حزب شعب مصر: توجيهات الرئيس بدعم الكوادر الشبابية الإعلامية يؤكد حرصه على مستقبل الإعلام    محمد الفقي يكتب: أحسنت سيادة المحافظ .. ولكن!!    رئيس الوزراء البريطاني: السلام يجب أن يبنى مع أوكرانيا لا أن يفرض عليها    استشهاد 4 فلسطينيين في قصف إسرائيلي على حى الزيتون جنوبى غزة    الخارجية الأردنية تدين بأشد العبارات استهداف الاحتلال لصحفيي غزة    ضياء رشوان عن مبادرة جديدة لوقف الحرب: مصر وقطر وسيطان غير محايدين.. وعلى حماس أن تحسبها جيدًا    CNN: واشنطن تزداد عزلة بين حلفائها مع اقتراب أستراليا من الاعتراف بدولة فلسطين    عاجل- إطلاق نار دموي في تكساس يسفر عن مقتل 3 والشرطة تلقي القبض على المنفذ    موعد مباراة بايرن ميونخ وجراسهوبر زيورخ الودية والقناة الناقلة    سويلم يكشف العقوبة المتوقعة على جماهير الزمالك    التحفظ على أموال وممتلكات البلوجر محمد عبدالعاطي    القبض على البلوجر ياسمين بتهمة نشر فيدوهات خادشة للحياء العام    خلاف جيرة يتحول إلى مأساة.. شاب ينهي حياة آخر طعنًا بكفر شكر    د.حماد عبدالله يكتب: إلى أصحاب الأقلام السوداء !!    برامج تدريبية وورش عمل ضمن خطة تعاون صحة الإسكندرية مع نقابة الأطباء    وكيل وزارة الصحة بالإسكندرية يعقد اجتماعاً موسعاً لمتابعة الأداء وتحسين الخدمات الصحية    أبرزها الماء والقهوة.. مسببات حساسية لا تتوقعها    بحضور نائب محافظ سوهاج.. الزميل جمال عبد العال يحتفل بزفاف شقيقة زوجته    المحترفون الأجانب في الدوري المصري - نيجيريا الأكثر تمثيلا.. و4 قارات مختلفة    تحركات جوية وبرية إسرائيلية في ريف القنيطرة السوري    "بلومبرغ": البيت الأبيض يدرس 3 مرشحين رئيسيين لرئاسة الاحتياطي الفيدرالي    حقيقة رفض الأهلي عودة وسام أبو علي حال فشل انتقاله إلى كولومبوس    المصري يتعاقد مع الظهير الأيسر الفرنسي كيليان كارسنتي    طلبات جديدة من ريبيرو لإدارة الأهلي.. وتقرير يكشف الأقرب للرحيل في يناير (تفاصيل)    مصطفى شلش يكتب: التحالف التركي- الباكستاني- الليبي    المحادثات الأمريكية الروسية تدفع الذهب لخسارة جميع مكاسبه    رسميًا بعد الانخفاض الجديد. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الثلاثاء 12 أغسطس 2025    محكمة الأسرة ببني سويف تقضي بخلع زوجة: «شتمني أمام زملائي في عملي»    رئيس «الخدمات البيطرية»: هذه خطط السيطرة علي تكاثر كلاب الشوارع    «فلوسك مش هتضيع عليك».. خطوات استبدال أو إرجاع تذاكر القطارات    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الثلاثاء 12 أغسطس 2025    د. آلاء برانية تكتب: الوعى الزائف.. مخاطر الشائعات على الثقة بين الدولة والمجتمع المصري    عليك التحكم في غيرتك.. حظك اليوم برج الدلو 12 أغسطس    أصالة تتوهج بالعلمين الجديدة خلال ساعتين ونصف من الغناء المتواصل    بدأت حياتها المهنية ك«شيف».. 