«دموع وابتسامة» رسمت علي وجه أم «عوض» التي انتظرت ساعات طويلة أمام طابور للحصول علي أنبوبة بوتاجاز، بعد رحلة عذاب «أم محمد» أخذت تطهي الطعام لأولادها علي الخشب والحطب وفضلات الحيوانات الجافة –علي الكانون- قائلة بدلا من العذاب في الطابور «والبهدلة»، وشباب يفقد أرواحه في مشاجرات، وسوق سوداء تنتشر ليصل سعر الانبوبة إلي 50 جنيهاً. رحلة عذاب وسيناريو يتكرر في أزمة البوتاجاز دون الاقتراب من الأسباب الحقيقية للأزمة والتي تتمثل في فساد منظومة البترول، وتحكم الشريك الأجنبي في موارد المصريين الطبيعية، وتفتت منظومة القطاع بحيث يسهل إهدار المال والفساد. ولم تختلف تصريحات المسئولين عن الأزمة رغم قيام ثورتين في مصر فوزير البترول يرجع الأزمة إلي تأخر وصول شحنات الغاز، وسوء الأحوال الجوية بكل من موانئ الشحن وميناء التفريغ بالبحر المتوسط وزيادة الاستهلاك المحلي مع دخول فصل الشتاء واستخدام أنابيب البوتاجاز المنزلية بكل من مزارع الدواجن وقمائن الطوب واستغلال الوسطاء للأزمة، وخرج وزيرا التموين والتنمية المحلية بتصريحات تفيد بأن الأزمة مفتعلة لإفشال الوزارة وأن هناك تنسيقاً بين الوزارات المعنية لمواجهتها وأن وراءها تيارات سياسية معينة. أرقام الموازنة العامة للدولة تشير الي تراجع نسبة دعم البوتاجاز من إجمالي دعم الطاقة ليصل إلي 23% خلال العام المالي الحالي، مقارنة بنسبة 25% خلال موازنة العام المالي 2012/2013، في الوقت الذي بلغت دعم السولار 40% رغم أنه كان يستحوذ علي 51% خلال العام المالي 2012/2013. تكشف الأرقام عن مفارقات غريبة، فكمية البوتاجاز لم تتغير، وبلغت 4.500 مليون طن خلال العام المالي الحالي بتكلفة 26.4 مليار جنيه وهي نفس الكمية خلال العام المالي السابق، ولكن كانت تكلفتها 22 مليار جنيه، في الوقت الذي بلغت فيه الكمية 4.565 مليون طن خلال العام المالي 2010/2011، بتكلفة 17 مليار جنيه فقط وهو ما يشير إلي أن الارتفاع في قيمة دعم البوتاجاز يرجع إلي الارتفاع في أسعار الدولار، والفساد في منظومة البترول التي مكنت الشريك الأجنبي من «مص» دماء المصريين. ويقدر إنتاج مصر من الغاز بنحو 2.4 مليون طن، والاستهلاك المحلي 4.5 مليون طن، وهو ما يدفع مصر إلي استيراد حوالي 45% من احتياجاتها من البوتاجاز من الشريك الأجنبي ومن الخارج لسد احتياجات المواطنين. أزمة البوتاجاز الحالية هي نتيجة حتمية لتفاقم الأزمة فى إدارة ملف دعم الطاقة، فقد وصل دعم المنتجات البترولية إلى 129.5 مليار جنيه خلال العام المالي 2012/2013 مقابل 115 مليار جنيه عام 2011/2012 . يشير تقرير للجهاز المركزي للمحاسبات إلي أن قطاع البترول يحكمه كم هائل من الشركات والقوانين غير موجودة في دول العالم، فقطاع البترول يتكون من وزارة للبترول التي تشرف على الهيئة المصرية العامة للبترول والتي يتبعها عدد 3 شركات قابضة و12 شركة تابعة قطاع أعمال عام وعدد 70 شركة اقتسام إنتاج و11 مشروعاً للغاز و20 شركة للخدمات البترولية وشركة واحدة لأنابيب البترول، إلي جانب أن القطاع يحكمه 6 