«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"القرضاوى" فقيه السلطة وتسويق مشروع الدوحة
نشر في الوفد يوم 18 - 10 - 2013

«كنت» أعتبر نفسى من دراويش الدكتور يوسف القرضاوي. ولم لا وقد كنت أتوق إلى كتبه منذ الصغر والتهمها التهاما، على نحو جعله يشكل جزءا كبيرا تكويني.
أذكر أننى فى مرحلة دراستى الثانوية منذ أكثر من 34 عاما كنت أسير على قدمى عدة كيلو مترات بين فترة وأخرى لعدم اعتياد ركوب المواصلات فى تلك الفترة المبكرة من العمر بمعايير السبعينات من منزلنا فى شبرا بالقاهرة إلى مكتبة وهبة التى تنشر كتبه بشارع الجمهورية فى عابدين لشراء كتاب جديد له. بمرور الوقت وجدت نفسى أتبنى آراءه فى «الحلول المستوردة وكيف جنت على أمتنا».
كنت أعتبر كتابه «الحلال والحرام فى الإسلام» بمثابة دستور يمكن أن يقتدى به المسلم فى حياته المعاصرة وأنه يمثل الرؤية الوسطية التى تعبر عن جوهر الإسلام. بهرتنى رؤيته حول الحركات الإسلامية فى تطورها المعاصر، التى قدمها فى «الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف».
نما لدى ذلك التأثر بالشيخ، كما لدى آخرين، بشكل طبيعى ولم يكن نتاج محفزات التطورات الحديثة التى رفعت الشيخ إلى مصاف العالمية، فحتى ذلك الوقت لم يكن نجم القرضاوى قد علا بشكل جعله، كما أصبح فيما بعد، وحسبما وصفته مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية، من أكبر ثمانى علماء ورجال دين تأثيرا فى العالم الإسلامي، إن لم يكن على رأسهم. غير أن موقفى كان ومازال فى النظر للشيخ أو لغيره ينطلق من مبدأ لا حياد عنه يتمثل فى أنه لا عصمة لأحد من الخلق بعد رسول الله وأن كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا الرسول صلى الله عليه وسلم مع كل التقدير لعالمنا الجليل سواء.. أصاب أم أخطأ.
على هذا النحو تعاملت مع فكر القرضاوى ووجدتنى أختلف معه وبشدة دفعتنى إلى كتابة السطور السابقة إثر الجدل الذى أثاره عام 2008 بشأن العلاقة مع الشيعة. وقتها ورغم تنزيهى للرجل من كل تهمة، إلا أننى كنت أشعر أن وراء الأكمة ما وراءها، واتجه تفكيرى إلى أن الرجل ربما يكون بدافع حسن النية أثار ما أثاره وتسبب فى ضجة كانت بمثابة مقدمة لتطورات يمكن معها القول إنها انتهت فى شكل ترويج الفتنة بين السنة والشيعة فى العالم الإسلامي.
غير أن تفسير ما قد يعتبر لغز مواقف القرضاوى الأخيرة والمفارقة لفكره وفقهه يتمثل فى الأزمة التى اتسمت بها علاقة الفقيه والمثقف بالسلطة سواء فى تاريخنا الإسلامى أم فى غيره وإن كانت تبقى واضحة لدينا بشكل جلي. ونشير هنا إلى أنه فى معرض المقارنة بين دور المثقف العربى المسلم مع نظيره فى المجتمعات الأخرى وخاصة الغربية تبدو المفارقة فى أنه إذا كان هذا الأخير يقود السلطة لتحقيق مشروعه الفكرى فإن الأمر قد يكون على العكس فى عالمنا الإسلامى حيث يتحول الأمر فى غالب الأحوال إلى تبعية المفكر والفقيه للسلطة ليلعب دورا تبريريا فى تسويق مشاريعها السياسية والسلطوية، ومن أسف أن القرضاوى لا ينفصل عن ذلك مع كل التقدير لإسهاماته الفكرية والفقهية التى تملأ فراغا من الصعب تجاهله فى حياتنا المعاصرة ومسعانا للتعامل مع العصر بالمواءمة بين الرؤى الإسلامية ومتطلبات الحداثة.
