هذا دستور أراه عظيمًا، أقول له نعم وألف مرة نعم.. هذا دستور أراه عظيماً لأنه تفاعل عقول خمسين عالماً مجرداً عن الهوى إلا عن هوى مصر.. هذا دستور أراه عظيماً لأن صانعيه يكادون لم يتركوا صغيرة ولا كبيرة ولا فئة ولا طرفاً ولا فصيلاً ولا طبقة إلا وضعوها في اعتبارهم فأرضوها: الجيش، الشرطة، القضاء، المحاماة، الإعلام، العمال، الفلاحين، الأقباط، النساء، الأطفال، ذوى الاحتياجات الخاصة، الأقزام، السلفيين، وخاصة السلفيين. إنني فقط أُذكّر بأن جميع التيارات الدينية والممثلة حالياً في عدة أحزاب سياسية، سواء ما كان ينتمي منها إلي السلفية أو السلفية الجهادية أو الجماعة الإسلامية أو تنظيم الجهاد أو إلى غيرها من التنظيمات التكفيرية.. كلهم قد وُلدوا من رحم الإخوان المسلمين.. من آراء وأفكار إمامهم حسن البنا ومن بعده سيد قطب، ويؤمن هذان، كما جاء في رسائلهما، أن فكر الجماعة لكي يصل إلي الناس لابد له من القوة. إنني أذكر فقط أن حزب النور هو الذي أعلن دعمه ومؤازرته للرئيس المعزول محمد مرسى في الانتخابات الرئاسية السابقة وفي إعادتها.. إنني أذكر فقط أن حزب النور هو الذي أعلن عدم نزوله واشتراكه مع جموع الشعب في ثورة 30 يونية و3 يوليو 2013.. ثم ألم ينص الدستور الجديد في المادة 74 علي أنه لا يجوز مباشرة أي نشاط سياسي أو قيام أحزاب سياسية علي أساس دينى؟ فما رأيكم في حزب النور إذن؟.. هل له أسس أو مرجعيات أخري غير الأسس والمرجعيات الدينية؟ ثم إن كان الدستور الجديد قد قال كلمته في قيام الأحزاب من خلال المادة 74 فكيف يستقيم أن يكون من بين الأعضاء الخمسين للجنة الدستور عضوان عن حزب النور؟ أليس في هذا السلوك بعض من المواءمات والموازنات والتنازلات؟ وهل يجدر هذا بلجنة ترسم مستقبل مصر لعدة عقود قادمة؟ هذا دستور أراه عظيماً رغم أني أري فيه من الرومانسية أكثر مما هو واقعياً وأنه بحاجة إلي عدة مئات من ملائكة السماء لكي يحققوه، غير أني أدعو الله أن يهيئ لمصر عدة عشرات من ملائكة الأرض لكي يجعلوا الحلم حقيقة.. وليس هذا علي الله ببعيد. أما وقد أتم مفكرونا العظام صانعو دستورنا 2013 مهمتهم وسلموا الأمانة إلي رئيس الجمهورية الذي سيعلن قريباً عن موعد الاستفتاء فلم يبق أمامنا إلا كم، ملائكة الأرض لكي نفضي إليكم بملاحظاتنا حول هذا الدستور علكم تقدرون علي استدراك أو معالجة هذه الهنات التي لاحظناها، والتي لا تنقص منه ولكن استدراكها ربما تزيده جمالاً واكتمالاً. وهذه الملاحظات هي: أولاً: جاء في ديباجة الدستور ما يلى: نحن الآن نكتب دستوراً يستكمل بناء دولة ديمقراطية حديثة حكومتها مدنية، لماذا لم يُنس صراحة علي دولة مدنية ديمقراطية حديثة؟ وما الفرق بين دولة مدنية وبين دولة حديثة حكمها مدنى؟ هل هذا نوع من الالتفاف لإرضاء أو لاسترضاء حزب النور؟ ثانيًا: فيما يتعلق بالمادة 6 والتى جاء فيها: الجنسية حق لمن يولد لأب مصرى أو لأم مصرية... إلخ وماذا لو تزوجت فتاة مصرية من مواطن إسرائيلى؟.. هل سيكون انتماء الابن أو البنت مصرياً خالصاً؟ ثالثاً: فيما يتعلق بالمادة 21 والتى جاء فيها: تكفل الدولة استقلال الجامعات والمجامع العلمية واللغوية... إلخ، بينما لم تحدد طريقة انتخاب أو تعيين كل من رئيس القسم والعميد ورئيس الجامعة أو الأكاديمية.. فنرى مثلاً في أكاديمية الفنون أن تعيين رئيس القسم والعميد يكون لفترتين متتاليتين فقط، إلا أن تعيين رئيس الأكاديمية يكون لفترات غير محددة حتي يصل سن التقاعد.. وفي هذا إهدار لأساس مهم من أسس الديمقراطية.. وكان لزاماً أن تنص هذه المادة على: أ- كيفية اختيار رئيس القسم والعميد ورئيس الجامعة أو الأكاديمية بالتعيين أو الانتخاب. ب- النص علي ألا تزيد مدة الرئاسة على فترتين متتاليتين مدة كل منهما من ثلاث إلي أربع سنوات. رابعًا: فيما يتعلق بالمادة 48 والتي تنص على: الثقافة حق لكل مواطن تكفله الدولة وتلتزم بدعمه وبإتاحة المواد الثقافية بجميع أنواعها لمختلف فئات الشعب... إلخ. 1- جاء في المادة 18 أن الدولة تلتزم بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى للصحة لا تقل عن 3٪ من الناتج القومي الإجمالى تتصاعد تدريجياً حتي تتفق مع المعدلات العالمية.. وفي المادة 19 تخصص نسبة 4٪ للتعليم.. وفي المادة 21 نسبة 2٪ للتعليم الجامعى.. وفى المادة 23 نسبة 1٪ للبحث العلمى.. وقد نسيت لجنة الدستور أو غضت الطرف عن تخصيص نسبة من ميزانية الدولة للثقافة أي للإبداع الفني والأدبى، وهو منبر من وجهة نظرى لا يقل أهمية في تكوين وتنمية الإنسان عن التعليم بمستوياته، بل إنني أرى مثلاً أن الممثل علي خشبة المسرح أو في السينما أو في الدراما التليفزيونية قد يكون أكثر تأثيراً في عقل ووجدان الإنسان من المعلم في قاعة المحاضرات أو الإمام في الجامع. خامساً: فيما يتعلق بالمادة 65 والتي تنص على: حرية الفكر والرأى مكفولة ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر. يمكن استبدال العبارة السابقة بعبارة أخرى أكثر شمولاً وهى: «ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول أو الكتابة أو بالفنون التعبيرية أو التشكيلية».. وتبرير ذلك أن هذه الفنون بقسميها تضم الكتابة، الموسيقى، الرقص، التصوير، النحت والعمارة. سادساً: فيما يتعلق بالمادة 67 والتي تنص على: حرية الإبداع الفنى والأدبى مكفولة وتلتزم الدولة بالنهوض بالفنون والآداب ورعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم وتوفير وسائل التشجيع اللازم لذلك. إذا كانت حرية الإبداع الفنى والأدبى مكفولة، فلماذا لم ينص الدستور على إلغاء كل أشكال القمع والقهر لهذه الحرية والمتمثلة في كل أنواع الرقابات: الدينية والأمنية والسياسية والمصنفات الفنية. وقد جاء في متن هذه المادة نفسها أنه: لا يجوز رفع أو تحريك الدعاوى لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية أو ضد مبدعيها إلا عن طريق النيابة العامة. وقد أرى أنه من الأفضل