للمرة الخامسة والسادسة اعيد تكرار الحديث حول تقسيم الدوائر الانتخابية.. الأمر كما هو واضح من تسريبات العالمين ببواطن الأمور وهم كثر فى بلادنا أن قانون الانتخاب متجه إلى الدوائر الفردية بالنسبة الأكبر من اجمالى الانتخابات، بمعنى أنه يمكن أن يكون ثلاثة أرباع المجلس دوائر فردية والربع الأخير بالقائمة، وعلى كل وفى جميع الأحوال فإننا نكرر أن تقسيم الدوائر هو شديد الأهمية بالنسبة للناخب وقدرته على الاختيار فى كل اشكال النظم الانتخابية وهو تعبير عن شفافية الإدارة فى إجراء تقسيم طبقًا للمعايير الاحصائية والجغرافية والاجتماعية التى تراعى المصالح المشتركة والأعراف التى تجمع أبناء الدائرة الواحدة وليس طبقًا لمركز المشايعين والأنصار لقوى سياسية أو أفراد. عندما عرفت مصر الانتخابات طبقًا لدستور 23 الذى حدد دائرة انتخابية لكل ستين ألف مواطن ونائبًا واحدًا للدائرة وعلى هذا فقد كان عدد الدوائر 214 فى برلمان 1924 وتزايد إلى 232 دائرة فى عام 1927 طبقًا لتعداد 1927 وأخيرًا وصل إلى 319 دائرة فى انتخابات 1950 طبقًا لتعداد 1947.. ولقد انهارت وزارة حسين سرى الائتلافية فى عام 1949 على صخرة تقسيم الدوائر الذى كان يتم طبقًا للقواعد والمعايير بمشاركة الأحزاب والقوى السياسية والمستقلين والعمد والمشايخ ووزارة الداخلية وذلك لأهميته البالغة فى ضمان التمثيل الديمقراطى المحايد. وقد استمر ذلك العدد من الدوائر فى انتخابات 1957.. أما فى انتخابات 1964 فقد أصبحت الدائرة الفردية ذات نائبين فئات وعمال أو فلاحين واعيد تقسيم الدوائر طبقًا لمصلحة النخبة المسيطرة والنظام الحاكم وأخرجته الداخلية طبقًا لتلك الرؤية وهو ما تكرر فى أعوام انتخابات 1966، 71، 76 وصولاً إلى 1990، حيث وصل اجمالى الدوائر إلى 222 دائرة.. وظلت على هذا وصولاً لعام 2010.. وهكذا كان عدد دوائر مصر 319 حينما كان عدد سكانها 19 مليونًا وأصبح عدد دوائرها 222 عندما أصبح عدد سكانها 90 مليونًا..!! وقد بلغت دوائر العاصمة فى 1950 عدد 31 دائرة أما فى 2010 فقد كان 25 دائرة وكانت الدقهلية 24 دائرة فأصبحت 17 أما الشرقية فقد كانت 23 فأصبحت 14 وهكذا فى باقى المحافظات. النظام الفردى لا يكون فاعلاً وقادرًا على التعبير التمثيلى الدقيق إلا إذا كانت الدوائر صغيرة، بحيث يمكن للمرشح تغطيتها وتكون هناك معرفة عامة متوفرة للناخب عن المرشح حتى يمكنه أن يميز البرنامج السياسى والسمعة العامة للمرشحين فضلاً عن تقليص حدة العصبية ونفوذ المال.. ويبلغ عدد الدوائر الفردية فى انجلترا 660 دائرة ولا يتجاوز سكانها الستين مليونًا..!! وعليه فنظام الدوائر الفردية المطبق فى مصر منذ 23 يوليو 52 لا يعبر عن طبيعة النظام الانتخابى الفردى بل يعبر عن رغبة السلطة فى توزيع المقاعد النيابية على أهل الحظوة والثقة، ولذا فقد قاطع الشعب تلك الانتخابات