المفارقة الأخرى فى مسيرة القرضاوى التابعة للسلطة أنه لم يتبع السلطة الأم التى تمثل الدولة التى ينتمى إليها بجنسيته، وإنما يتبع سلطة أخرى هى دولة قطر التى عاش بها أغلب سنى عمره، فى تذكير لنا بالفقيه المعولم فى تاريخنا الإسلامى فى زمن لم تكن العولمة قد ظهرت فيه بعد على نحو ما نعيشه الآن، وإن كان الإنصاف يقتضى الإشارة إلى أن ذلك قد لا يكون سوى بولادة المشروع الطموح للأمير السابق حمد بن خليفة الذى أطاح بوالده من أجل تحقيقه وكان القرضاوي، بمصادفة وجوده فى قطر وتعاظم دوره وتأثيره، إحدى الأدوات التى جرى الاعتماد عليها فى تسويق وتحقيق هذا المشروع.
وحتى لا نوغل فى النظرية نشير إلى أن القرضاوى استطاع بذكاء السير على الخيط الرفيع الذى يفصل بين دوره كفقيه له باعه فى العالم الإسلامى وينطلق فيه من عمق رؤاه واجتهاداته ودوره فى التسويق للمشروع القطري، خلال السنوات الأولى من هذا المشروع والذى يمكن التأريخ له ببداية النصف الثانى من عقد التسعينات وبالتحديد مع تدشين قناة «الجزيرة».
وبدا الرجل فى ذلك فى حالة توحد مع هموم المسلمين وقضاياهم دون تنافر مع الدور المختلف الذى كانت تسعى السلطة الحاكمة فى قطر لقيامه به. وقد كان العامل الحاكم لانعدام هذا التنافر حالة الانسجام بين المشروع القطرى وما يجرى فى العالم الإسلامى الأمر الذى انعكس مثلا فى شعبية قناة الجزيرة، التى لا يمكن الحديث عن دور قطر منفصلا عنها، وتواصل ذلك إلى أن بدأت تلوح فى الأفق بوادر ما اعتبر موجة الربيع العربى ولعبت فيها قطر دورا مفصليا رغم محاولة تأكيد البعض قزميتها إن على مستوى عدد السكان أو مستوى المساحة بين دول الخليج العربي.
مع تلك اللحظة بدأت تظهر للقرضاوى وجوه أخرى غير ذلك الوجه الذى اعتاده منه المواطن العربى المسلم، وهو ما سنعرض له فى سطور قادمة. ورغم أننا لسنا من أنصار نظرية المؤامرة التى يستسهل العقل العربى اللجوء إليها فإننا فى الوقت نفسه لا ننكر أنها جزء من التاريخ وعلى ذلك نشير سريعا إلى أن هذا الربيع العربى قد يكون فى أحد أبعاده، وليس كلها بالطبع، صناعة غير عربية وإن كان من المبكر تقديم الدلائل على ذلك والتى لا شك ستتكشف بعد انتهاء تلك الموجة. وقد كانت قطر فى ذلك السياق، وفى منظور الولايات المتحدة، أداة لتطويع تلك الموجة لخدمة الأهداف الأمريكية، وبدوره كان القرضاوى أداة فى منظور السياسة القطرية الأمر الذى يمكن التيقن منه من خلال تحليل مواقفه المختلفة الخاصة بتطورات أحداث الربيع العربي. ومن الملاحظات التى يجدر الإشارة إليها فى هذا الخصوص هو أن مواقف الشيخ تجاه تلك الأحداث كادت أن تتطابق مع المواقف القطرية على نحو يؤكد فرضية التبعية حيث علت نبرته حين علت نبرة الدوحة، وخفضت حين خفضت، وبدت مراوغة حين بدا أن النظام القطرى لم يحدد موقفه.