15 معلومة عن لارا ترامب بعد صورتها مع محمد رمضان    الآن رسميًا.. موعد فتح تقليل الاغتراب 2025 وطريقة التحويل بين الكليات والمعاهد    استبعاد مصطفى شوبير من تشكيل الأهلي أمام فاركو.. سيف زاهر يكشف مفاجأة    نجم الأهلي السابق: صفقات الزمالك الجديدة «فرز تاني».. وزيزو لا يستحق راتبه مع الأحمر    استغلي موسمه.. طريقة تصنيع عصير عنب طبيعي منعش وصحي في دقائق    «مشروب المقاهي الأكثر طلبًا».. حضري «الزبادي خلاط» في المنزل وتمتعي بمذاق منعش    انتشال سيارة سقطت بالترعة الإبراهيمية بطهطا.. وجهود للبحث عن مستقليها.. فيديو    محمد سعيد محفوظ يروى قصة تعارفه على زوجته: رسائل من البلكونة وأغاني محمد فؤاد    أحاديث السياسة على ألسنة العامة    انقلاب مقطورة محملة بالرخام أعلى الطريق الأوسطى...صور    إطلاق منظومة التقاضى عن بعد فى القضايا الجنائية بمحكمة شرق الإسكندرية.. اليوم    كيفية شراء سيارة ملاكي من مزاد علني يوم 14 أغسطس    حدث بالفن | حقيقة لقاء محمد رمضان ولارا ترامب وجورجينا توافق على الزواج من رونالدو    أخبار 24 ساعة.. 271 ألفا و980 طالبا تقدموا برغباتهم على موقع التنسيق الإلكترونى    4 تفسيرات للآية «وأما بنعمة ربك فحدث».. رمضان عبدالمعز يوضح    أجمل عبارات تهنئة بالمولد النبوي الشريف للأهل والأصدقاء    محافظ الأقصر يبحث رفع كفاءة الوحدات الصحية واستكمال المشروعات الطبية مع وفد الصحة    قيادات تعليم السويس تودّع المدير السابق بممر شرفي تكريمًا لجهوده    الهيئة الوطنية للانتخابات تعلن نتيجة انتخابات مجلس الشيوخ مساء غد    أنا مريضة ينفع آخد فلوس من وراء أهلي؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    هل يشعر الموتى بالأحياء؟.. أمين الفتوى يجيب    أمين الفتوى: الحلال ينير العقل ويبارك الحياة والحرام يفسد المعنى قبل المادة    التعليم تصدر بيانا مهما بشأن تعديلات المناهج من رياض الأطفال حتى ثانية إعدادي    بعد تعنيفه لمدير مدرسة.. محافظ المنيا: توجيهاتي كانت في الأساس للصالح العام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الابتسامة لا تزال علي شفتي
نشر في الوفد يوم 16 - 06 - 2011

البرودة تسحقني، أشعر بتيبس مفاصلي و عضلاتي من قسوة البرد، لم أعهد القاهرة بمثل هذا الطقس من قبل، لابد ان الحرارة تدنت عن الصفر بأربع أو خمس درجات.
لا أكاد أري شيئاً، فالظلام الدامس يلف المكان؛ أنصت لهسيس الصمت من حولي و تتضارب التخمينات في رأسي، أين وكيف ولما أنا هنا؟ ينتابني الذعر وأكاد أجهش بالبكاء، لكن تبقي الابتسامة علي شفتي.
***********
فجأة شق الصمت صرير باب يُفتح، وسمعت وقع أقدام تسير الهوينا، وصوت سعال متواصل أعقبه بصقة إفرازات كعادة المدخنين، ثم أعقبه ضجيج احتكاك أقدام مقعد علي الارض الخشنة. لحظات وانطلق صوت راديو بموسيقي افرنجية صاخبة سرعان ما حل محلها صوت مقدم نشرة أخبار متحدثا عن انفجار في قندهار وقبل ان يتم الرجل بيانه انطلق صوت محمد منير يغني” ازاي ترضي لي حبيبتي، اتمعشق اسمك وانت، عماله تزيدي في حيرتي وما انتيش حاسة بطبتي ازاي، مش لاقي في عشقك دافع ولا صدقي في حبك شافع، ازاي انا رافع راسي وانت بتحني في راسي ازاي “.
بدا لي أنها أغنية جديدة أصدرها الملك أثناء غيابي؛ هدَّأ صوت الملك من روعي فتمالكت نفسي ومضيت استبصر بأذني تفاصيل الفضاء من حولي دون جدوي. انتهت الأغنية، وأعقبها صوت سعال من جديد، ثم صوت تحول بين القنوات حتي استقر الراديو علي إذاعة القرآن الكريم.
