أيهما أفضل الاستثمار في الذهب أم الشهادات؟.. خبير يوضح    تطورات سعر الريال اليوم في مصر.. "ضربة قاضية" لتجار العملة في السوق السوداء    توزيع 2 طن لحوم صكوك إطعام الأوقاف في كفر الشيخ    الاجتماع العربي الأوروبي لدعم فلسطين يؤكد حتمية وضع حد نهائي للأزمة الإنسانية في غزة    الجامعة العربية تشارك في حفل تنصيب رئيس جمهورية القمر المتحدة    من صغري بعشقه.. صورة إمام عاشور بقميص الأهلي في الطفولة تثير الجدل    وزير الشباب والرياضة يشهد مراسم توقيع عقد رعاية ل 4 من أبطال مصر لأولمبياد 2024 و2028    تاو بعد تتويج الأهلي بدوري الأبطال: «اخترت التاريخ»    «تعليم المنيا» تعلن موعد ورابط إعلان نتيجة الشهادة الإعدادية 2024    وزير الخارجية يشدد على ضرورة وقف اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين بالضفة    أغنية أفريقيا المحسومة ل هشام جمال ومسلم تحقق مليون مشاهدة    أفضل طرق التعبير عن حبك للطرف الآخر على حسب برجه الفلكي    تراجع إيرادات فيلم "Kingdom of the Planet of the Apes"    أمين الفتوى: الدعاء بالزواج من شخص محدد ليس حراما    هيئة الرقابة الصحية: يستفيد 4 ملايين مواطن من التأمين الصحي بمحافظات الدلتا    جامعة أسيوط تعلن رفع المقررات الدراسية للطلاب على منصة "Thinqi" بداية من العام الجديد    في ذكرى وفاتها.. تعرف على أعمال فايزة كمال    سلة الأهلي تخسر من أهلي بني غازي وتودع بطولة "BAL"    «التضامن» تفتتح معرض «ديارنا» بمحافظة المنيا    وزير الصحة يناقش مع نظيره الكوبي مستجدات التعاون في تصنيع الأدوية    أمينة الفتوى بدار الإفتاء: الحج فريضة لكن تجهيز بناتك للزواج مقدّم    عمرو دياب يرصد تطور شكل الموسيقى التي يقدمها في "جديد×جديد"    غرق شاب بشاطئ بورسعيد    وحدات السكان بشمال سيناء تعقد ندوات توعوية تحت مظلة مبادرة «تحدث معه»    وزير الأوقاف يلتقي بالأئمة والواعظات المرافقين لبعثة الحج    انطلاق الاختبارات الإلكترونية للفصل الدراسي الثاني بجامعة دمنهور.. صور    سيرين عبدالنور بعد التنمر على هيفاء وهبي: يوصلوا لربع جمالها وحلوة بكل أوقاتها    احصل عليها الآن.. رابط نتيجة الصف الرابع الابتدائي 2024 الترم الثاني في جميع المحافظات    باحثة: مصر استغلت ثقلها بالضغط على إسرائيل لإدخال المساعدات إلى غزة    دعوة للتمرد على قائد جيش الاحتلال الإسرائيلي.. ما علاقة نجل نتنياهو؟    الموعد والمكان المبدئي لمباراة الأهلي والزمالك بنهائي السوبر الإفريقي    العمل تنظم ندوة لنشر ثقافة السلامة والصحة المهنية في الإسكندرية    عميد الدراسات الأفريقية: "البريكس وأفريقيا" يبحث دور مصر المحوري في التكتل الدولي    المشدد 5 سنوات للمتهمين بالتعدي على عامل وإصابته بمصر القديمة    غدًا.. قافلة طبية لقرية شماس بسيدي براني    الأحوال المدنية تستخرج بطاقات الرقم القومي للمواطنين بمحل إقامتهم    ترحيل زوج المذيعة المتسبب فى مصرع جاره لأحد السجون بعد تأييد حبسه 6 أشهر    محطات