في 19 نوفمبر عام 1977، هبطت طائرة الرئاسة المصرية في الرحلة الخاصة رقم 51 بمطار بن جوريون الإسرائيلي.. كان يوم السبت «إجازة اليهود» وكل قادة إسرائيل ورموزها في أرض المهبط : إفرايم كاتزير رئيس إسرائيل، ومناحم بيجين رئيس الوزراء، وإسحاق شامير رئيس الكنيست، وجولدا مائير رئيسة الوزراء السابقة، وموشي ديان وزير الدفاع السابق وقتها وغيرهم، وما إنْ توقفت الطائرة حتي تم فتح بابها، ونزل علي سلمها الراحل الرئيس أنور السادات، وسط ذهول الإسرائيليين، الذين ظنَّ بعضهم أن طائرة السادات عليها «كوماندوز» سيقتلون كل قادة اسرائيل.. وقبل تلك الزيارة كان رئيس الأركان الاسرائيلى مردخاى جور، قد حذر من أن تكون الرغبة فى زيارة إسرائيل مناورة خداعية من السادات للتغطية على عملية أخرى ضد إسرائيل. لكن مناحم بيجين رفض هذا الرأى، وأرسل دعوة رسمية إلى السادات للزيارة، بعد أن أعلن فى خطابه أمام مجلس الشعب أنه على استعداد للذهاب للكنيست.. وكان لموشى ديان وزير «الحرب» الاسرائيلى الأسبق دور فى الترتيب والاعداد للزيارة.. تخفى «ديان» فى ملابس عربية وشارب مستعار، والتقى فى القصر الملكى فى العاصمة المغربية الرباط مع حسن التهامى نائب رئيس الوزراء المصرى يوم 26 نوفمبر 1977، قبل الزيارة بثلاثة أيام، واتفق مع التهامى على الترتيبات، برعاية الملك الحسن الثانى، الذى ساهم هو والرئيس الرومانى وقتها نيكولاى شاوسيسكو، فى الإعداد لتلك الزيارة التاريخية، التى فتحت لمصر باباً للسلام، وفتحت على السادات باباً من جهنم.. وبينما كان الاسرائيليون يملأون الشوارع يحملون الورود والأعلام المصرية يحتفلون بالسادات ويصفونه بالشجاع، كان فى العواصم العربية من يملأون الشوارع أيضاً ويهتفون بسقوط السادات، ويصفونه بالعمالة والخيانة، رغم أنه قال للاسرائيليين من فوق منبر الكنيست وعلى مرأى ومسمع العالم كله: «إنني لم أجئ إليكم لكي أعقد اتفاقًا منفردًا بين مصر وإسرائيل.. وأي سلام منفرد, فإنه لن يُقِيم السلام الدائم, العادل, بل أكثر من ذلك, فإنه حتى لو تحقق السلام بين دول المواجهة كلها وإسرائيل, بغير حل عادل للمشكلة الفلسطينية، فإنَّ ذلك لن يحقق أبدًا السلام الدائم, العادل».. ورغم ماقاله السادات وعمل من أجله فإن المتطاولين عليه بجهل لايزالون يجاهرون باتهامات له بأنه أضاع القضية الفلسطينية، ولم يذهب لإسرائيل إلا لسلام منفرد.. بل إن منهم من يتغابى أو ربما هم فى الأصل أغبياء يروجون أن السادات لم يحرر سيناء المصرية..!! ورغم أن جمال عبد الناصر أضاع سيناء، وأنور السادات استردها، فإنَّ المصريين احتفلوا بعبد الناصر حياً وميتاً.. رفضوا تنحيته بعد الهزيمة من إسرائيل فى يونيو عام1967، وخرجوا يشيعونه فى جنازة مهيبة، كما لم يخرج شعب فى التاريخ يودع حاكمه.. أمَّا السادات فقد عارضوه وسبُّوه ولعنوه فى حياته، ولم يخرجوا فى جنازته التى كانت جنازة عسكرية رسمية لم يشارك فيها الشعب.. وأثبت التاريخ أن نظرة بعض العرب وبعض المصريين للسادات كانت نظرة خاطئة وظالمة للرجل الذى نجح فى إعادة أرضه المحتلة إلى أحضان الوطن، وأن زيارته للقدس قبل 36 عاماً كانت فتحاً للسلام الذى تخلف عنه العرب بإرادتهم، واليوم هم نادمون.. رَحِمَ اللهُ السادات العظيم، وسامح مَنْ سبُّوه ولعنوه بجهل، ثم تابوا وآمنوا بوطنيته، وأنا منهم..