ومضي الوقت بين التلاوات والبرامج وسعال الرجل المجهول، حتي رفع الشيخ عبد الباسط آذان الظهر أعقبه صوت نقر علي الباب وصوت جهوري يقول
يا حاج منصور، الظهر أذن، هنصلي هنا ولا هنطلع المصلي؟
سعل الرجل -الذي عرفت اسمه الآن – و قال بهدوء
إن شاء الله هنا، نادي علي الرجالة وافرش الحصر علي ما اتوضأ
وسرعان ما سمعت حركة اقدام و نشاط ألسنة وحياة تدب من حولي.
وما إن انتهي الحاج منصور من الصلاة حتي رفع صوته يدعو والرجال يأمنون من ورائه اللهم أصلح بلادنا وأهدي أهلها وأعن ولاة أمورنا، ثم رفع عقيرته وهو يقول اللهم ابعد عنا الفتن والدسائس، اللهم من أراد بهذا البلد خيرا فيسره له و من أراد به شرا فرد كيده الي نحره وخذه اخذ عزيز مقتدر آمين آمين....
ثم سمعت وقع الاقدام تغادرالحجرة وهي تمتم بالدعاء والاستغفار، ومضي الحاج منصور بسعاله إلي مقعده وإلي الراديو؛ انسابت الموسيقي بصوت سيدة الغناء العربي وهي تنشد ” القلب يعشق كل جميل” فأهاجت في ذكريات الطفولة، أين ذهب الأهل والأحبة، كلهم غاصوا في ثري الأرض، وضحكاتهم المترعة بالسرور والامان ذابت في تضاعيف الفضاء. انتزعني من جب ذكرياتي إعلان الراديو عن بيان صادر عن المجلس العسكري المسئول عن إدارة شئون البلاد يهيب بالمواطنين عدم الانصياع وراء الشائعات في هذا الوقت العصيب ويغلظ العقوبة علي أعمال البلطجة والترويع كما يؤكد نية المجلس محاكمة الرئيس السابق وعائلته. أثلج البيان صدري، فها هو الرئيس ينزل عن الحكم للمجلس العسكري و يحاكم علي جرائمه كما طالبنا في يوم غضبنا.
لا أدري كم من الوقت مر قبل أن أسمع من جديد الصوت الجهوري يقول يا حاج منصور، ناس قاصدينك، اتفضلوا يا أساتذة، اتفضلوا، الحاج منصور هيبقي معاكم دلفت أقدام إلي الحجرة ثم سمعت صوت أوراق تطوي، غادر بعدها الحاج منصور مجلسه واقترب وقع الأقدام مني وسمعت صوت باب يفتح فسري تيار هواء دافئ طربت له نفسي فابتسمت، ثم شعرت بهزة في جسدي وغشيني ضوء مبهر.
عاد الظلام من جديد يلفني وعادت البرودة تسحق عظامي، وانتبهت علي جدل يدور حولي عن من أكون، ثم تحامي الجدل حتي صار تصايحاً انتهي فجأة بزجرة من الحاج منصور الذي طالب الجميع بالمغادرة بعد أن انتهي عمر يومه في المصلحة وأزف ميعاد رحيله . لحظات ولف الصمت كل شيء وساورني القلق : لماذا يتشاحن هؤلاء الرجال؟
****************
لا أدري كم من الوقت مضي قبل أن أري من بعيد أصدقائي محمود الماوردي ويوسف ابراهيم وچورچ سمعان، أهم ما بقي لي من مسرات الحياة بعد هلاك أهلي مابين جوف البحر وجوانب الطرقات وغياهب المعتقلات؛ كانت قد انقطعت عني أخبارهم منذ أن أجبرتنا قنابل الغاز وزخات الرصاص الحي يوم جمعة الغضب علي التفرق، فتهللت أساريري لرؤيتهم وسرني الاطمئنان عليهم، وقضينا الوقت في الضحك والدعابات وغني لنا محمود بصوته العذب أشعار يوسف التي لحنها چورچ، ثم مالبثوا أن ودعوني وذهبوا.
****************
طالت صحبتي للحاج منصور فألفت طقوس الرجل ما بين الراديو وصلاة الظهر وضجيج كرسيه وهو يحك الارض الخشنة وسعاله المصحوب ببصق بعض الإفرازات، حتي مساعده ذا الصوت الجهوري عرفت انه يدعي لبيب وأن الحاج هو خاله . ومن وقت لآخر تزورني بعض الأقدام، فأسمع صوت باب يفتح، ثم يسري تيار الهواء الدافئ فأبتسم، و يهتز جسدي و يغمرني الضوء المبهر، لحظات وأعود للظلام الدامس و يتحامي الجدل بين زواري عن من أكون ومايلبث الحاج منصور ان يتقذني بزجرته الغليظة التي تنخلع لها القلوب المثقلة باللهفة والقلق فينصرفوا في صمت.