وقامت الإدارة بتسكين النواب فى مختلف الدوائر طبقًا لإرادتها. وفى إطار آخر فإن معيار عدد المرشحين المستقلين فى النظام الفردى يكشف ديمقراطية النظام السياسى وحيويته وطبيعة استخدامه للنظام الفردى لأغراض ديكتاتورية أم من أجل تعبير تمثيلى ديمقراطى.. ويلاحظ فى انتخابات الفترة من 1924 إلى 1950 قلة عدد المرشحين المستقلين بالنسبة لعدد المرشحين الحزبيين، ففى انتخابات 1924 بلغ عدد الحزبيين 374 بينما بلغ عدد المرشحين المستقلين 107 وفى انتخابات 1936 كان عدد الحزبيين 375، أما المستقلون فكانوا 54 وفى عام 1950 بلغ الحزبيون 632 أما المستقلون فكانوا 245 أى لم يتجاوزوا النصف من عدد المرشحين الحزبيين على الاطلاق.. أما فى انتخابات 1976 فقد بلغ المرشحون الحزبيون 760 والمستقلون 900 وفى 1979 كان الحزبيون 665 والمستقلون 1192 وفى 2005 وصل عدد الحزبيين إلى 877 والمستقلين 4300 أى حوالى خمسة أضعاف عدد الحزبيين.. فالمرشحون المستقلون هم قنطرة الحكم الديكتاتورى والحاكم المستبد، ولذا ففى أول انتخاب لمنابر أو تعددية فى 76 كان المستقلون يزيدون بمقدار الربع عن الحزبيين.. أى أن العينة بينة وظلت تتصاعد حتى تجاوزت خمسة أضعاف عدد الحزبيين.. وكل هذا يكشف فساد تطبيق النظام الفردى فى مصر فى أعقاب 1952 ومفارقته للنظام الفردى المطبق فى الدول الديمقراطية وان استخدم مطية للنظام وسدنته، فكلما احتاج الحزب الوطنى البائد لأغلبية تحول له المستقلون الناجحون على أساس أنهم مستقلون وتكرر هذا فى كل انتخابات خاضها الحزب الوطنى البائد. وعليه فإن المطالبة بإعادة تقسيم الدوائر تقسيمًا محايدًا طبقًا للمعايير الفنية المتعارف عليها هو حق ديمقراطى أصيل لاسيما وأن عدد النواب المقترح لحساب الدوائر الفردية هو 350 نائبًا يجب أن يكونوا نوابًا عن 350 دائرة لا أن يكونوا نوابًا عن 175 دائرة.. بمعنى أن الدوائر الفردية المعروفة لنا عن آخر انتخابات أجريت بها فى 2010 يعاد تقسيمها فتزداد من 222 دائرة إلى 350 دائرة وتمثل بنائب واحد لا نائبين، كما يردد ويروج أعداء الديمقراطية لاسيما بعد زوال صفة العمال والفلاحين فى مشروع الدستور الجديد فلا معنى لأن تمثل الدائرة بنائبين ولكن بنائب واحد لدائرة أصغر فيكون الناخبون قادرين على اختيار المرشح الأفضل ويكون المرشح قادرًا على الإلمام بالدائرة والتعبير عنها. تقسيم الدوائر هو إصلاح للنظام الفردى المضلل الذى استخدمه النظام البائد والإقدام على إعادة التقسيم هو إعادة الضمانة للناخب وللشعب لأن يذهب إلى صناديق الانتخاب وليستشعر جدية الإدارة فى التطبيق الديمقراطى للنظام الفردى.. ونزول الشعب بجدية وكثافة هو الحصانة الأكيدة فى مواجهة المال السياسى الحرام وإسقاط القبلية والعصبية وأعمال البلطجة.. دائرة صغيرة بنائب واحد هو تحقيق الحرية وإرادة الشعب التى أسقطت نظامين فى عامين.