وبعيدا عن الرؤى المتهافتة التى تحاول إلصاق كل نقيصة بكل ما هو إسلامي، والتى تمتلئ بها ساحات وفضاء الإعلام العربي، نشير إلى بعض مواقف القرضاوى التى تعزز هذا الطرح خاصة أنها تبدو على النقيض من المشروع الفكرى والفقهى له ذاته فى المرحلة «ما قبل الحمدية» – نسبة إلى الشيخ حمد بن خليفة ودوره فى تطويع القرضاوى وفكره.
القرضاوى وخريف القذافي
لقد لعب القرضاوى دورا كبيرا فى حالة الربيع العربى التى انتهت بما يمكن اعتباره خريف القذافى وسقوط حكمه. فقد كان للقرضاوى موقفا يتجاوز موقف المواطن العربى العادى مما يجرى فى ليبيا بدا خلاله منسجما مع الدور القطرى والغربى بشكل عام. ومن المعروف هنا أن قطر لعبت دورا استثنائيا فى إسقاط نظام العقيد الليبى الراحل معمر القذافى تجاوز الدعم المالى الى المشاركة العملية من خلال العمليات العسكرية ذاتها سواء بالجنود أم بالسلاح. ورغم أن إسقاط نظام القذافى كان حلما للكثيرين ممن يتوقون إلى الخروج العربى من نظم الحكم الديكتاتورية إلى مرحلة جديدة من الديمقراطية إلا أن القفز فى المجهول على نحو ما تم فى ليبيا مثل إجهاضا لذلك الحلم. وفى تقديرنا أن الأزمة الليبية كانت كاشفة بشأن تبعية مواقف القرضاوى والتى أظهرت حماسه العالى لتغيير الأنظمة العربية بشكل مبالغ فيه إلى الحد الذى راح معه يقول فى عبارة بدت غريبة للكثيرين فى سياق إفتائه بجواز تدخل الناتو هناك لضرب قوات القذافى إنه «لو كان محمدا – الرسول – حيا لقاتل فى صفوف الناتو، الأمر الذى دعا البعض لتوصيف الشيخ ب «مفتى الناتو».
القرضاوى والتدخل فى سوريا
واستمرارا لمواقفه التى تثير التساؤلات بشأن طبيعة دوره كان موقف القرضاوى من الأزمة السورية حيث راح يعلن تأييده أى ضربة عسكرية غربية لسوريا، وهو الموقف الذى جاء فى سياق حديث الولايات المتحدة وفرنسا عن اعتزامهما القيام بعمل عسكرى ضد نظام بشار الأسد بدعاوى مختلفة منها ما هو حقيقى ومنها ما يعكس أهدافا خاصة أمريكية بالأساس. وهو ما يؤكده حصاد الأزمة والتى تتمثل حتى لحظة كتابة هذه السطور فى نزع الأسلحة الكيماوية لدى النظام السورى الأمر الذى لم تكن لتحلم به إسرائيل وكان تحقيقه من خلال نزاع عسكرى يتطلب تضحيات كبرى أصبحت الدولة العبرية فى غنى عنها بفعل قيام واشنطن بهذا الدور وبشكل سلمى وتحت دعاوى أخرى لا تتعلق بالمخاوف الإسرائيلية من وجود مثل هذا السلاح لدى سوريا. وقد راح الشيخ يسوغ موقفه على خلفية دينية بإشارته إلى أن القوى الأجنبية أدوات سخرها الله للانتقام.
