تتشابه أوضاع انتفاضة 17 و18 يناير عام 1977 مع أوضاع 17 و18 يناير 2013 فى مصر، فهل نشهد إعادة لانتفاضة الجياع مرة ثانية؟ كان سيد مرعى على علاقة وثيقة بأنور السادات، وكان يُعد من أكبر أصحاب النفوذ فى عهد السادات، تزوج أحد أبناؤه من كريمة السادات، كما أوردت مجلة فوربس اسمه ضمن قائمة أغنى 400 شخص فى العالم آنذاك، وامتلك مرعى مزرعة للإتجار فى فراء الثعالب بناحية الهرم بالجيزة. وفى عام 1977 كان لسيد مرعى دور فى انتفاضة الخبز فقد كان مرعى رئيس مجلس الشعب، وكانت هتافات المتظاهرين فى الأحداث تردد "سيد بيه يا سيد بيه.. كيلو اللحمة بقى بجنيه". وقد أطلق السادات على الانتفاضة آنذاك "انتفاضة الحرامية" لكنها كانت نتاجا لمعاناة الشعب المصرى من تدهور أوضاعه الاقتصادية بعد حرب أكتوبر 73، وكانت ينتظر قرارات حكومية تخفف عنه هذه المعاناة، وتحقق له وعد الرئيس بتحقيق الرخاء الاقتصادى الذى ردده فى الكثير من خطاباته، وإمكانية أن يحلم كل شاب بتملك فيلا صغيرة وسيارة كما كان يردد. وإذا بنائب رئيس الوزراء للشئون المالية والاقتصادية الدكتور "عبد المنعم القيسونى" يعلن فى بيان له أمام مجلس الشعب عام 1977 مجموعة من القرارات الاقتصادية الصادمة ومنها رفع الدعم عن السلع الأساسية، وذلك برفع أسعار الخبز 50% والسكر25% والشاى 35% وكذلك الأرز والزيت والبنزين و25 سلعة أخرى من السلع التى لا يستطيع الفقراء العيش بدونها، لذا كانت الصدمة شديدة. وخرجت المظاهرات الحاشدة العفوية بدون تنسيق أو تخطيط مسبق فى عدد من التجمعات العمالية الكبيرة، فى منطقة حلوان بالقاهرة فى شركة مصر للغزل والنسيج، والمصانع الحربية بحلون، وفى مصانع الغزل والنسيج فى شبرا الخيمة، وعمال شركة الترسانة البحرية فى منطقة المكس بالإسكندرية، حيث بدأ العمال فى تجمعات صاخبة تعلن رفضها للقرارات الاقتصادية وتخرج إلى الشوارع فى مظاهرات حاشدة تهتف ضد الجوع والفقر، وبسقوط الحكومة والنظام رافعة شعارات تلقائية منها: "يا ساكنين القصور.. الفقرا عايشين فى قبور"، و"يا حاكمنا فى عابدين.. فين الحق وفين الدين"، و"سيد مرعى يا سيد بيه.. كيلو اللحمة بقى بجنيه"، و"عبد الناصر ياما قال.. خللوا بالكم م العمال"، و"هو بيلبس آخر موضة.. وإحنا تاكلنا السوق السودا.. هو بيلبس آخر موضة.. واحنا بنسكن عشرة ف أوضة"، و"بالطول بالعرض.. حنجيب ممدوح الأرض"، و"آه يا حكومة هز الوسط.. كيلو اللحمة بقى بالقسط"، و"هما بياكلوا حمام وفراخ.. واحنا الفول دوخنا وداخ"، و"هو بيبني في استراحات .. واحنا نعانى آهات وآهات". وفى اليوم التالى اشتعل بركان الغضب.. العمال والطلبة والموظفون والعامة حتى السيدات، اندلعت المظاهرات وردد الناس هتافات الغضب ضد ممدوح سالم رئيس الوزراء، وضد سيد مرعي رئيس مجلس الشعب، ثم خرج طلاب الجامعات فى المظاهرات، التى تحولت إلى أعمال عنف ضد المصالح الحكومية وأقسام الشرطة، واستراحات الرئاسة بطول مصر، ووصل الهجوم إلى بيت محافظ الدقهلية بالمنصورة حيث تم نهب أثاثه وحرقه، ومن أسوان إلى الإسكندرية تحطمت المحلات التجارية والمنشآت العامة والسيارات، وسقطت عشرات القتلى والمصابين (79 قتيلا و214 جريحا)، واستمرت حتى وقت متأخر من الليل، مع عنف شديد من قوات الأمن، وتم القبض على مئات المتظاهرين. وأمر السادات بنزول الجيش إلى الشارع لقمع المظاهرات، وأعلنت حالة الطوارئ، وتقرر حظر التجوال فى كل مصر من السادسة مساء إلى السادسة صباحا. ثم تم الإعلان عن إلغاء القرارات الاقتصادية، فى نشرة أخبار الثانية والنصف. وقد أطلق السادات على الانتفاضة "انتفاضة الحرامية" نظرا لما تم من سرقة اللحم والمحلات فاحشة الثراء.. انتفاضة حركها وقام بها اليسار المصرى.. وبعدها قرر السادات مساعدة الإخوان للوصول والخروج من تحت الأرض.. وحدث فعلا وباع الإخوان الانتفاضة واعتلو مناصب عليا فى البرلمان حتى اغتيل السادات. ومن يناير 1977 إلى يناير 2013، يأتى دور الدكتور "هشام قنديل" المترنح فى عدم القدرة على حل مؤشرات كثيرة تؤكد أن البلاد مقبلة على مثل هذا السيناريو الكابوسى من انتفاضة الجياع، لاسيما مع تردى الوضع الاقتصادى للدولة، وارتفاع الدولار بشكل كبير، ومحاولات الحكومة اليائسة إبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولى للحصول على قرض ب4.8 مليار دولار، يعطيها شهادة حسن سير وسلوك لاقتصادها، من أجل اجتذاب الاستثمارات الأجنبية، فيأتى مشهد 77، الذى مضى عليه نحو 36 عاما؛ زيادة أسعار معظم السلع الغذائية، وارتفاع عجز الموازنة واختلال الميزان التجارى. وفى الوقت الحالى وصل عجز الموازنة إلى 200 مليار جنيه تقريبا، مع ارتفاع حاد فى الدولار سينعكس على أسعار كل السلع، وأعلى معدل فقر منذ سنوات، ف"هشام قنديل" تعامل مع أزمة ارتفاع الأسعار، بإجراء تغييرات وزارية فى حكومته -عن طريق الأوامر بالطبع- وفى عدد من الوزارات السيادية والاقتصادية، حتى أن نادر بكار، المتحدث الرسمى باسم حزب النور السلفى، قال: إن حكومة قنديل، لديها مشكلة كبيرة فى إدراك الأزمات والتعامل معها والتدخل السريع بوضع آليات للحلول. أزمات حكومة قنديل تتعلق بالبنزين والسولار والخبز وهى أزمات ليست مفتعلة، لأنها ترتبط بمشكلة حقيقية ناتجة عن سوء الإدارة وهى مشكلة الدعم، وهى تؤثر على الحالة الاقتصادية، وعدم وجود أموال لتمويل هذه الأزمات وأن وزارة البترول بداية كل شهر عليها تقديم 600 مليون جنيه لوزارة المالية، والسيولة المالية غير كافية لتغطية النفقات. تلك الأزمات التى تحيط بحكومة قنديل لا يصلح لها التعامل بالمسكنات التى تتعامل بها حكومته.. فهل يتكرر مشهد 77 مرة ثانية؟