أعلنت وزارة الداخلية عن رفضها لمبادرة تقدم بها عدد من العلماء لإعادة التأهيل النفسي لضباط الشرطة ، ونسي المسؤولون أن ضابط الشرطة كغيره من البشر.. ولد في بيئة سوية واجتهد في دراسته ليجد نفسه وسط مجرمين وبلطجية بما يشكل ضغوطا نفسية وعصبية جعلته في بعض الأحيان غير قادر علي التفرقة بين المواطن السوي وغير السوي. وإذا كانت وزارة الداخلية قد رفضت المبادرة دون مبرر مقنع فإن للضباط وأمناء الشرطه رأيا آخر .. مرحبا بالتأهيل..لا للعلاج أحد الضباط حين سألته عن فكرة التأهيل النفسي أجاب مستنكرا: وهل نحن مرضي؟! وحينما شرحت له تفاصيل المبادرة وأن الهدف منها رفع كفاءة أدائهم وتخليصهم من العنف الذي يتعاملون به ضد المجتمع، قال: " لم أسمع بها من قبل ..وعقب: مهنة ضابط الشرطة تفرض علينا التعامل مع مجرمين وبلطجية وحرامية وهو ما يجعلنا دائما منفعلين نستخدم ألفاظا وأساليب لم نكن نعتد عليها بين أفراد عائلاتنا ومحيطنا الطبيعي، وهذه الأساليب "سيم" بين الضابط والمجرم ليقر ويعترف بجريمته وهو بهذا يوصل له رساله أنه يعرف ما يدور برأسه، لذلك يعود الضابط إلي بيته بمزاج مختلف.. ومن الممكن أن يتشاجر مع أسرته ، وهذا شيء طبيعي، لذلك أرى أن التأهيل النفسي ،وليس العلاج، أمر عادي بل مطلوب ويشبه كثيرا قيام أي مواطن بعمل تحاليل للسكر وخلافه . كسبنا المجرمين وخسرنا الجماهير حينما اقتربت منه في مكتبه بمحطة المترو وألقيت عليه التحية بادر ليصافحني ، وحينما عرفته بنفسي رحب بالحوار على الفور.. أدب جم من أمين شرطة في محطة مترو لم أعتد عليه قبل الثورة ، بدأت معه الحوار بسؤاله عن الفوضى العارمة التي نراها يوميا بالمترو.. فنظر لي متوجسا ولم يجب، أكدت له عدم ذكر أية إشارة لاسمه أو مكان عمله تحديدا فقال بعد أن زالت عنه هواجسه: " هناك تعليمات مشددة من المديرية بعدم استخدام العنف مع المواطنين بعد الثورة، وعدم التدخل في أية واقعة مهما بلغت خطورتها وذلك لامتصاص غضب الجماهير، وبالتالي دورنا أصبح مقصورا علي إخراج الرجال من عربات السيدات وفض أي عراك يحدث، حتى ذلك يتم بالمطالبة فقط وإذا لم يستجب أحد لا نملك ضده شيئا، وإذا حاولنا إجبار المخالفين على ترك العربات نفاجأ بالجمهور يهاجمنا فماذا كانت النتيجة ؟ الباعة الجائلون زادوا بكثافة شديدة في المترو بخلاف المتسولين وكثرت المخالفات وحوادث السرقة ، وكأننا بتعليمات الداخلية نجحنا في احتواء المجرمين وفشلنا في احتواء الجماهير؟! ويضيف: إذا كان التأهيل الذي تتحدث عنه سوف يخرجنا من هذا الجو الذي دائما ما نشعر فيه بأننا نعمل تحت ضغط عصبي، وسيجعل الجمهور يتقبلنا فمرحبا به بالطبع وعلى المسئولين إعادة النظر في رفضهم له. كل واحد ورصيده ( أ.م) ضابط مرور بأحد الميادين الشهيرة، حدثت مشادة بين أحد سائقي الميكروباص والركاب وحينما احتكموا للضابط حل النزاع في لحظات، وفي حزم منه وانصياع فوري من السائقين الذين تجمعوا لمناصرة زميلهم معطلين المرور في هذا الشارع الحيوي أعاد المرور لسيولته في دقائق قليلة دون أي صدام مع السائق بطل الواقعة. سألته لماذا لم يتخذ إجراءاته القانونية فأجاب في يأس: إن الداخلية سحبت منهم كل الصلاحيات وأمرتهم بالنزول للشارع خالي الوفاض، وحتى دفاتر المخالفات تم سحبها منهم تخوفا من استخدام البعض لها بشكل تعسفي! وأكد أن الضباط الذين لهم رصيد ود مع الجمهور بسبب تعاملهم معهم باحترام هم الوحيدون الذين