وليس من قبيل المبالغة أو تضخيم دور الدوحة الإشارة إلى أن قطر بذلت مساعى محمومة فى إطار الجهود الغربية لإسقاط نظام «بشار» وإن تركز على تقديم الدعم المالى والسلاح للمعارضة فقط على خلاف طبيعة المشاركة التى تمت فى الأزمة الليبية. ولعل تماهى مواقف القرضاوى مع مواقف السياسة القطرية يؤكد الشكوك التى يؤكدها البعض والتى تنطلق منها سطور هذه الدراسة بشأن تبعية الشيخ لرؤى الدوحة.
مصر.. القلب والأزمة
تبدو تحولات مواقف القرضاوى بشأن الأوضاع فى مصر فيما بعد 25 يناير واضحة خاصة فى ضوء أن الأزمة المصرية احتلت مساحة واسعة من اهتمامه لعدة أسباب على رأسها ضخامة الحدث المصرى وتداعياته بحكم محورية الدولة التى وقع بها، هذا فضلا بالطبع عن انتماء القرضاوى حيث ظلت مصر فى القلب.. قلبه هو أو قلب الأحداث بعد بدء موجة الربيع العربى رغم أنها انطلقت من تونس.
فى البداية بدا ظهور الشيخ على الساحة باعتباره سارق الأضواء الأمر الذى اعتبره البعض بمثابة تحويل لدفة الثورة فى وجهة غير وجهتها وصلت إلى حد تشبيه هذا البعض لخطبته للجمعة فى ميدان التحرير بالدور الذى لعبه الخمينى وهو تشبيه لا يحمل من الحقيقة سوى رمزيته.
وقد تميزت مواقف القرضاوى فى الفترة الأولى من الثورة بقدر كبير من الموضوعية والتوازن كان تركيزه خلالها على وحدة المصريين جميعا مسلمين ومسيحيين بكافة اتجاهاتهم السياسية والحزبية لبناء مصر واستعادة مكانتها على حد توصيفه. واتخذ القرضاوى مواقف إيجابية من تطورات الأحداث فى مصر فى تلك الفترة.
ورغم ما بدا من أن الثورة أعادت «القرضاوى» إلى مصر إلا أن تفعيل دوره جاء مع وصول الإخوان للحكم إثر نجاح الرئيس المعزول مرسى فى الانتخابات الرئاسية الأمر الذى بدا أنه صادف تأييدا قطريا. وقد تطورت مواقف القرضاوى بشأن الأوضاع المصرية إلى مستوى الأزمة بعد 30 يونية إلى الحد الذى وصل لحد دعوة البعض لسحب الجنسية المصرية منه ووضعه على قوائم ترقب الوصول على خلفية اتهامات عديدة رأوها تدعم مثل هذه المطالب. ويمكن القول إنه على خلفية تلك المواقف وفى ضوء حالة الاستقطاب بشأن تلك الأحداث فقد اختلط الحابل بالنابل بشأن مواقف القرضاوى وغلب على الكثير منها التحامل وافتقاد الموضوعية، رغم ما يمكن أن يرد من تحفظات وهو كثير على ما ذهب إليه القرضاوى فى تناوله لما جرى.
بعيدا عن تفاصيل هذه المعركة والتى قد تجرنا لما هو ليس فى صلب موضوعنا نشير إلى أن مواقف «القرضاوى» بصدد الأزمة المصرية كانت كاشفة بشأن حجم التنسيق الثلاثى الأبعاد الذى كانت السياسة القطرية فيه البعد الثانى فيما مثلت قناة الجزيرة مباشر مصر البعد الثالث وبدا وكأن مسجد عمر بن الخطاب ليس سوى مكان افتراضى فى الدوحة رغم موقعه الفعلى هناك، وأنه ليس سوى مسجد مصرى حيث كان «القرضاوى» يخاطب من خلاله المصريين وليس أحدا سواهم.
