غيب الموت صباح أمس شاعر «العامية» المصرى أحمد فؤاد نجم عن عمر يناهز 84 عاما. فى منزله بالمقطم». من دون أن يكتب البيت الأخير من تداعيات «الربيع العربي» والثورة المصرية، هو مَن كان يُعد أحد أعمدة الثورات والاحتجاجات المصرية منذ أيام الإنتداب الإنجليزى. ولد أحمد فؤاد نجم فى قرية «كفر أبونجم» بمدينة أبوحماد بمحافظة الشرقية، ويعتبر أحد أهم شعراء العامية فى مصر، وهو اسم بارز فى مجال الشعر العربي، وسُجن عدة مرات بسبب مواقفه من الحكومات المتعاقبة، ودخل فى خلافات سياسية مع كبار المسئولين فى مصر. وعُين نجم موظفًا بمنظمة تضامن الشعوب الآسيوية الإفريقية، وأصبح أحد شعراء الإذاعة المصرية، ومع ذلك فقد كان اجتماعيًا غير ميسور الحال، حيث أقام فى غرفة على سطح أحد البيوت فى حى بولاق الدكرور، وبعد سنوات اختارته المجموعة العربية لصندوق مكافحة الفقر التابع للأم المتحدة سفيرًا للفقراء. وارتبط اسمه بالشيخ إمام، الذى تعرف إليه فى حارة «خوش قدم» وسكنا معًا وأصبحا ثنائيًا مشهورًا، إلى أن تحولت «الحارة» ملتقى للمثقفين. بدأ نجم كتابة الشعر فى الخمسينيات وعرف فى مصر فى الستينيات بقصائده السياسية النقدية المرتكزة على حس اجتماعى عميق تجاه الحرية والعدالة الاجتماعية، ما ادى إلى اعتقاله اكثر من مرة فى فترة حكم الرئيسين الراحلين جمال عبد الناصر وانور السادات. واصبح من أهم الظواهر الشعرية السياسية بعد لقائه مع الملحن والمغنى الراحل الشيخ امام عيسى، واصبح الاثنان معا من اهم ظواهر تظاهرات الطلبة فى الجامعات المصرية مطلع السبعينيات، اذ ان اغانيهما انتشرت فى الوسط الطلابى وكان لها دور كبير فى انتفاضة 19 كانون الثانى/ يناير 1979 التى اطلق عليها الرئيس السادات اسم انتفاضة الحرامية. واتسع نطاق شهرتهما فى العالم العربى واصبحا معروفين لدى غالبية الشباب حتى ان شهرتهما فى البلاد العربية كانت اكثر اتساعا منها فى بلدهما مصر. وفى عام 2007 اختارته المجموعة العربية فى صندوق مكافحة الفقر التابع للأمم المتحدة سفيرا للفقراء. طغى الشعر القومى والقريب من الناس على أشعار «نجم» الذي رافق الشيخ إمام فى معظم أعماله للتعبير عن السخط والاحتجاج الذى تلا نكسة حزيران (يونيو) 1967، ما دفع الرئيس الراحل أنور السادات إلى إطلاق لقب «الشاعر البذيء» على الشاعر الذى لم يستطع أن يتوافق مع أى حكومة أو سلطة مصرية. دخل نجم السجن مرات عدة، كما دخل فى خلافات مستفيضة وعميقة مع كبار المسئولين السياسيين فى البلاد فى أكثر من مرحلة تاريخية، ومنها ما يحدث اليوم فى مصر. وإبان انطلاق حملة «تمرد»، أكد على تمرده مرة أخرى، فثار على السلطة المصرية بقيادة الرئيس محمد مرسي. وعلق على ذلك، قائلًا: «طبعًا تمردت، وأتمنى منكم أن توقعوا على استمارات الحملة، فلو لم نتمرد نحن، فمن سيفعلها؟ الإخوان؟». ولعل هذا النفس الاحتجاجى فى داخل نجم بدأ بين عامى 1951 و1956، عندما انتهت معركة السويس وقررت الحكومة المصرية آنذاك تأميم القاعدة البريطانية وكل ممتلكات الجيش هناك. وقال نجم فى مقابلة معه: «بدأنا عملية نقل المعدات، وشهدت فى هذه الفترة أكبر عملية نهب وخطف شهدتها أو سمعت عنها فى حياتى كلها. أخذ كبار الضباط والمديرون ينقلون المعدات وقطع الغيار إلى بيوتهم (...) فقدت أعصابى وسجلت احتجاجى أكثر من مرة (...) وفى النهاية نقلت إلى وزارة الشئون الاجتماعية بعدما تعلمت درسًا كبيرًا، أن القضية الوطنية لا تنفصل عن القضية الاجتماعية. كنت مقهورًا وأرى القهر من حولى أشكالًا ونماذج (...) كان هؤلاء الكبار منهمكين فى نهب الورش، بينما يموت الفقراء كل يوم، دفاعًا عن مصر». ورغم مرور سنوات عدة، حفظ الجسد النحيل لنجم، حتى رحيله، آثار التعذيب الذى تعرض له فى أحد أيام 1959، بعد صدامات جرت فى أحد أحياء القاهرة القديمة إثر أحداث العراق، عندما اتهم مع أربعة آخرين بالتحريض والمشاغبة وتعرضوا للضرب المبرح... إلى أن فارق أحدهم الحياة. شكل دخوله السجن مدة 33 شهرًا بتهمة اختلاس أموال محطة بارزة فى حياته يصعب إغفالها، ومن ثم العودة مجددًا إلى الزنزانة مدة 3 سنوات بتهمة تزوير استمارات شراء، بعدما حاول الاعتراض على سرقات شهدها. تحركاته الشعبية وتضامنه مع حقوق «الغلابة» ولغته العامية فى الكتابة جعلته أقرب إلى الناس ومطالبهم، فاعترف به الكثيرون كأب ل«ثورة الكلمة»، ما جعله يكتسب لقب «سفير الفقراء» من جانب المجموعة العربية لصندوق مكافحة الفقر فى الأممالمتحدة. وأعربت سفارة هولندابالقاهرة عن بالغ حزنها لنبأ وفاة الشاعر أحمد فؤاد نجم وتقدمت بخالص العزاء لأسرته. وذكر بيان للسفارة أمس أن مؤسسة الأمير كلاوس للثقافة والتنمية فى هولندا قد أعلنت فى شهر سبتمبر الماضى فوز الشاعر أحمد فؤاد نجم بجائزتها الكبرى لعام 2013 تكريما له على إسهاماته وأشعاره التى ألهمت ثلاثة أجيال من المصريين والعرب. وأضافت أن نجم كان يعتزم السفر إلى هولندا الأسبوع المقبل لتسلم الجائزة يوم 11 ديسمبر فى حفل رسمى بالقصر الملكى فى أمستردام. وأشار البيان إلى تقرير اللجنة المشرفة على الجائزة بأن «أحمد فؤاد نجم يتم تكريمه لإنتاجه شعرا أصيلا بلغة عربية عامية تتواصل بعمق مع الناس، لاستقلاليته، ونزاهته التى لا تتزعزع، وشجاعته والتزامه الشديد بالنضال من أجل الحرية والعدالة، لقوله الحق للسلطة، رافضا إسكاته، ولإلهامه أكثر من ثلاثة أجيال من المصريين والعرب، للقوة السياسية والجمالية فى أعماله والتى تبرز الحاجة الأساسية للثقافة والفكاهة فى ظل الظروف الصعبة والقاسية، ولتأثيره الهام فى الشعر العربى جالبا الاعتراف بالثراء الأدبى للغة العامية». قدم عدد من الأدباء والسياسيين والشخصيات العامة العزاء فى وفاة الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم، الذى رحل أمس عن عمر يناهز 84 عامًا، وعلى رأسهم مريد البرغوثى وعبد الرحمن يوسف والفنان خالد النبوى، والإعلاميان معتز مطر وليليان داود والناشطة أسماء محفوظ. فيما جاءت آخر تغريدات الفاجومى عبر حسابه على «تويتر» ساخرة من جماعة الإخوان المسلمين قائلًا فيها «ابقوا قولوا للإخوان تصوت ع الدستور بنعم عشان يدخلوا الجنة».