كما ألفت بيانات المجلس العسكري الممهورة بالرجاء التقليدي ” والله الموفق” وتأكيداته أنه حامي الثورة وراعيها منذ بدايتها، ودعوته للشعب أن يتخذ من المجلس خديناً أميناً لا يشتهي الحكم ولا يسعي له . كانت قناعتي أن جيشنا نعمة من البطر الشرير التنكر لها، حتي وإن تأخرت محاكمات الفاسدين والمجرمين، حتي لو أطلق سراح بعض الأفاعي والحيات، حتي لو هربت الملايين خارج خزائن كانت عامرة بالأموال المنهوبة من دماء الفقراء والأرامل، وحتي لو بلغ الانفلات الآمني المقصود حدوداً أودت بحياة لبيب ابن أخت الحاج منصور الذي نحره أحد البلطجية في وضح النهار وفي نهر الطريق ومضي دون أن يتعرض له أحد لخلاف علي أولوية ركوب الميكروباص.
كما ألفت برامج الراديو التي تتغني بالثورة المباركة وتعرض لمناكبها وتعد الجماهير بمستقبل مشرق إن هم لزموا طريق الثورة، علي أنه بدا لي أن الثورة قد فقدت بوصلاتها والا ففيما مضي كل إذاعة تعرف طريق الثورة بطريقة مغايرة لأقرانها، فهو تارة التسليم لحكم المجلس العسكري خدين الشعب الأمين ونبذ الخونة والفلول، وتارة هوالخضوع لأحزاب الله وجماعاته المختارة التي وحدها تحمل طوق النجاة ونبذ الخونة والفلول، وتارة هو استنساخ تجارب أصدقائنا الأعداء والارتماء في أحضانهم ونبذ الخونة والفلول.
ثم حمل لي الراديو نبأ التناحر بين المسلمين والأقباط وسمعت الحاج منصور وهو يقلب كفيه ويقول بامتعاض "شوية نسوان يوقعوا البلد في بعض وناس تموت وكنايس تولع؟ وده يرضي ربنا ده يا مسلمين ويا مسيحيين، استغفر الله العظيم".
واعتصرني الألم، هل اصاب البنيان شرخ يتعذر ترميمه؟ هل أفلح اعوان إبليس من ولاة أمورنا في تسميم آبار المحبة والوئام؟
ثم كان أن زارتني أقدام جديدة، وفتح الباب وسري تيار الهواء الدافئ فابتسمت و اهتز جسدي، وما إن غمرني الضوء حتي اندفعت الأقدام تقبل جبيني ويدي، ولسانهم يلج بحمد الله وشكره وانطلقت إحداهن تزغرد قبل ان يزجرها الحاج منصور، وبين الدموع والزغاريد، سمعت من يقول "الحمد لله، لاقينا أحمد، الحمد لله، سبحان الله، شوفوا ابتسامته".
***********
يرجع عهد معرفتي بأصدقائي محمود الماوردي ويوسف ابراهيم وچورچ سمعان الي يوم من ايام عام 2006 وكنت آنئذ طالبا في السنة الأولي بمدرسة النضال الوطني ضد الفساد والاستبداد بالمحلة الكبري، جمعتنا رغبتنا في استعادة كرامتنا المستباحة و حقوقنا المسلوبة حتي تخرجنا عام 2011 بالقاهرة، وألفت الهروات وقنابل الغاز بين قلوبنا، وخلطت الزنازين الرطبة وأسياط الجلاد وأصفاده دمائنا فتشابكت أيدينا وتوحد طريقنا: محمود يغني أشعار يوسف، علي عزف عودي لألحان چورچ.
***********
مرت أيام والاستعدادات علي قدم وساق لعودتي لأهلي، وكثرت زيارات الأقدام لي، وتكرر فتح الباب وسريان التيار الدافئ وابتسامتي واهتزاز جسدي والضوء المبهر والقبلات لجبيني ويدي و النداء باسم ” أحمد”.
