أمينة أبو شهاب المنحنى البياني لأخبار العنف الأعمى وقتل الأخ لأخيه في الوطن والدين يؤشر إلى درجات أعلى من الصعود وليس العكس كما كنا نتفاءل قبلاً بانكسار الموجة وانكفائها . نعم، يوجد إنذار حقيقي بزمن عربي متصل قادم من عدم الاستقرار وتوالد أساسات العداوات الداخلية وتضاعف وتيرة الانقسامات والمزيد من ضعف المؤسسات الكبرى، وبالتالي الانهيار المعنوي والمادي لما يمكن للجماعات والمجتمعات أن تلتئم حوله . هذا ما يطبع في الوقت الحالي صورة وطن عربي يبدو أسيراً وبشكل جبري لدائرة نيران لا تنطفئ من العنف والقتل والصراع الذي يجرّ من ورائه حتماً الاحتمالية التي تلوح للفناء الذاتي . من لبنان إلى اليمن، ومن ليبيا إلى مصر والعراق وسوريا، العرب موحدون فقط في هذه الصورة الكابوسية وفي الآلية الأحادية المحمومة والمجنونة التي تشعرنا هذه الأيام بتجدد عنف طاقتها وقدرتها على جرف بلدان ودول وبشكل جهنمي في نطاقها: لكأن بلداً عربياً واحداً، مثل ليبيا، يغني عن التحدث عن الكل، أو كأن الكل ينساق في المصير الفردي للبلد الواحد . القانون السائد واحد وهو همجي ومخيف، ما تسقط البلدان العربية واحدة بعد الأخرى في وهدته وما تجدد أخرى ترديها في هذه الوهدة هو غير قابل للتفكير فيه و"عقلنته" وحتى وصفه . فالمطلوب هو "التسليم" بالمصير الذي يوحي بأن العرب يتجهون إليه وهو سيولة عدم الاستقرار وسباحة الدولة وطفوها على بحر من الفوضى، وأهم ما في الأمر في نهاية الأمر تناحرهم (أي العرب) حتى الرمق الأخير، وحتى فناء كل ما هو جامع وحضاري ومدني وأخلاقي وإنساني وتحول الوطن العربي إلى مساحة سوداء . هل ينسحب العرب حقاً إلى واقعهم الحقيقي المتدني الذي يستحقونه وهو الهمجية والقتل على الهوية الدينية والإدانة بل التخوين والتكفير على الفكرة والاختلاف، مما يعد مبرراً مقبولاً للقتل؟ وهل يتفجر الوطن العربي ويشتعل داخلياً بمفجراته ونيرانه الداخلية وهي "موروثاته" وسنته وشيعته وقبائله وضغائنه وصراعاته، وبالتالي هو جدير بمصيره لأنه خارج السياق العالمي كله؟ أم أن كل هذه العناوين هي ما يتخذه عنف خارجي المصدر غطاء له يكمن وراءه موجهاً ضرباته حسب أجواء التضاد في الصراع الداخلي . كيف أصبح الوطن العربي فجأة غابة من المفاهيم الفوضوية والمتوحشة التي تستخدم الدين والثورة معاً لتقويض كل أبنية الميراث الثقافي والحضاري والإنجاز الوطني ورمزياته التي طالما كان الالتفاف حولها معطى لا يقبل التناقض حوله . العنف الأعمى الهمجي وتوجيه الرصاص إلى صدور الأبرياء وقتل الجنود والضباط لا بد أن مصدره طرف "ثالث" يتحين أوقات التوتر والصراع ويضرب من خلالها للإيحاء بأن القتل والمجازر هي محلية المصدر . من قتل الضابط المصري المكلف بملف الإخوان المسلمين في مصر، محمد المبروك، "دفاعاً عن الحرائر المعتقلات من متظاهرات الإخوان"؟ ومن ارتكب مجزرة جديدة ضد المجندين المصريين في اليوم التالي لإحياء ذكرى شهداء محمد محمود، وذلك توقعاً لأحداث قتل في المناسبة يكون قتل الجنود متناسباً فيها مع ما كان متوقعاً أن يحدث؟ العنف المشبوه في مصر يستهدف إسقاط الدولة وإرهاب المجتمع وجره إلى الفوضى والحالة الهمجية التي سيقت إليها بلدان عربية أخرى وكأن العنف والصراع ضمن الدين والقبلية هو منتج طبيعي منها و"تركيبة" ثقافية واجتماعية خاصة بها لم تسعفها حتى "الثورات الديمقراطية" في الخلاص منها (ليبيا) ولم تنفع معها عقود من الآلية الديمقراطية والحياة المدنية (لبنان) . أخطر ما في مؤشرات العنف والقتل الذي يضرب الوطن العربي هو أنه يوجه أصابع الاتهام إليه ويقول إنه يحترق بنيرانه الذاتية، لا بنيران الخارج .نقلا عن صحيفة الخليج