أب فقد أبناءه في اتوبيس أسيوط، واسرة لم تجد من يأخذ العزاء في دهشور، وأم أرسلت أبناءها للتجنيد فماتوا أيضا في دهشور. بدم بارد تستقبل الحكومة هذه الاخبار وكل يوم يموت المصريون تحت عجلات قطارات السكك الحديدية، والمتهم دائما عمال المزلقان، أو السائق، أو نقص الموارد وتمر الأيام وننسي الحادث، ونستيقظ علي حادث جديد. الأرقام تكذب الادعاءات بأنه لا توجد امكانيات لتطوير مرفق حيوي مثل السكك الحديدية، فما بين مليارات من خزانة الدولة ومليارات قروض من البنك الدولي ومازالت الحكومة عاجزة عن التطوير. والغريب ان الهيئة أعادت أكثر من ربع ميزانيتها في العام المالي 2011/2012 لخزانة الدولة، أي أنها لم تستغل 26% من ميزانيتها، وهو ما يشير الي سوء تخطيط ورقابة واهمال متعمد ليس له علاقة بنقص الموارد فهي لا تستغل ربع مواردها وتعيده الي خزانة الدولة. والهيئة القومية لسكك حديد مصر حصلت علي 64% من إجمالي مساهمة الخزانة العامة للدولة في جميع الهيئات الاقتصادية والتي يصل عددها الي 47 هيئة خلال الفترة من العام المالي 1994/1995 الي العام المالي 2011/2012 بقيمة 19.7 مليار جنيه من إجمالي 31 مليار جنيه إجمالي مساهمات الخزانة للهيئات الاقتصادية. ميزانية الهيئة القومية لسكك حديد مصر ، في العام المالي 2012/2013 بلغت 1.7% من إجمالي الموازنة العامة للدولة، حوالي 2 % من موازنة الدولة خلال العامين الماليين السابقين. في الوقت الذي تنفق الدولة 4% تقريبا من ميزانيتها علي كل مستشفيات مصر، ووحداتها الصحية وأجور العاملين بها في الوقت الذي تصرف نصف هذه الميزانية علي السكك الحديدية. وتذهب النسبة الأكبر الي الاستخدامات الرأسمالية والتي تتضمن الاستثمارات في السكك الحديدية، بنسبة 60% من ميزانية الهيئة كانت متوافرة منذ العام المالي المنتهي في يونيو 2011 من اجل الاستثمار في السكك الحديدية وشراء المعدات وتطوير القطارات وغيرها ولم تشهد أي تطور حتى الآن. ونسبة المبالغ المخصصة للاجور 11% و19% في الأعوام الثلاثة الماضية مقارنة بنحو 50% من ميزانية الصحة ونحو 80% من ميزانية التعليم. الحساب الختامي للهيئات الاقتصادية خلال العام المالي 2012-2013 يشير الي تحقيق الهيئة القومية لسكك حديد مصر خسائر بلغت مليارا و777 مليون جنيه، وارجع تقرير الحساب المالي للهيئات الاقتصادية الخسائر الي عدم تحريك تعريفة النقل منذ عام 1995 إلا بمعدل طفيف مراعاة للبعد الاجتماعي، في الوقت الذي يتزايد الإنفاق من سنة لأخري لأسباب حتمية نتيجة لارتفاع أسعار مستلزمات التشغيل مثل السولار وقطع الغيار والأجور، بالإضافة الي توقف حركة القطارات لفترة كبيرة نتيجة الظروف الراهنة التي تمر بها البلاد. وتأتي ثاني هيئة من حيث الخسائر بعد اتحاد الاذاعة والتليفزيون بلغت الخسائر نسبتها 17.5% وارتفعت بنسبة 22.3% عن الحساب الختامي للعام المالي 2011/2012 والبالغ مليارا و453.6 مليون جنيه. حصلت الهيئة علي قروض تصل الي 667 مليون دولار من البنك الدولي منها 600 مليون دولار خلال عامي 2009 و2011 ، لإعادة هيكلة سكك حديد مصر، وفي الوقت الذي حصلت فيه مصر علي قرض 330 مليون دولار عام 2011 رجعت فيه الهيئة ربع ميزانيتها لخزانة الدولة. وجاء القرض الاخير لتحديث خط بني سويف اسيوط وبعد عام من توقيع القرض حدث حادثة اصطدام اتوبيس مدرسي بقطار أسيوط أودي بحياة 50 من بينهم 48 طفلًا وأصاب 17 بسبب سوء أنظمة غلق الإشارات الإلكترونية في المحطة. من المفترض أن يصرف التمويل علي تحديث ممارسات صيانة السكك الحديدية وتطوير المزلقانات وتحسين قواعد وإجراءات التشغيل الخاصة بالشركة وتحسين وتعزيز قدرات إدارة المشروع بين العاملين وتحسين قدرات التخطيط المالي والإدارة المالية كما تقول أميرة خليل باحثة بالمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية. وأضافت أن اهمال إدارة المرافق العامة مثل السكك الحديدية بما يؤدي الي قتل المصريين جريمة تستحق العقاب الجنائي للمسئولين مؤكدة ضرورة محاسبة المسئولين بالحكومة ماليا علي عدم تنفيذهم مشروعات وردت أموالها من خلال القرض أو الموازنة. مطالبة بالتحقيق في أوجه الصرف في الهيئة واحتمال إهدار أموالها ومواردها، الي جانب المسئولية السياسية علي حكومة الببلاوي لفشلهم وتعريض حياة المصريين للخطر. وقال عاصم عبد المعطي رئيس المركز العربي للشفافية ومكافحة الفساد، إن الفساد ينتشر في معظم الهيئات الاقتصادية في الوقت الذي لا توجد أي محاسبة لأي مسئول مشيراً إلي أن وقف نزيف الدماء في السكك الحديدية يبدأ بمحاربة الإهمال والفساد، ومحاسبة المسئول بالإضافة الي وضع خطة إصلاح مستفيداً من الموارد المالية المتاحة وخلال جدول زمني محدد ووجود رقابة حقيقية لخطة الاصلاح وإطلاع المجتمع عليها.