لطالما حذر الوفد قيادات جماعة الإخوان من التمادي في ممارساتهم التي استهدفوا بها النيل من الإرادة الشعبية، تلك الممارسات التي وضعت أعضاء الجماعة في مواجهة الشعب، وراهنت علي أهدافها وإن تعارضت مع المصلحة الوطنية، بل وهددت بقاء الدولة المصرية، أعرق دول العالم. وكثيراً ما عبر الوفد عن أن مصالحة تقوم علي المصارحة، ومراجعة النفس، ومغالبة الأهواء الذاتية الضيقة، يمكن أن تعيد كافة التيارات السياسية إلي الصف الوطني، إذا ما نجحنا جميعاً في إعلاء الشأن الوطني فوق الاعتبارات الحزبية، تحملاً للمسئولية الوطنية التي باتت، بكل أسف، عبئاً ثقيلاً يسعي البعض إلي التخفف من تبعاته. غير أن شجاعة واجبة لم تظهر، وإرادة حقيقية غابت وتوارت بعيداً داخل التنظيم الدولي، الأمر الذي حال دون إصغاء قيادات الجماعة إلي تحذيرات الوفد، حتى باتت المصالحة فكرة غير قابلة للتطبيق، وفرصة ضائعة ربما لا تدركها الأجيال الحالية من أعضاء الجماعة. ولا شك أن جماعة الإخوان، وإن توارت عن المشهد السياسي، بحكم القانون، إلا أن لها وكلاء سيستمرون في القيام بأدوارهم، ربما علي استحياء أحياناً، وربما لإثبات صدق ولائهم للتنظيم، في محاولة للاحتفاظ بالنار تحت الرماد، وهو نهج لطالما نجحت فيه الجماعة عندما كانت تواجه الأنظمة الحاكمة، غير أن عليها الآن إدراك الفارق بين مواجهة نظام حاكم زائل مهما طال به الأمد، ومجابهة شعب باق في رباط إلي يوم القيامة، انتهكت ممارساتهم مقدراته، وأهدرت الكثير من قيمه السامية التي أبقت عليه آلاف السنين، واحتضن بها الإسلام السمح، حتى بات أزهره الشريف المرجعية الإسلامية الأولي في العالم. ففي ظل الإرهاب الذي تمارسه جماعة الإخوان ضد أبناء الوطن، لا تقوى مناظرات المصالحة علي اجتذاب آذف تُصغي، والقلوب من حولها تدمي ألماً وحسرة علي الضحايا وأسرهم، فهؤلاء لا شك أحق بكافة الجهود الوطنية المخلصة، تخفف من فجيعتهم، وتشعرهم بتداعي أبناء الوطن المخلصين حولهم. إذن لتكن العدالة الانتقالية سبيلنا إلي وحدة الصف الوطني، وفوقها نُرسي قواعد الممارسة الديمقراطية الصحيحة، ودون ذلك تبتعد دعاوي المصالحة عن أرض الواقع كثيراً بما لا يسمح بإدراكها، فليس من سبيل إلي إجراء مصالحة بين الضحية والجاني وهو ما زال ممسكاً بسلاحه!. ثم يبقي لنا جميعاً حق المشاركة في رد كرامة وطن أُهدرت، بفعل ممارسات استهدفت مقايضة أمنه ومقومات بقائه ومكتسباته، وهو واجب وطني ينبغي أداؤه من خلال الاستحقاقات الانتخابية التي ترتبها خارطة المستقبل.