنسب تتراوح من 25 إلى 70% ولم تتعد الزيادة مبلغ ال3 قروش لكل سلعة . اعتمدت الحكومة, فى ذاك الوقت بشكل مباشر على الإعانات و القروض الخارجية، و أصدرت قانون " الانفتاح الاقتصادى " عام 1974 و تم اعتبار بورسعيد منطقة حرة و اعتبرت الحكومة أن هذا القانون سيحقق الرفاهية الاقتصادية لمصر، إلا أن الرياح تأتى دائما بما لا تشتهى السفن، حيث بدأت الضغوط الخارجية من قبل بنك و صندوق النقد الدوليين، بضرورة تحرير الأسعار و رفع الدعم عن السلع. و بناء عليه أصدرت الحكومة المصرية, قرارا برفع الدعم عن السلع، و فوجئ المواطنين بارتفاع أسعار هذه السلع الست دون زيادة فى الدخل، مما دفعهم إلى الخروج بالملايين إلى الشوارع المصرية. و فى تمثيل دقيق لمقولة " الجوع كافر " خرجت الملايين البسيطة الغاضبة تجتاح الشوارع القاسية و تقطلع كل ما بأيدى الأغنياء سواء كان حق لها أم لا، كما حرقت كل شئ أمامها ، حتى طال الحريق استراحات الرئاسة ومؤسسات الدولة، مما استدعى الرئيس السادات إلى إعلان حالة الطوارئ و نزول الجيش لأول مرة بعد ثورة يوليو إلى الشوارع للسيطرة على الغضب الجماهيرى، و الذى أسفر عن مقتل 77 مواطن و إصابة 566 من الأهالى و الشرطة . بدأت المظاهرات بالعمال و انطلقت من حلوان، نظرا للكثافة العمالية بالمدينة، و امتدت إلى القاهرة و بدأت تنتشر بعد ذلك بصورة عنيفة، و وجه العمال من خلال هتافتهم رسالة إلى النظام الحاكم تلخص أبعاد المشكلة بعدد قليل من الكلمات " يا حاكمنا فى عابدين فين الحق و فين الدين ؟ و "سيد مرعى يا سيد بيه كيلو اللحمة بقى بجنيه ". اضطر السادات إلى التراجع عن قرارته لمواجهة تلك الأزمة التى هزت أركان نظامه و كادت أن تؤدى بحكمه إلى الهاوية، واتخذ مجموعة من القرارات العقلانية بسرعة البديهة التى كان يتميز بها، أولها: إعطاء الأمر للمشير محمد عبدالغنى الجمسى، القائد العام للقوات المسلحة، بنزول الجيش وحظر التجول، كما تم إعلان إلغاء قرارات رفع الأسعار مع استمرار منح العلاوة الإضافية التى قررت . و تمكن السادات من حل الأزمة خلال ثلاثة أيام فقط من حدوثها ، ففى 21 يناير ، تم رفع حظر التجوال و سحب قوات الجيش من الشارع . تعتبر " ثورة الجياع " بركان يهز ثبات أى نظام إذا لم يتمكن من تحجيم نسبة الفقر وتقليل الفارق بين الطبقات، و يبقى التساؤل هنا " هل سيستطيع النظام القادم تحجيم تلك الأزمة، أم ستشهد مصر ثورات جياع فى الفترة المقبلة ؟ " .