بالقطع ... أدركتنا اللحظة التي طالما دفعتنا إليها إرادة قيادات الجماعة، وجعلت منها خيارنا الأوحد لإنقاذ الوطن من الانهيار تحت وطأة تنظيم دولي مسلح، وفي مثل هذا الموقف تنجلي الحقائق، وتنكشف الأبعاد التي طالما حالت مغالطات الجماعة دون كشفها أمام الرأي العام العالمي بعد أن ثارت عليها الملايين في الثلاثين من يونيو. فليس من شك أن الأمر لم يكن «اعتصامات» بالمعني المتعارف عليه في الدول «الديمقراطية» التي حاولت مساندة السلوك الإخواني، لما قد يحققه لها من مصالح يصعب الحديث عنها أمام الرأي العام، رغم ما تدعيه هذه الأنظمة من «شفافية». فلقد رأي العالم حجم التسليح في ميداني رابعة والنهضة، كما رصدت الفضائيات المواجهة المسلحة التي قوبلت بها محاولات الأمن إعادة هيبة الدولة، وشاهد الجميع كيف أحرق وحطم الإخوان بعض دور العبادة المسيحية، وعدد من أقسام الشرطة، وكثيراً من الممتلكات الخاصة والعامة في العديد من المناطق في العاصمة وخارجها. ولعل الضمير الإنساني قد أدرك الآن أن الأوضاع في مصر لا تعبر عن صراع سياسي، قدر ما تعكسه من ممارسات إرهابية، من قبل تنظيم دولي لا وطن له يسعي إلي «نهضته»، ولا دين له يستند إلي قيمه ومبادئه، كما حاولت مغالطات الجماعة تصوير الموقف. وأمام ما رآه العالم من دروع بشرية، من النساء والأطفال، أُزيلت مغالطة أخرى حول حجم «الشجاعة» التي يتحلي بها قيادات الجماعة أمام شاشات الفضائيات العالمية، فضلاً عن الاعتداء علي كل من حاول الهروب من محبسه في رابعة أو النهضة من المُغرر بهم، وممن أعوزتهم الحاجة أمام تمويل ضخم، تمرست الجماعة في توظيفه، في حشد «البسطاء» فيما يسمونه «اعتصاماً سلمياً»، تماماً كما نجحوا في حشدهم حشراً إلي صناديق الانتخابات. لطالما أكد الوفد أن قوة الثورة المصرية تكمن في سلميتها، وحرصها الشديد علي لم شمل أبناء الأمة المصرية، دون تمييز لا يستند إلي معيار الوطنية، بل إن التجارب المحيطة، في إطار ثورات الربيع العربي، تُشير إلي أن النزوع إلي العنف واستخدام السلاح، أدى إلي نتائج غير مرغوب فيها، تتطلب مواجهة تداعياتها بذل كثير من الجهود التي ربما فاقت قدرة الشعوب المُنهكة جراء عملية المخاض الثوري، وهو أمر لا يصعب علي الشعب المصري العريق إدراك مخاطره. في هذا السياق لا ينبغي أن تغيب عن المشهد كل الجهود الرامية إلي وحدة أبناء الوطن، بعد أن تجاوزنا مرحلة «التهديد» وبلغنا الخطر ذاته، في سبيل بناء نظام ديمقراطي حقيقي، يسمو فيه الدين فوق كل اعتبار، ويترفع علي أن يرتب حقوقاً سياسية زائلة، كانت وستظل مُعرضة للجدل والمزايدات والمصالح الحزبية والشخصية، شأنها في ذلك شأن العمل السياسي في كافة النظم السياسية، وباعتبارها عملاً بشرياً يخضع دائماً للخطأ والصواب. ولا شك أن جماعة تدعي أن الدين الإسلامي مرجعيتها، كانت أجدر أطراف المشهد بالانصياع إلي مبادرة الأزهر الشريف، باعتباره المرجعية الأساسية للدين الإسلامي في العالم أجمع. وبعد ... لن تفلح الجماعة في تشويه ثورتنا المُلهمة، و»جر الوطن»، علي حد تعبير الدكتور مرسي، إلي مخاطر الحرب الأهلية، فنحن أمة في رباط إلي يوم الدين، وإن كان بيننا من استبدل الوطن، وخان الأمانة، وسعي إلي تقسيم أبناء الأمة الواحدة بُغية تحقيق ما لا يتفق وإرادتهم الحرة، فإن حضارة آلاف السنين الكامنة في وجدان هذا الشعب، وما تحمله الشخصية المصرية من ضمير يدرك صحيح الدين الإسلامي، وما تجمعه الأديان السماوية من مضامين سمحة .. رحبة .. تتسع لكافة أبناء الوطن، لا شك لجديرة بتجاوز المحنة، وإعلاء قيم السلام والمحبة. «الوفد»