وفق معايير متعارف عليها دولياً، لا سبيل أمامنا سوى اللجوء إلي قانون العدالة الانتقالية الذي بموجبه نضع الأمور في نصابها الصحيح، ودون ذلك لا مجال للحديث عن «مصالحة» تجمع القاتل بالقتيل، والجاني بالضحية، وتختفي في طياتها جرائم أهدرت المصالح الوطنية لصالح مجموعة ضلت الطريق، وأبت إلا أن تُضل شباباً كان أجدر به أن يندرج، عاملاً مخلصا، في الصف الوطني. لا شك أن اللحظات الراهنة كانت تفرض علي الجميع مسئوليات وتضحيات، هي فرض عين، فلا مجال لمزايدة يسعي صاحبها إلي «الارتقاء» فوق الإرادة الشعبية، و«ابتكار» بطولات لا سند لها علي الأرض؛ ومن ثم لا سبيل إلي مقايضة تسمح باستبدال الدور الوطني برمزية دولية زائلة لن تعيش طويلاً طالما تفتقد جذوراً لها في الضمير الوطني. مصر التي قدمت «الدولة» للعالم، منذ آلاف السنين، كنموذج لتطور المجتمعات البدائية، باتت بأيدي أبنائها، من المتاجرين بالدين، تدافع اليوم عن بقاء «دولتها»، وتواجه في ذلك مساعي شتى تجتمع علي الإساءة للوطن، بغية تحقيق مآرب لا تتفق والمصالح الوطنية. ولو أن الأمر توقف عند محاولات البعض الاستقواء بالخارج، لهان الأمر، والتمسنا لهم ما يبرر مساعيهم «الخائبة» بعد سقوطهم المدوي والسريع في مصر... الدولة الأعمق في جذور التاريخ... التي لم يكن من الممكن علي الإطلاق أن تقبل أن تتواري «ولاية صغيرة» في إمبراطوريتهم المزعومة. غير أن النفس لا تستسيغ، في مثل هذه اللحظة الفارقة في عمر الوطن، أن تنظر لتجد رفيق الدرب الثوري، وقد آثر إلا أن «يميل» إلي نفس «الخارج» الذي يستقوي به أعداء الثورة... مُتخففاً من مسئوليات وطنية كانت أجدر به أن يقف مدافعاً عن ثورة شعبية لطالما كان رمزاً لها، وها هي تمر الآن «بلحظات استثنائية»، ذائعة الانتشار في الثورات الشعبية، سرعان ما ستعود بعدها، بجهد أبنائها، وهو معهم إن عاد ووعي الدرس الوطني، لتنهض من عثرتها، وتؤكد للعالم أن مصر لن تفقد دورها التاريخي الملهم والمعلم، وليتعلم البعض من أبنائها أن «رجلاً دولياً» لا يمكن أن يكون بلا وطن. فلتكن مصر... وليذهب من أبنائها كل خائن استقوى بالخارج، وجعل خيارنا محصوراً بين أن يحكمنا أو يحرقنا... وليدرك كل «مائل» إلي الخارج أن المجتمع الدولي لا يعرف «بطلاً دولياً» لا تحتضنه إرادة شعبة. «الوفد»