تولت حكومة د. «الببلاوى» مسئوليتها فى 16/7/2013، وكان يتوقع الجميع منها أداء متميزاً، خاصة فى الملفين الاقتصادى والأمنى، ولهذا التف حولها الشعب المصرى، ثم بدأ النقد يكال إليها، خاصة فى الملف الاقتصادى، وتركزت الانتقادات فى أن قرارات الحكومة بطيئة فى هذا المسار بحجة أنها وزارة مؤقتة لتسيير الأمور. «الوفد» التقت الدكتور صلاح جودة، الخبير الاقتصادى، المستشار الاقتصادى لمفوضية العلاقات الأوروبية، الذى أكد أن الناتج القومى المحلى لمصر ضعيف، ولا يتناسب مع إمكاناتها ومكانتها لأنه أقل من رأسمال شركة من الشركات العالمية، وحذر من خطورة الدين الداخلى الذى وصل إلى مرحلة الخطر لأنه يمثل 99٪ من قيمة الدخل القومى لمصر، مؤكداً توقف أكثر من 4600 شركة ومصنع وفندق وقرى سياحية منذ عام بسبب الأحوال الاقتصادية التى يمر بها المجتمع. كيف ترى المشهد الاقتصادى؟ - المشهد الاقتصادى الحالى لا يختلف عن قبل 30 يونية 2013، بل إن المديونية زادت خلال المائة يوم الأخيرة بمقدار 68 مليار جنيه، والدين الخارجى زاد بمقدار 2.5 مليار دولار، وأسعار التضخم زادت بنسبة لا تقل عن 28٪ رغم ما تعلنه الحكومة بأنه 4٪ فقط. حكومة «الببلاوى» تحظى بدعم شعبى وسياسى ومع هذا الأداء لا يرضى الكثيرين؟ - نعم حظيت حكومة «الببلاوى» بالتفاف شعبى لم تحظ به وزارة أخرى منذ 32 عاماً، وثقة من القيادة السياسية والعسكرية، ووجود فوائض مالية لسد الفجوات التمويلية تمثلت فى ال12 ملياراً من دول الخليج، ووجود معونات بترولية بمبلغ 2 مليار دولار، وعدم وجود وقفات احتجاجية أو فئوية ضدها، والانصياع الكامل من الشعب لتنفيذ حظر التجوال برضا وقناعة، عكس ما حدث فى حظر المعزول «محمد مرسى» بمحافظات قناة السويس، وعدم وجود مجالس تشريعية تتسبب فى بطء التشريعات، ولكنها تصدر بموجب إعلان دستورى من رئيس الدولة، مع تضاؤل واختفاء الإخوان المسلمين وأنصارهم بعد الضربات الأمنية الموجعة لهم، وعلى رأس الدولة المستشار عدلى منصور، رجل القانون الذى يحظى باحترام أغلبية الشعب المصرى. وماذا قدمت الحكومة للشعب من خلال هذه المزايا؟ - ألغت الرسوم الدراسية فى جميع مدارس التعليم الأساسى، وخفضت الرسوم للطلاب بالمدن الجامعية، وسيتم تطبيق الحد الأدنى من يناير 2014 وعملت على تثبيت سعر الصرف للجنيه أمام الدولار، وقيام وزارة الإسكان ووزيرها بنشاط كبير فى إعادة وتأهيل معظم الطرق والكبارى، ووزارة السياحة تقوم بدور كبير لعودة السياحة، ووزارة الأوقاف نفذت إجراءات ضد المتطفلين على منابر المساجد، ووزارة الدفاع قضت على نسبة كبيرة من الإرهاب فى سيناء، وعادت الشرطة بدرجة معقولة من التواجد فى الشارع. ما أثر تطبيق الحد الأدنى للأجور وتجاهل تطبيق الحد الأقصى؟ - تطبيق الحد الأدنى للأجور فقط ضد المنطق، لأن الحد الأقصى طرف فى معادلة الأجور ولابد من تطبيقه على جميع العاملين فى الحكومة والقطاع العام، وهذا يطبق فى 193 دولة فى العالم، ومنها الدول الخمس الكبرى اليابانوفرنساوإنجلترا وألمانيا وأمريكا التى بها الحد الأقصى 28 ضعفاً بكامل المخصصات بمن فيها رئيس الجمهورية. لكن إشكالية مصر تتمثل فى تنوع الأجور الحكومية؟ - نعم.. مصر بها 24 نوعاً من أنواع الأجور سواء الحكومية والقطاع العام وقطاع الأعمال والوحدات المحلية والتأمينات، وللأسف جميعها الأجر الثابت فى الحكومة 22٪ للدخل، وال78 هو الرقم المتغير الذى يتمثل فى المنح والمكافآت والبدلات والأرباح والحوافز ويحدد هذا الرئيس المباشر فى العمل حتى الوزير، وبالطبع هذا يأتى حسب الأهواء والمزاج الشخصى للرئيس تجاه مرؤوسه فى العمل ولكن هذه المعايير بعيدة عن معايير القطاع الخاص. هل مشكلة القطاع الخاص فى هامش الربح وأثره على التضخم؟ - لابد من تحديد حد أقصى لهامش الربح حتى لا يزداد التضخم، مثلاً فرنسا أصدرت قراراً بعدم زيادة هامش الربح على 25٪ نهائياً وأمريكا قبل الأزمة المالية فى عام 2009 أصدرت قراراً بعدم زيادة هامش الربح للسلع النسيجية على 25٪، ولكن فى مصر قطاع الألبان والأجبان هامش الربح يصل فيه من 120٪ إلى 180٪ وقطاع الأسمنت هامش الربح يصل إلى 300٪ طن الأسمنت تكلفته 198 جنيهاً ويباع ب600 جنيه!! فيم أنفقت ال12 مليار دولار الدعم الخليجى؟ - أولاً يوم 2/7 قبل حكم المعزول بيوم واحد تم تخفيض الائتمان المصرى، وكأن «مرسى» وجماعته عملوا بالمثل القائل «يا رايح كتر من الفضايح»، وبعد عزله بيوم واحد وفى 4/7/2013 أعلنت أكبر 3 دول خليجية عن دعم مصر ب12 مليار دولار السعودية 5 والإمارات 4 والكويت 3 مليارات، بالإضافة إلى 2 مليار دولار مشتقات بترولية وهى إعانة دون شرط، وهذا ساعد مصر على زيادة الاحتياطى النقدى، ورد المليارى دولار الوديعة القطرية، وهذا عمل نوعاً من أنواع التوازن فى سعر صرف الجنيه مقابل الدولار وساعد على إعادة تسوية المديونية المستحقة على مصر من الشركاء الأجانب الموردين للبترول، وحل الأزمة الطاحنة التى قال عنها الإخوان إنها كانت مفتعلة ومدبرة لزيادة الأزمات أمام «مرسى». برأيك هل تمت الاستفادة بالشكل الأمثل من الدعم الخليجى؟ - بالطبع لا.. لأن الحكومة اشترت بجزء منها سندات أمريكية وكان لابد أن يضعوها فى البنك المركزى المصرى وتتم طباعة جنيهات مصرية بقيمتها، وتتم تسوية جميع مستحقات المقاولين لأنها مهنة تقوم بتشغيل 105 مهن أخرى ليتم سداد أموال البنوك التى حصل عليها هؤلاء المقاولون والضرائب المستحقة عليهم، وهنا يصبح لديها مقدرة مالية لتشغيل 33٪ من الطاقة العاملة، وتضخ فى عمل بنية أساسية من طرق ومياه وصرف صحى وكهرباء فى مدن جديدة، وهذا سيسحب السيولة مرة أخرى للدولة من المستثمرين فى شراء الأراضى وإعادة الإعمار. هل الدين الداخلى وصل إلى مرحلة الخطر؟ - نعم لأن الدين الداخلى يصل إلى 1560 مليار جنيه، وقد يراه البعض أمراً عادياً لكن الخطورة أن الناتج القومى المحلى يصل إلى 1600 مليار جنيه وهذا أقل من رأسمال أى شركة من الشركات العالمية إذن الدين الداخلى يمثل 99٪ من الناتج المحلى، وهذه مرحلة الخطر. وماذا عن خطورة الدين الخارجى والبعض يتمنى أن تشهر مصر إفلاسها؟ - الدين الخارجى 44 مليار دولار ومع انه مبلغ كبير بالنسبة لدولة مثل مصر، لكن الإفلاس لا يتم إلا عندما تعجز الدولة عن سداد الفوائد والأقساط المستحقة عن الدين الخارجى فقط. ما المطلوب تحديداً من وزارة المالية فى خارطة طريق اقتصادية؟ - عليها تنفيذ قرارات الحدين الأدنى للأجور والأقصى للدخل فى الحكومة وزيادة المعاشات لتتناسب مع متطلبات الحياة ونسب التضخم وإلغاء جميع المستشارين فى الحكومة والقطاع العام وقطاع الأعمال والوحدات المحلية فوق سن الستين عاماً، وضم الصناديق الخاصة للموازنة العامة للدولة، وإيقاف العمل بقوانين الضرائب الصادرة فى مايو 2013 لأنها معيبة وتشكيل لجنة من الخبراء لوضع قانون ضرائب جديد يتلاءم مع متغيرات المجتمع وإنهاء جميع المنازعات الضريبية حتى نهاية 2012 وضرورة صرف جميع رواتب العاملين بالدولة والقطاع العام وقطاع الأعمال والقطاع الخاص والاستثمارى عن طريق «الفيزا كارد» وليس يدوياً. وماذا عن وزارة الاستثمار؟ - أهمية خفض مدة تأسيس الشركات ل48 ساعة وعمل مكتب واحد للتعامل مع الجمهور، وضرورة عمل خريطة استثمارية للست وعشرين محافظة وجميع الاستثمارات والمشروعات المطلوبة لمصر، والعمل على ترويج هذه المشروعات داخل وخارج مصر، وإعادة تقييم لجميع الشركات التى تمتلكها الدولة لمعرفة صافى رأسمال الشركات، وإيجاد حل لتسوية المديونيات الخاصة للمزارعين، وإعفاء جميع سائقى التاكسى الأبيض المتعثرين من الأقساط السابقة حتى 31/8/2013. ما أهم الأولويات فى التنفيذ بعيداً عن الخطط طويلة الأمد؟ - صدور تشريعات بأن الاقتصاد المصرى «اقتصاد حرب» لأننا مازلنا نحارب الإرهاب ووضع حد أقصى لهامش الربح، ووضع بنود قانون للثروة المعدنية والمحجرية لمصر لتدر عائداً سنوياً لا يقل عن 22 مليار جنيه، حل مشكلة جميع الفنادق والقرى السياحية والمنشآت والمصانع المتعثرة والمتوقفة التى بلغت أكثر من 4600 وحدة منذ عام، ووضع خارطة عمل لمصر خلال العشرين عاماً القادمة بمعرفة أبناء الوطن من الخبراء الاقتصاديين والعلميين، والاستعانة بالكفاءات والخبرات المصرية والعربية والأفريقية والأجنبية المتميزة فى مجالات العلم والاقتصاد على مستوى العالم لوضع الخطط وتنفيذ الآليات بدلاً من التباطؤ فى إصدار القرارات بحجة أنها وزارة مؤقتة لتسيير الأمور. ماذا عن تلويح الحكومة بفرض التسعيرة الجبرية لخفض الأسعار؟ - أولاً البعض يحذر من التسعيرة الجبرية لأنها عودة إلى النظام الاشتراكى وذلك يخالف آليات واقتصاد السوق الذى يعيش فيه العالم الآن. لكن ما آليات الحكومة فى تطبيق هذه التسعيرة؟ - أولاً.. يفرض هامش ربح على الصناعات مثل الغزل والنسيج، والصناعات الغذائية والهندسية والتعدينية وتقوم الحكومة باستيراد السلع التموينية وتعرضها فى منافذ تملكها مثل مجمعات الأهرام والنيل وسومانيل وأيضاً يتم التوزيع فى منافذ الجهات الحكومية والمناطق الصناعية والأماكن العامة ولابد من وجود آلية وتفعيل لجهاز حماية المستهلك التابع لوزارة التموين والتجارة الداخلية لوجود ردع للتاجر الغشاش والمستغل وفى حالة عدم ردع أى تاجر يتم فرض التسعيرة الجبرية. وكيف ترى المشهد السياسى؟ - المشهد السياسى ضبابى ومرتبك بسبب الحكومة التى ترى نفسها حكومة انتقالية، ولا يوجد حكومة فى العالم تقر بهذا حتى لو كانت ستستمر ليوم واحد فقط، ثم إن عددها وصل إلى 36 عضواً رئيس و3 نواب و32 وزيراً. وما سبب الارتباك والضبابية فى كثرة العدد؟ - الارتباك يتمثل فى أن د. مصطفى حجازى، مستشار الرئيس السياسى، يقوم بالحوار السياسى مع الأحزاب ومستشار الرئيس الإعلامى أحمد المسلمانى يقود عملية التواجد والتواصل مع الإعلام ووزير التعليم العالى ونائب الرئيس الدكتور حسام عيسى هو من يقود سياسة المشهد الداخلى من تصديه للمظاهرات ولبعض التشريعات الأخرى التى تخص المشهد السياسى بالكامل. ثم إن نائب رئيس الوزراء للشئون الاقتصادية د. زياد بهاء الدين يقوم بقيادة المصالحة السياسية مع رجال النظامين السابق والأسبق. ما وجه اعتراضك على المصالحة؟ - اعتراضى أنه لا يقوم بهذه المصالحة مع الشعب المصرى والمواطن المطحون أولاً بوضع سياسة اقتصادية للسيطرة على الأسعار وإقالة جميع المستشارين فوق الستين بجميع الوزارات، وهذه هى المصالحة الأهم بدلاً من المصالحة مع نظامى مبارك ومرسى. كيف ترى حملة «كمل جميلك» لدعم السيسى رئيساً؟ - حضرت أحد اللقاءات التليفزيونية فى إحدى القنوات، وطلب منى تقييم الأداء الاقتصادى وكان من الضيوف بعض أعضاء حملة «كمل جميلك» ومن هنا تطرق الحوار عن الفريق «السيسى» والتفاف الشعب حول فكرة تأييده رئيساً، ولو فعلها سيحصل على أعلى نسبة من الأصوات. هل ترى أن سقف التوقعات من الفريق أول عبدالفتاح السيسى عالٍ؟ - نعم، وهذا صحيح لأن الشعب يرى فى الفريق أول «السيسى» المخلِّص لهم من الغمة التى أرقتهم وهددت كيان الدولة المصرية، وكانت خطراً على هويتها التى تنفرد بها بين دول العالم، لذلك يتوقع المصريون منه الطموحات الكثيرة ويضعون على عاتقه الآمال العريضة لأن الشعب لا يرى غيره جديراً بهذه المسئولية، ولديه الاستعداد للتضحية. ألا يعلمون أن العسكرية أوامر تنفذ.. والسياسة تصطدم بالبيروقراطية والمؤامرات والخصوم؟ - هذا صحيح.. لذلك نقول عندما يتواجد «السيسى» فى الحكم بالطبع سيخلع بدلته العسكرية، لكن عليه أن يحذر من ارتداء «لباس» السياسيين إنما يكون مناضلاً لصالح وطنه. ولا يكون سياسياً لأنه يوجد فرق كبير بين السياسى الذى يضع عينه على الكرسى حتى لو كان ضد مصلحة شعبه، وبين المناضل الذى يضع عينه على الدولة حتى لو كان هذا ضد مصلحته الشخصية. لكن الكثيرين يظلمون الرجل عندما يضعون على عاتقه مسئولية تحقيق آمال الشعب المصرى؟ - نعم لأن البعض سيضع على أكتافه من الأمنيات والآمال ما لا يتحمله بشر، والبعض الآخر يرى أن المرحلة دقيقة وصعبة وخانقة وسوف يتعاونون معه للمرور من هذه المرحلة، لذلك توجد نصيحة إلى «السيسى» عليه الاستعانة بتجربة «عبدالناصر» عندما جاء إلى السلطة، ولكنه فى عام 1954 استعان بجميع الكفاءات المدنية وكان هذا عن طريق خطة للعمل يقوم «ناصر» بمتابعتها وتنفيذها بطريقة عسكرية، واستعان فى هذا بالدكتور عزيز صدقى وكان خريج جامعة هارفارد، والدكتور مصطفى خليل وكان خريج إحدى جامعات إنجلترا، وأيضاً على «السيسى» أن يكون مثل «عبدالناصر» فى عام 1956 وسيلتف حوله الشعب ويعرف أنه يحتاج المساندة والدعم حتى يحقق مطالبهم وأمانيهم.