ثم كان أن حضر بعض الرجال، وأرقدوني في حجرة أخري، استمتعت عبر نافذتها برؤية شمس ربيع القاهرة، وتجمعوا من حولي يفحصون كل شيء في ثم أعادوني من جديد الي مرقدي البارد. ومضت أيام ثم سمعت الحاج منصور يقول
"تحاليل ايه و”دي إن إيه ” ايه بس يا عالم؟ الجدع بقاله عندنا زيادة عن شهرين محدش عارفه، ولما الجرانين تطلع صورته وربنا يسهل وأهله يلاقوه، نطلع نقول لهم مش ابنكم؟ ما احنا برضه عندنا نظر، الجدع الخالق الناطق أمه حتي في ابتسامته، سبحان الله".
ومضت أيام انقطعت فيها الأقدام عن زيارتي، ولم يأنس وحشتي سوي صوت راديو الحاج منصور و صلاته حتي شعرت أني قد طويني النسيان وغفل عن أمري الخلق، واستبد بي الحزن والكآبة، وزادتني أخبار الراديو هماً علي هم، ما بين مماطلة في محاكمات الفاسدين والقتلة وتباطؤ في استرداد الخيرات المنهوبة، وعودة فلول الفاسدين الي أروقة الحكم من جديد و ما يحاك من فتن وأزمات جعلت المصريين بأسهم بينهم شديد، وتحذيرات بأن الثورة تسرق ودعوات لايام غضب أخري، ومزيد من الدم المصري الطاهر يراق علي يد شراذم البلطجية والسافلين.
وذات صباح سمعت وقع أقدام الحاج منصور، ثم فتح باب، وسري تيار هواء دافئ ابتسمت له، ثم شعرت بجسدي يهتز وغمرني ضوء مبهر، ولدهشتي سمعت الحاج منصور يقول لي "هانت يا عم المبتسم، ولاد الحلال قرروا ياخدوك عندهم، والله اتعودت عليك، كل ما يصعب علي حال مصر، افتكر ضحكتك أقول أكيد عارف حاجة احنا مش عارفينها".
وما هي الا أيام قليلة حتي نقلني رجال في سيارة حملتني بعيدا عن البرودة، وسارت بي في الشوارع علي مهل، ومن خلفنا سمعت وقع أقدام خيل الي من وقعها أن مصر كلها خرجت ورائي صامتة خاشعة راجية، ثم ترجلنا من السيارة وحملت علي الأكتاف والي حيث صلي الحشد علي صلاة لا ركوع فيها، أمهم فيها شيخ، ثم صلوا علي صلاة قام بها قسيس، فلما فرغوا من صلواتهم، حملوني من جديد علي الأعناق وهم يهتفون “ مع السلامة يا ابتسامة الزهر، مع السلامة يا نسيم الحياة، مع السلامة يا ارتعاشة مصر، انت الشهيد اللي اتقتلنا معاه، بعت الحياة بالموت، ولا انت بالموت اشتريت الحياة، انت بتبعد للبعيد، واحنا بإصرارنا العنيد، رسمنا وشك شمس عيد، ضحكة وليد، شهئة نشيد، وطن جديد، وطن سعيد، والاسم مصر” .
وساروا بي حتي أسلموني للحاد نزع عن وجهي الكفن فرأيت شمس بلادي الساطعة لآخر مرة قبل أن يواريني ثراها الدافئ.
*************
من بعيد رأيت أصدقائي محمود الماوردي ويوسف ابراهيم وچورچ سمعان قد جلسوا يستروحون هواء بحر الاسكندرية المنعش، فهششت لهم وأمسكت بالعود، وانطلق محمود يغني :
أبكي.... أنزف... أموت
وتعيشي يا ضحكة مصر
وتعيش يا نيل يا طيب
وتعيش يا نسيم العصر
وتعيش يا قمر المغرب
وتعيش يا شجر التوت
أبكي.... أنزف... أموت
وتعيشي يا ضحكة مصر
وتلاميذ المدارس والنورج اللي دارس
والعسكري اللي دايس على الصعب علشان النصر
يا مراكب يا صواري يا شوارع يا حواري
يا مزارع يا صوامع يا مصانع يا مطابع
يا مينا يا كباري يا منادر يا بنادر يا منازل يا بيوت
أبكي... أنزف... أموت
وتعيشي يا ضحكة مصر
ومازلنا، محمود يغني أشعار يوسف، علي عزف عودي لألحان چورچ.
** الكاتب طبيب بالمركز القومي للبحوث، ومبعوث للحصول على الدكتوراة في امراض النساء والعقم من جامعة ميجيل بكندا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.