والأوضح بحيث ينتفى اللبس والغموض أن يضاف إلى الفترة السابقة ما يلى: أ- ألا يحال فنان أو أديب أو مفكر إلى القضاء بسبب حرية رأيه أو فكره أو إبداعه الفنى وإنما يحال إلي نقابته أو إلى اتحاد النقابات الفنية أو إلى اتحاد الكتاب أو إلى المجلس الأعلى للثقافة. ب- النص صراحة علي إلغاء قوانين الحسبة. سابعًا: فيما يتعلق بالمادة 69 والتي تنص على: تلتزم الدولة بحماية حقوق الملكية الفكرية بشتى أنواعها فى جميع المجالات وتنشئ جهازاً مختصاً لرعاية تلك الحقوق وحمايتها القانونية وينظم القانون ذلك. وكان علي هذه المادة أن تحدد ماهية هذه الحقوق؟، وما الملكية الفكرية؟، ومن مستحقوها، واستبدل المشرع ذلك بعبارة «بشتى أنواع في جميع المجالات»، ورمى بالكرة في ملعب القوانين الوضعية.. وللعلم فإن هذه الكرة ذاتها موجودة في ملعب القوانين الوضعية والجمعيات والمؤسسات منذ عدة عقود مضت ولم يصلوا بعد إلي حلول محددة واضحة أو قل هم لا يريدون ذلك.. والمتضرر الوحيد هو الفنان. ولذلك نرى أنه كان لزاماً أن تنص هذه المادة على حق الفنان أو الأديب في الأداء العلنى وأن توضح أن الفنان هو المؤلف، والمؤدى ممثلاً أو مغنياً أو راقصاً للباليه أو للفنون الشعبية، المخرج، الملحن، الموزع الموسيقى، العازف، الفنان التشكيلى. ثامناً: فيما يتعلق بالمادة 76 والتى جاء فيها: «إنشاء النقابات والاتحادات الفنية علي أساس ديمقراطى حق يكفله القانون..». وتداول السلطة مبدأ من أهم مقومات الديمقراطية، بينما يعطي القانون الحالى للنقيب ورئيس الاتحاد الحق في الترشح لفترات غير محدودة. وكنت أرى أن ينص في هذه المادة علي هذا المبدأ خشية التأويل والتسويف. وهناك شئون أخرى لها خطورتها الشديدة تركتها لجنة الخمسين دون تحديد وتركوا حسمها لرئيس الجمهورية بالرغم من أنهم خمسون وهو واحد. هل لانزال نجرى خلف المنقذ.. الواحد؟ هل لانزال نتطلع إلي المستبد العادل؟ هذه الشئون هى: بالنسبة لمجلس النواب. تاسعًا: فيما يتعلق بالمادة 102 وقد جاء فيها: ويجوز الأخذ بالنظام الانتخابى الفردى أو القائمة أو الجمع بأى نسبة بينهما، وتركت ذلك دون تحديد. عاشرًا: وفيما يتعلق بالمادة 106 وقد جاء فيها: مدة عضوية مجلس النواب خمس سنوات ميلادية تبدأ من تاريخ أول اجتماع له. وكيف يكون ذلك وفترة الرئاسة أربع سنوات فقط؟.. ألا يجب أن تكون الفترتان متماثلتين؟.. أعتقد أن هذا النظام سيواجه مشاكل كثيرة في الوقت والمال عند التطبيق. بالنسبة لنظام الحكم الحادى عشر: لم تحدد مسودة الدستور هذا النظام هل هو رئاسى أم برلمانى أم مختلط؟.. بينما تشى معظم مواد الفصل الثانى -السلطة التنفيذية- من المادة 139 حتى 162 بأن نظام الحكم أميل إلي أن يكون رئاسيًا. والخوف من أن يمارس المنافقون عاداتهم وتقاليدهم في خلق فرعون جديد. ألم يكن من الأفضل أن يكون هذا النظام برلمانياً أو علي الأقل مختلطًا؟ وبالرغم من كل هذه الملاحظات فهذا، وأكرر، دستور عظيم جدير بمصر العظيمة.