لاشك أن الثورات وهي تزلزل عروش السلاطين تهز بشدة كل الثوابت الوهمية التي حاول ملوك الاستبداد زرعها والتأكيد على أنها من ضرورات الحياة في ظل نعيم الأباطرة وحكام الغدر والخيانة. لقد تصور نظام حكم الإخوان أن أمر تغيير الثوابت الوطنية المصرية وهويتها أمر ممكن عبر صناديق مدفوعة الأجر، وهو الأمر الذي لم يقبله شعبنا فخرج بالملايين الهادرة الرافضة بهتاف شهير «يسقط حكم المرشد». ولكنهم هم هم الإخوان اعتادوا العمل في الظلام حتى وهم على كراسي الحكم كانوا يدبرون المؤامرات الواحدة تلو الأخرى ضد الوطن لأنهم ببساطة لا يرونه وطناً لهم، بل هو الوكر الذي يجمعهم على موائد الشر والضغينة للتمدد إلى عالم وهمي لا وجود له إلا في عقول مرضى وهم العودة إلى زمن الخلافة. وعليه، جالسوا الأشرار كما جالسوا الأخيار وما زالوا.. ارتدوا كل الأقنعة وعلى كل لون يا أرخص قماش وما زالوا، ودخلت للأسف حيلهم على البعض منا، والبعض الانتهازي دخل قصر السلطان بعد أن ذهب للأمير على أعتاب فندق فرمونت ليعطيه براءة حكم الإخوان للبلاد، ولكن من دخلوا قصر السلطان بادروا عند استشعارهم سقوط أميرهم وحكمه وحزبه بتقديم استقالاتهم بأداء عنتري مضحك. لكن لأن الأمر في النهاية لا تصلح معه أمور التماهي والتقارب والتصالح مع من لم يقدموا عبر أكثر من 80 سنة أي موقف يمكن أن يذكر لهم في دنيا أصحاب القيم والمبادئ الإنسانية والوطنية، فأي حوار معهم هو حوار من طرف واحد لا يصلح معه الوقوف على مسافة واحدة بين النظام والمعارضة، بما يذكرني بمقولة دانتي الشهيرة في الكوميديا الإلهية: «أسوأ غرفة في الجحيم محجوزة لمن يبقون علي الحياد في وقت الأزمات الأخلاقية». نزل الإخوان من على كراسي الحكم بعد عام فضائحي يُعد النموذج الأكبر في تاريخ مصر للإدارة الفاشلة الانتهازية التائهة حتى أنها الأعظم في استدعاء خفة ظل المواطن المصري ليبدع فكاهة مُرة سوداء لم يسبق لها مثيل من حيث الكم أو الطرافة في اتجاه التأثير نحو الدفع لإحداث التغيير.. نعم سقط نظام الإخوان، وذهبت قياداتهم للمحاكمات وهرب منهم من هرب ولكنهم كانوا من الحرص على استدعاء رموزهم التاريخية ليقولوا لنا الجملة الشهيرة المتداولة الآن: «أنا مش إخوان بس اسمعوني»، والبعض منهم من يصورون أنفسهم حمائم الإخوان ليقولوا لنا جاهزين للتفاوض، وحول تفاوض أحد رموزهم اللي هم «إخوان بس مش إخوان» الدكتور أحمد كمال أبوالمجد ورمز الحمام الوديع قوي خالص القيادي الإخواني محمد علي بشر اقتطعت فقرة من خبر لتتأمله ملياً عزيزي القارئ. جاء في متن الخبر: أصدر الدكتور أحمد كمال أبوالمجد الفقيه الدستورى، بياناً توضيحياً، رداً على البيان الذى أصدره الدكتور محمد على بشر القيادى الإخوانى حول لقائهما الأخير، وأكد أبوالمجد، أنه فى انتظار رد رسمى لاستئناف حوار وطنى جاد لما يجب أن تلتزم به القوى الوطنية. وجاء نص البيان: «عقد اجتماع مضيق لمراجعة عناصر الموقف السياسى المترتب على صدور بيان من الدكتور محمد على بشر، أحد المنوط به التواصل عن جماعة الإخوان المسلمين حول الخطوة الأولى التى تمت على طريق محاولة فتح النفق المظلم الذى تمثل فى انقطاع أهم نقاط التواصل بين «سلطة الحكم» فى مصر، وتيار الإسلام السياسى الذى تمثله الجماعة المذكورة». والمعروف أن الأخ «بشر» رفض بكل ترفع المنتصر صاحب الحق كل ما جاء في مبادرة الأخ الأكبر د. أبوالمجد.. هكذا ببساطة يُهان وطن عظيم، ويتم الاستخفاف بشعب قام بأروع ثورة في تاريخه، وكأننا بتنا أمام وطن يواجه الأخ بشر وينتظر تفضله بالعطف لقبول المبادرة، ولا نسمع من الحكومة سوى تصريح ببلاوي مقتضب أنه لا يعرف شيئاً عن تلك المبادرة.. أترككم مع بعض تعليقات قراء الخبر. «لا تواصل مع الخوارج فقد استنفذوا كل الوسائل ويدفعون الآن بالإخوانى السابق أبوالمجد لإنقاذهم وإخراجهم من البير الذى وقعوا فيه». «هل تسطيع أن تجعل الذئب يأكل ساندوتش طعمية؟.. للأسف نبحث فى كيفية أن يجعل طائر النهضة يلد ولا يبيض». «بيغنوا ويردوا على بعض». مصر في سوق النخاسة: عجبت لأمر هؤلاء الفقهاء، وأمر الحكومة التي لا تستحق الحياة على تراب هذا الوطن المنكوب ببعض أبنائه، قرارات حل وحظر ومحاكمة جماعة محظورة وفي الوقت ذاته يلهث فقهاؤنا وراء هذه المحظورة التي ينعتونها بالإرهابية، يلهثون وراءها لتجلس معهم ويتفاوضوا معها، والمحظورة المحلولة الإرهابية تسوق الدلال والتمنع وكأنها المنتصر الذي يتفنن في إذلال المهزوم، ما هذا الذي يجري؟!