قبل 34 عاماً بالتمام والكمال وتحديداً في 19 نوفمبر عام 1977 هبطت طائرة الرئاسة المصرية في الرحلة الخاصة رقم 51 بمطار بن جوريون الإسرائيلي.. كان يوم السبت «أجازة اليهود» وكل قادة إسرائيل ورموزها في أرض المهبط: إفرايم كاتزير رئيس إسرائيل، ومناحم بيجين رئيس الوزراء، وإسحاق شامير رئيس الكنيست، وجولدا مائير رئيسة الوزراء السابقة، وموشي ديان وزير الدفاع السابق وقتها وغيرهم، وما ان توقفت الطائرة حتي تم فتح بابها ونزل علي سلمها الراحل الرئيس أنور السادات، وسط ذهول كل القادة والرموز الإسرائيليين!! عزفت الفرقة الموسيقية السلام الوطني المصري لأول مرة في إسرائيل منذ نشأتها، وقدم مناحم بيجين كبار المستقبلين للرئيس السادات.. ولاحظ السادات أن بيجين توقف طويلاً وهو يقدم له أرييل شارون وقال له: «وهذا هو إرييل شارون وزير الزراعة لعلك تتذكره سيادة الرئيس..» وفهم السادات ما وراء الكلمات، وفطن إلي مغزي كلمة «تتذكره» التي قالها بيجين، في إشارة إلي قيامه بعمل الثغرة بين صفوف الجيش المصري عند الدفرسوار.. فقال السادات لشارون كان بإمكاني أن أقتلك في الثغرة.. وضحك ضحكة مجلجلة لم يجد شارون وبيجين أمامها إلا أن يضحكا ضحكتين باهتتين. لكن، هل كان بإمكان السادات أن يقتل شارون في الثغرة؟!. الحقيقة أن السادات قد رفض في أكتوبر عام 1973 تنفيذ خطة محكمة ومدروسة لإبادة كل الإسرائيليين بمن فيهم قائدهم شارون، لكن الخطة لم تستبعد إمكانية قتل عدد غير قليل من الجنود المصريين في الثغرة، فرفضها السادات وقال: لا أريد أن أنفذ خطة تجعلني أقتل بيدي أي فرد من أبنائي حتي وإن أبدت بها كل الاسرائيليين.. ومادام الإسرائيليون سينسحبون بالمفاوضات، فليس هناك داع لتنفيذ هذه الخطة.. وقتها كان شارون قد هرب من الثغرة فور علمه بخطة لإبادة الإسرائيليين مدعياً المرض والإصابة في رأسه!! وفي يونيو عام 1978 التقي السادات وزير الدفاع الإسرائيلي عزرا وايزمان في النمسا في إطار اللقاءات المتفق عليها عقب زيارة السادات للقدس.. وطلب وايزمان من السادات أن يلتقي مع زعماء إسرائيليين آخرين من غير الذين يعرفهم، وعندما سأله السادات مثل مَنْ؟ قال له وايزمان: «مثل شارون وزير الزراعة» فانفعل السادات وقال له بصوت عالٍ: «إذا حدث ذلك سأقبض عليه فوراً وأضعه في السجن» فاندهش وايزمان من لهجة السادات وبدا علي وجهه علامات الاستغراب، فضحك السادات ضحكة مجلجلة، لم يجد وايزمان غير أن يبادله بضحكة لم تكن مثلها، بل كانت باهتة صفراء مثل ضحكتي بيجين وشارون قبلها بسبعة أشهر في مطار بن جوريون.. لم يكن السادات يريد أن يتحقق السلام الذي ينشده ويسعي إليه مع إسرائيل عن طريق أو مشاركة إرييل شارون، رغم أنه لم يكن في ذلك الوقت قد نفذ عمليته القذرة في صابرا وشاتيلا، ولم يكن قد اقتحم الاراضي اللبنانية وخرج منها ملطخ اليدين بدماء اللبنانيين الأبرياء.. ولم يكن شارون قد وصل إلي رئاسة الحكومة الاسرائيلية، يعطي أوامره يومياً بتنفيذ خططه الدموية لإبادة الفلسطينيين ووقف انتفاضتهم!! كان شارون وقتها مجرد وزير في حكومة مناحم بيجين.. ولم يكن وزيراً للدفاع والحرب، بل كان مجرد وزير للزراعة.. ورغم ذلك رفضه السادات!! رحمة الله علي السادات العظيم واسع الفكر، بعيد النظر، الذي اتهمه الجهلاء بأنه عميل لاسرائيل.