جاءت أحداث ثورة 25 يناير لتفتح ملفات الفساد المسكوت عنها في عهد مبارك, والتي ألحقت أضرارا كبيرة بالاقتصاد المصري, وكان علي رأس هذه الملفات ملف فساد "وزارة البترول" في عهد الوزير السابق "سامح فهمي. وقد أصدر النائب العام المستشار عبد المجيد محمود قرارا بالتحفظ علي أموال وزير البترول السابق وعائلته بالإضافة لمنعهم من التصرف في أملاكهم العقارية والسائلة وتجميد حساباتهم بالبنوك والشركات, علي خلفية اتهامه بالإضرار المتعمد للمال العام في صفقات بيع وتصدير الغاز لإسرائيل ودول أوروبية أخري بأسعار مخالفة للقانون ودون السعر العالمي, بالإضافة لاتهامه بالتربح من منصبه وإساءة استخدام السلطة دون وجه حق.
وفي إطار التحقيقات التي تجريها نيابة أمن الدولة العليا مع الوزير السابق, كشفت التقارير التي تلقتها النيابة أن ترشيح سامح فهمي جاء بدعم من رجل الأعمال "حسين سالم" وذلك بهدف الاستفادة من الوزير السابق في تمرير صفقة تصدير الغاز لإسرائيل وهي الصفقة التي خطط لها حسين سالم قبل توقيع عقدها بعدة سنوات, وأثارت الصفقة غضب الرأي العام المصري وقتها, حيث أضاعت هذه الصفقة علي مصر 80 مليار دولار فرق سعر تصدير الغاز منذ عام 2005 حتى العام الجاري, كما أشارت التقارير إلي تزايد مديونية الهيئة العامة للبترول التي وصلت إلي 7 مليارات دولار لصالح الشريك الأجنبي, حيث تراجعت الهيئة عن دفع مقابل حصة الشريك الأجنبي تحت ذريعة عدم وجود سيولة مالية, وهو ما ترتب عليه تصاعد الديون المستحقة لبعض الشركات العالمية الكبرى مثل شركة "أيني" الإيطالية و "أباتشي" الأمريكية, وأمام تراكم الديون الرهيبة لجأ فهمي لتمرير بعض السيولة على مراحل ،وقدم وعودا لشركات أخرى بالحصول على فرص استثمارية جديدة مقابل تأجيل سداد هذه الديون.
كارثة "جيسوم"
كما كشفت تقارير أخري للأجهزة الرقابية عن بيع فهمي للعديد من شركات البترول المصرية الناجحة والمملوكة للدولة, تحت غطاء توفير سيولة مالية لتسديد ديون الشريك الأجنبي, وأدت هذه السياسة إلي بيع شركة "جيسوم" لرجل الأعمال صلاح دياب ب 303 ملايين دولار, رغم أن إنتاج الشركة يبلغ 8500 برميل زيت خام يوميا, وأكدت التقارير أن الشركة التي استحوذت علي شركة جيسوم للزيت لمدة 25 عاماً قد حققت أرباحاً وصلت أكثر من 65% من الثمن الذي دفعته منها في أول عام, و أنه قبل انتهاء المدة المتبقية ستكون الشركة قد حققت أرباحاً قدرها 20 ضعفاً مما دفعته, فضلا عن عدم تسديد الوزارة لمديونياتها.
وأكدت التقارير علي التدهور الشديد الذي وصلت إليه هيئة البترول في عهد سامح فهمي وتحولها من هيئة مهمة تحقق دخلاً كبيراً للدولة إلي هيئة "مدينة" عاجزة عن تدبير مصروفاتها دون الحصول علي معونات من الدولة حيث حصلت الوزارة علي 71 مليار جنيه من وزارة المالية.
ففي بداية تولي فهمي منصبه, حققت هيئة البترول فائضا بقيمة "2 مليار جنيه" تراجع في نهاية عام 2001 إلي 800 مليون جنيه, وانخفضت الأرباح للمرة الثانية إلي 103 ملايين جنيه لتصل في نهاية عام 2008 إلي 50 مليون جنيه, وهو الأمر الذي يثير الجدل حول حجم الفساد بالوزارة طيلة السنوات الماضية.
كما تكشف تقارير الأجهزة الرقابية وبلاغات النيابة عن واقعة أخري تمثل إهدارا صارخا للمال العام متمثلة في تنازل فهمي عن حصة مصر والبالغة 65 مليار دولار في "حقل شمال الإسكندرية" مجانا لصالح شركة "بريتش بتروليم" البريطانية وبعد فترة قصيرة اشتري إنتاجا بقيمة 30 مليار دولار.
وقد أضاع فهمي علي الدولة مليار دولار أخري في خطة استبدال المازوت بالغاز الطبيعي, حيث منع إمداد محطات الكهرباء بالغاز الطبيعي, وألزمها باستيراد المازوت, حيث كانت مصر تستورد سنويا 6.5 مليون طن ب 1000 جنيه للطن رغم أن سعره الحقيقي 500 جنيه.
أزمة البوتاجاز
وفي الآونة الأخيرة تفاقمت حدة أزمة "نقص أنابيب البوتاجاز" في مختلف المحافظات, حيث وصلت نسبة العجز في هذا القطاع إلي 25% , وهناك خسائر تعاني منها المستودعات التي يبلغ عددها 2800 مستودع علي مستوي الجمهورية كانت تقوم بتوزيع ما يقرب من مليون اسطوانة يومياً تناقصت بشكل حاد الأيام الماضية. كما وصل سعر الأنبوبة في السوق السوداء لما يقارب ال 30 جنيها, وبالرغم من استيراد 80 ألف طن بوتاجاز من السعودية منتصف الشهر الماضي, إلا أنه يبدو أنه لا حل للأزمة سوي بوقف تصدير الغاز لإسرائيل حتى يتم زيادة الطاقة التخزينية التي لا تتعدي حاليا 6 أيام في حين أن المعدل المفروض لا يقل عن 6 أشهر.
كما رفض الخبراء فكرة كوبونات البوتاجاز وأكدوا أنها لا تصلح مع الاقتصاد الحر, خاصة في ظل فساد المنظومة كلها, وطالبوا بإعادة هيكلة الهيئة العامة للبترول, حيث يحتكر القطاع الخاص 95% من نسبة التوزيع, وهو ما يجعل المستهلكين فريسة لأصحاب الشركات الخاصة الذين لا يهتمون إلا بالربح علي حساب مصلحة المواطن.
وطالب العديد من الخبراء بوقف تصدير الغاز لإسرائيل الذي أصبح اليوم مطلبا شعبيا, مؤكدين أن الأولي أن يتم توجيه الكميات التي يتم تصديرها لصالح السوق المحلي, خاصة وأن الكمية التي تستوردها مصر من غاز البوتاجاز هي نفس الكمية التي تصدرها لإسرائيل من الغاز الطبيعي, كما أنه ليس من المعقول أن نستورد ما يكافئ 2 مليون طن بوتاجاز بتكلفة 3 مليار دولار في الوقت الذي نصدر فيه نفس الكميه لإسرائيل وبسعر بخس 164 مليون دولار