يقومون بمهامهم حاليا رغم انهيار العلاقة بين الشعب والشرطة ورغم انتزاع صلاحياتهم ، وأن الآخرين ممن أساءوا استخدام سلطتهم لا يستطيعون النزول للشارع ومواجهة الجمهور. لذلك يرى الضابط أن التأهيل أصبح ضرورة لرجال الداخلية بعد أن أثبتت الأحداث الأخيرة فشل أساليب رجال الأمن في التعامل مع الشعب والتي تعتمد على العنف والإهانة، وكيف أنها كانت سببا رئيسيا لإشعال الثورة، لافتا أن هؤلاء لابد وأن يخضعوا ليس فقط للتأهيل بل للعلاج النفسي أيضا إذا لزم الأمر. تطوير وتأهيل رجل شرطة آخر كنت شاهد عيان على بطولته في القبض علي مجرم قام بترويع تجار ورواد شارع طلعت حرب.. قال عن هذه الواقعة: " من المفروض حينما لا نستطيع التعامل مع مجرم يحمل سلاحا أو يكون تحت تأثير مخدر ما أن أستعمل سلاحي لتهديده فقط، وأطلق طلقتين في الهواء لمجرد التهويش، وفي حالة عدم انصياعه أضربه في قدمه ، وقد اجتهدت ألا أصيبه وفي النهاية استطعنا السيطرة علي الأمر حينما جاءت قوة كبيرة من قسم الشرطة المجاور ، وهي في العادة التي تحل الموقف " . وعن الاتهام الموجه لرجال الأمن بعدم قيامهم بالمهام الأمنية أجاب نافيا: " وزارة الداخلية لم تجمد لنا أية صلاحيات بعد الثورة لكن المطلوب تطوير الأساليب لكي تقوم الشرطة بأداء دورها على الوجه المطلوب.. أهمها أن تكون هناك كاميرات للتصوير في سيارة الشرطة حتي لا يتهم رجل الأمن بأنه يلفق قضايا أو ينتهك حقوقا، وأن يستخدم أدوات فعاله ومناسبة للموقف كتلك المستخدمة بالدول الغربية مثل الصاعق الكهربائي في حالة عدم قدرة الشرطي علي التعامل مع مجرم غير عادي، أو الغاز الذي يفقد المجرم الوعي. ويعود فيستدرك قائلا: للأسف الظروف الآن لا تسمح باستخدام مثل هذه الأشياء التي يعتبرها البعض ضد حقوق الانسان، وهو للأسف حق يراد به باطل ، لأنه من غير المعقول أن يستخدم شرطي صاعقا كهربيا ضد مواطن شريف. أما عن التأهيل النفسي فقد اعتبره أمرا مطلوبا بعد الأحداث الأخيرة لإعادة الثقة لرجال الشرطة الذين شاركوا في قتل المتظاهرين، وكذلك للضباط الذين قام الأهالي بالاعتداء عليهم أثناء وبعد الأحداث، موضحا أنه سوف يقضي علي أسلوب التعذيب الذي ينتهجه البعض للحصول علي الاعتراف ، على الرغم من دراستهم أساليب أخرى كثيرة لأخذ المعلومات بكلية الشرطة، معللا ذلك بأنه بمرور الوقت يكتسب الضباط خبرات تجبرهم على الانحراف عما تعلموه . لذلك فهو لا يوافق فقط على التأهيل بل يشترط أن يتم بشكل دوري ليحقق أهدافه المرجوة. كل شيء مدروس ضابط شرطة برتبة عقيد له رأي مختلف فهو يرى أن الضابط في كلية الشرطة يدرس حقوقه وواجباته وما له وما عليه، مشيرا إلى مادة أساسية عن كيفية التعامل مع المواطن الصالح وغير الصالح, وتدريبات مكثفة يتلقونها على أساليب التعامل بالحوار مع المتهمين دون اللجوء للعنف، وكيف يجمعون الأدلة التي تحقق سلامة القضية التي يحققون فيها دون اللجوء إلي الاكراه في انتزاع اعترافات المتهم سواء من القاتل أو السارق أو حتي صاحب الفكر ، ويؤكد أن الضابط الضعيف فقط هو الذي يلجأ للعنف، وعلي العكس فإن بعض المتهمين يستفيدون من فقدان الضابط لأعصابه ويحاولون استفزازه للوصول به لهذه المرحلة, لذلك فهو لا يري أية ضرورة لتأهيل الضباط ، وأن الشارع المصري سيستعيد أمنه بالتدريج وبعد أن تنظم الداخلية صفوفها وأنها مسألة وقت فقط ولا توجد أي مشكلة في العلاقة بين المواطن ورجل الشرطة!!