قوانين تتمثل فى القانون رقم 20 لسنة 1976 بشأن إنشاء الهيئة المصرية العامة للبترول والقانون رقم 203 لسنة 1991 بشأن شركات قطاع الأعمال العام والقانون رقم 8 لسنة 1997 بشأن ضمانات وحوافز الاستثمار والقانون رقم 167 لسنة 1958 والقانون رقم 66 لسنة 1953 والقانون رقم 86 لسنة 1956 الخاص بالمناجم والمحاجر، في مقابل هذا الكم نجد أن دولة مثل قطر تتحكم فى أكثر من 14% من الإنتاج العالمي للمنتجات البترولية لا يوجد بها إلا شركة واحدة لإنتاج البترول يتبعها شركة أخرى تقوم بالتسويق الخارجي ويحكم المنظومة قانون واحد، كذلك الحال فى السعودية. ترتب علي هذا الكم من الشركات فى مصر إهدار الكثير من أموال البترول التي تنفق على مستلزمات واحتياجات هذه الشركات ورواتب العاملين بها ومكافآت وحوافز مجالس إداراتها، بالإضافة إلى عدم تحديد المسئوليات وازدواجها نتيجة تعددها داخل أروقة هذا القطاع الضخم فى هياكله الادارية بل وتفتتها فى مواجهة الشركات الأجنبية مما يضعف قدرتها على التفاوض. كما يؤكد عاصم عبدالمعطي سليمان رئيس المركز المصري للشفافية ومكافحة الفساد ووكيل الجهاز المركزي للمحاسبات السابق. ويضيف أن الاتفاقيات المجحفة مع الشريك الأجنبي وغياب استراتيجية متكاملة للطاقة ووجود الكم من الشركات والقوانين تسبب في أن تصبح مستورداً للبترول والغاز، في الوقت الذي تصدر مصر الغاز بأسعار متدنية فإن عقود التصدير طويلة الأجل لا تتضمن نصاً يجيز لها تعديلها مع التغييرات السعرية التي تطرأ علي أسواق الغاز علي حين أن دولة قطر يتضمن عقود تصديرها للغاز نصاً يتيح لها تحويل الشحنة المتجهة للمستورد إلي جهة أخري يرتفع السعر فيها دون أن تلتزم بالتصدير بالسعر التعاقدي الأقل. الشريك الأجنبي وفقاً لتقرير الجهاز المحاسبات لا يتحمل الإتاوة ولا أي ضرائب عن أعماله ولا أي جمارك، ويعفي من عدد كبير من القوانين التي تحكم أنشطة الشركات الأخري غير البترولية. يرجع رئيس المركز المصري للشفافية ومكافحة الفساد أزمة البوتاجاز إلي نقص التمويل بالنقد الأجنبي لسداد مستحقات الشركات الأجنبية البالغة 7 مليارات دولار، ما يؤثر علي حقول الغاز والإنتاج، وعدم قيام الحكومة بالوفاء بالتزاماتها تجاه الشركاء الأجانب في عهد الرئيس مرسي، وتراجع قطر في أغسطس الماضي وبعد زوال عام الإخوان بتعهداتها «لمرسي» وفقاً لاتفاقية مبادرة الغاز مع الحكومة القطرية للشريك الأجنبي. ما دفع هيئة البترول إلي التفاوض مع كل من روسيا والجزائر لتوريد كميات من الغاز لتغطية التزامات الشركات الأجنبية العاملة في مصر تجاه عملائها في الخارج ومازالت تلك المفاوضات جارية والأزمة تتفاقم في هذا الشأن مع الشركات الأجنبية وإصرارها علي وقف منح الحكومة المصرية جزءاً من حصتها من الغاز، ما لم تحصل علي مقابلها نقداً بالعملات الأجنبية ووفقاً للأسعار العالمية. وعلمت «الوفد» أن هيئة البترول توصلت لاتفاق مع الشركات الأجنبية لجدولة ديونها، علي أن تدفع 1.5 مليار دولار شهر ديسمبر المقبل، ووافق البنك المركزي علي تدبير المبلغ بالدولار.