وإذا كان لا يخفى على أحد أن ما جرى فى مصر بعد 30 يونية- بغض النظر عن مساحة الاتفاق أو الاختلاف بشأنه وهذا أمر طبيعى - مثل انتكاسة للسياسة القطرية فقد بدا الأمر واضحا فى لغة القرضاوى ومواقفه بشكل يصعب إنكاره. ومن المتصور أن هذه الانتكاسة سيكون لها تأثيرها المستقبلى فى صياغة دور قطر من جديد بإعادة النظر فيه سواء من قبل قادتها أو من قبل القوى التى سعت لأن تلعب الدوحة دور الوكيل لها فى تنفيذ بعض المخططات بالمنطقة. لقد تحولت قطر إلى اتخاذ مواقف زاعقة تجاه مصر مثلت تحولا شاملا عما كانت عليه خلال حكم الرئيس مرسي، وكانت مواقف القرضاوى صدى لانزعاج الدوحة الأمر الذى انعكس فى مستوى لغة الشيخ، التى اتخذت نهجا تحريضيا يتجاوز أبسط القواعد التى أكد هو ضرورة التزامها لدى التعامل فى السياسة حين أشار ذات مرة إلى أن التعامل فى أمور السياسة ينبغى أن يكون له ضوابطه وأطره.
وعلى ذلك فقد بدا مستهجنا دعوة «القرضاوى» جنود الجيش والشرطة المصريين لرفض الأوامر مدعيا أنه حال التزام الجندى هذا السلوك فإن القرآن معه. وكان من المستهجن أن ينزل الشيخ إلى مستوى الحديث عن خراب نتج عما وصفه بحكم الانقلاب يتمثل فى ارتفاع سعر كيلو الطماطم إلى ثمانية جنيهات فى الوقت الذى لم يكن سعرها يتجاوز الجنيه ونصف. وكان من الهفوات التى خرجت من القرضاوى ادعاؤه أن الجيش الإسرائيلى أفضل من جيشنا المجرم.
ومع أنه لا يمكن إنكار حق القرضاوى أو غيره فى الاختلاف على تقييم ورؤية ما حدث فى 30 يونية ووصفه سواء بانقلاب أم ثورة وحقه فى نقد تطورات خارطة طريق المستقبل واتساع ما يراه مساحة الدور المنوط بالجيش، إلا أن هناك سقفاً من الوطنية لم يكن ينبغى له تجاوزه.
وإذا كنا لسنا فى معرض تعليم الشيخ معانى هذه الوطنية فإنه قد لا يختلف اثنان على أن الانجرار وراء بعض التصورات التى طرحها هو وبعض رموز التيار الإسلامى كان من الممكن أن تجر البلاد إلى سيناريو الحرب الأهلية على غرار ما جرى فى سوريا وهى نتيجة لم يكن بأى من الأحوال قبولها فى ضوء حقيقة أن طبيعة الصراع بين طرفى ما جرى فى 30 يونية لم يكن يتجاوز كونه صراعا سياسيا يجب أن يدار بآليات السياسة وليس الاحتكام إلى الاقتتال.
فضلا عما سبق فإن «القرضاوى» الذى انتفض ضد ما اعتبره انقلابا للجيش واستيلاء على السلطة من اول رئيس منتخب لم يتحرك لدى انقلاب الشيخ حمد بن خليفة على سلطة أبيه والاستيلاء عليها وهو ما كان يكشف أن الأمر لا ينطلق من المبدأ وإنما ينطلق من اعتبارات أخرى يكشف عنها وجود الشيخ فى قطر واستمراره حتى الآن.
وتبقى كلمة أخيرة.. فرغم الصورة السلبية التى تحول إليها وضع «القرضاوى» فى ذهن المواطن المصرى وقد يكون العربى والمسلم، فإن هذه الصورة لن تتجاوز سوى سطر أو سطور معدودة من كتاب حياته وفكره وفقهه. فما سيبقى من الشيخ هو ذلك الفكر والاجتهادات الفقهية ومنهجه فى التوصل إلى تلك الرؤى.. وذلك هو ما يكشف عنه مضمون الكتاب الذى نقدم ترجمته فى هذا الإصدار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.