لو سمعت اسم «مينا»، ستعتقد أنه الملك مينا موحد القطرين.. ولكن «مينا» الذي سنحاوره في السطور التالية هو موحد دموع المصريين. مينا ممدوح منير، ثالث ثلاثة نجوا بأعجوبة من المذبحة التي تعرض لها الأمن المركزي في سيناء أغسطس الماضي. ذبح القتلة 24 شاباً على قارعة طريق رفح وأراد الله لثلاثة شباب منهم الحياة.. حيث أصيبوا بالرصاص في الرأس والبطن والكتف ومع ذلك لم يموتوا و«مينا» واحد من هؤلاء. مينا «العائد» من الذبح، تكلم مع «الوفد» وقال: إن الارهاب دمر حياتي، والرصاص الغادر أثر على ذاكرتي وأفقدني بصر العين اليسرى. وأضاف: الكوابيس تطاردني والقلق والخوف ينتابني طوال الوقت، واتهم «مينا» الإخوان بتدبير الجريمة لثأرهم لعزل مرسي.. وإلى الحوار: حدثنا عن نفسك؟ - اسمي مينا ممدوح منير، «22 سنة»، حاصل على دبلوم ثانوي صناعي أقيم بمركز السنبلاوين محافظة الدقهلية، وأعيش وسط أسرة متوسطة الحال والدي متوفي منذ 4 سنوات ووالدتي لا تعمل ولي ثلاثة أشقاء.. منير حاصل على كلية حاسبات ومعلومات وماريانا ثانية حقوق وشقيقتي الثالثة متزوجة. هدفي كان تأدية الخدمة العسكرية لأنها واجب على كل مصري وكان في مخيلتي بعد الانتهاء من الواجب أن أبدأ حياتي كأي شاب من خلال عملي في أي ورشة وارتباطي لتكوين أسرة. وما يمنعك من استكمال طموحاتك؟ - ما يمنعني الإصابة، فالرصاص الغادر أثر على ذاكرتي وجعلني دائم النسيان بالاضافة إلى ضعف النظر بالعين اليسرى.. ولا أشعر بنصف وجهي الأيمن.. كما أن بطني يؤلمني طوال الوقت.. كما أنني لا أستطيع الكلام أمام أحد بسبب ثقل لساني. أنت أحد ثلاثة نجوا من المذبحة التي تعرض لها عدد من الجنود في سيناء قبل شهور، وشاهدت الأحداث كاملة، احكي لنا بالتفصيل وقائع الجريمة؟ - كنت في إجازة بالسنبلاوين وتوجهت للعريش للحصول على شهادة اخلاء طرف من معسكر الأحراش للأمن المركزي برفح.. توجهت الى موقف العريش وكان عددنا 27 مجنداً حيث وجدنا سيارتين ميكروباص وقام السائقان بتحميل السيارتين الا أنه مع اقتراب موعد الحظر رفضوا السير وتركوا لنا السيارات مفتوحة وتوجهوا لمنازلهم واتفقنا على حضورهم صباحاً.. ذهبت مجموعة من زملائى الى أحد المقاهي الموجودة بالموقف وجلست مع مجموعة اخرى في السيارة.. وكان يجلس بجواري شخص يعمل بمحطة مياه الشرب بالعريش تناقشنا عن طبيعة العمل بالمحافظة وجودة الأراضي.. وسهرنا حتى الرابعة صباحاً.. ونمنا ساعتين ونصف حتى حضر السائقان في السادسة والنصف صباحاً.. وغادرنا موقف العريش متوجهين الى قطاع الأمن المركزي بالأحراش.. مررنا بأول كمين وبعد دقائق وأثناء سيرنا كانت الساعة السابعة تقريباً لاحظت أن السيارتين تخفضان من سرعتيهما بسبب وجود ممرات عبارة عن كتل خرسانية تجبر السيارات على التهدئة وقبل عبورنا تلك الحواجز فوجئنا بمجموعة مسلحة مكونة من 15 شخصاً أجبرت قائدي السيارتين على الوقوف. ما أوصافهم وماذا يرتدون وطبيعة لغتهم؟ - يرتدون أقنعة سوداء مدوناً عليها عبارات غير مفهومة وكل منهم يرتدي «بنطلون» بدوي ولغتهم لا تخرج عن لغة البدو أو أهالي الشرقية ليسوا فلاحين.. حدثنا زعيمهم سائلا: «أنتم عساكر؟».. أجبناه «لسنا عساكر».. وكرر السؤال أكثر من مرة ونظر الى «المهمات» فوق السيارة وقال: «ازاي مش عساكر والمخلة أهه».. أجبناه هذه ليست مخلة ولكنها ملابس خاصة بمصنع الزيت الذي نعمل فيه.. أمر قائدي السيارات بمغادرة المكان ومعهما موظف محطة مياه الشرب.. وأطلقوا عدة أعيرة نارية في الهواء من أسلحة آلية.. وقام زعيمهم بترديد آية قرآنية لا أتذكرها تشير الى إباحة قتلنا. ماذا كان يدور بخاطرك في هذه اللحظة؟ - طلبت من ربنا أن يسامحني لشعوري بانتهاء أجلي. وأوقفونا صفاً واحداً وبدأوا بقتلنا واحداً تلو الآخر من الناحية اليسرى من خلال الضرب في الرأس. ما أهم اللقطات التي تتذكرها أثناء المذبحة؟ - أتذكر أحد زملائى الذي صاح أثناء ضربه قائلا: «إحنا عساكر ونفتخر بأننا بنحمي الوطن» وأتذكر محمد منصور الذي تألم بعد اختراق الرصاصة جسده ثم تركونا وابتعدوا لكنهم عادوا مرة أخرى وأطلقوا النار علينا. ماذا حدث بعد مغادرتهم المكان؟ - تملكني احساس غريب فلم أشعر بالاصابة مطلقاً وقوتي فاقت الحدود.. وقلت لمحمد منصور، الذي مازال على قيد الحياة أنا لسه عايش.. هاقوم أجيب عربية تنقلنا المستشفى، وقمت بالفعل وتوجهت الى منتصف الطريق حيث يوجد فاصل يمتلئ بالزرع، وكنت أنزف دماً كثيراً ولم أشعر حيث أغلقت عيني اليمني ولم أر بها.. وحضر اثنان يستقلان دراجتين بخاريتين نظرت إليهما ولم أستطع النطق.. تركوني وغادروا المكان.. وحضرت سيارة تاكسي بيضاء وقفت أمامي وحاول قائدها التحدث معي.. ولكني فقدت الوعي وبعد دقائق شعرت بالمسعفين يحملوني عى «الشازلونج»، وأضاف «مينا»: أصبت ب 4 طلقات في الكتف والرئة واثنتين بالرأس. من تتهمه بتدبير وتنفيذ الجريمة؟ - جماعة الإخوان المسلمين، لأنه منذ عزل محمد مرسي وبدأت خطة ضرب الجنود في كل مكان.. فهذه لم تكن المرة الأولى لاستهدافنا فقد تم إطلاق النيران على قطاع الأمن المركزي بالأحراش أكثر من مرة واستهدفوا المعسكر أيضاً بقذائف «الهاون». تم القبض على «حبارة» بتهمة قتل زملائك واصابتك وآخرين ما تعليقك؟ - لا أريد أن أراه ولا أسمع صوته ولا أريد أن يراني أيضاً. ماذا قدمت لك الدولة بعد اصابتك؟ - بعد اصابتي زارني الفريق صدقي صبحي رئيس اركان القوات المسلحة ومساعد وزير الداخلية في المستشفى ومنذ هذا التاريخ لم يسأل عني أحد فمازلت بدون وظيفة أو شقة. ما تأثير الحادثة على حياتك؟ - الكوابيس تطاردني والقلق والخوف ينتابني طوال الوقت وأصحو من نومي على ترديد كلمة: «الاخوان عايزين يقتلوني». التقرير الطبي يكشف: رصاص الإرهاب أفقد «مينا» وعيه.. وكسر جمجمته حصلت «الوفد» على التقرير الطبي الذي يرصد حالة «مينا ممدوح منير» والصادر من المجمع الطبي بالمعادي بتاريخ 30 أكتوبر 2013 وموجه الى مستشفى الشرطة بالعجوزة حيث أفاد بأن المريض دخل المستشفى بتاريخ 19 أغسطس 2013 محولاً من مستشفى العريش العسكري إثر اصابته بطلق ناري مما أثر على درجة الوعي وأحدث كدمات بالمخ وكسر بالجمجمة وانسكاب بالسائل النخاعي من الأنف.