مهمة بواقعة دهس عصام صاصا لعامل بسيارته بعد إحالته للجنايات    الرقابة المالية تصدر ضوابط عمل برنامج المستشار المالي الآلي للاستثمار    الرئيس التونسي يجري تعديلا وزاريا جزئيا    فرقة مكتبة دمنهور للتراث الشعبي تمثل محافظة البحيرة بمهرجان طبول الدولي    اعرف قبل الحج.. الركن الثاني الوقوف بعرفة: متى يبدأ والمستحب فعله    وزير الري: تحسين أداء منشآت الري في مصر من خلال تنفيذ برامج لتأهيلها    وداعًا للأخضر.. واتساب يتيح للمستخدمين تغيير لون الشات قريبًا    فرصة ذهبية لنجم برشلونة بعد رحيل تشافي    رئيس تايوان يدعو إلى تعزيز التفاهم والمصالحة مع الصين    وزير الأوقاف: التعامل مع الفضاء الإلكتروني بأدواته ضرورة ملحة ومصلحة معتبرة    وزير قطاع الأعمال يتابع تنفيذ اشتراطات التصنيع الجيد بشركة القاهرة للأدوية    «الإفتاء» توضح دعاء لبس الإحرام في الحج.. «اللهم إني نويت الحج»    الهجرة تستعرض أنشطتها خلال أسبوع| الموازنة العامة أمام "النواب".. والوزيرة تشارك بالملتقى الأول للشباب في الإسماعيلية    «المهندسين»: «مزاولة المهنة» تعقد اجتماعها الرابع لمناقشة اللائحة مع أعضاء 4 فرعيات (تفاصيل)    أستاذ علوم سياسية: مصر ملتزمة بإرسال المواد الإغاثية لغزة رغم معوقات الاحتلال    أستاذ الصحة العامة: 1.5 مليار شخص حول العالم يعانون من ضغط الدم    ضبط قضايا إتجار بالعملات الأجنبية بقيمة 8 ملايين جنيه خلال 24 ساعة    سعر الريال السعودى اليوم الأحد 26-5-2024 أمام الجنيه المصرى    أطول إجازة للموظفين.. تفاصيل إجازة عيد الأضحى المبارك    شاهد.. اعتداءات وأعمال شغب جماهير الترجي بعد الهزيمة أمام الأهلي    للقارة كبير واحد.. تركى آل الشيخ يحتفل بفوز الأهلى ببطولة أفريقيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"القرضاوى" فقيه السلطة وتسويق مشروع الدوحة
نشر في الوفد يوم 18 - 10 - 2013

«كنت» أعتبر نفسى من دراويش الدكتور يوسف القرضاوي. ولم لا وقد كنت أتوق إلى كتبه منذ الصغر والتهمها التهاما، على نحو جعله يشكل جزءا كبيرا تكويني.
أذكر أننى فى مرحلة دراستى الثانوية منذ أكثر من 34 عاما كنت أسير على قدمى عدة كيلو مترات بين فترة وأخرى لعدم اعتياد ركوب المواصلات فى تلك الفترة المبكرة من العمر بمعايير السبعينات من منزلنا فى شبرا بالقاهرة إلى مكتبة وهبة التى تنشر كتبه بشارع الجمهورية فى عابدين لشراء كتاب جديد له. بمرور الوقت وجدت نفسى أتبنى آراءه فى «الحلول المستوردة وكيف جنت على أمتنا».
كنت أعتبر كتابه «الحلال والحرام فى الإسلام» بمثابة دستور يمكن أن يقتدى به المسلم فى حياته المعاصرة وأنه يمثل الرؤية الوسطية التى تعبر عن جوهر الإسلام. بهرتنى رؤيته حول الحركات الإسلامية فى تطورها المعاصر، التى قدمها فى «الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف».
نما لدى ذلك التأثر بالشيخ، كما لدى آخرين، بشكل طبيعى ولم يكن نتاج محفزات التطورات الحديثة التى رفعت الشيخ إلى مصاف العالمية، فحتى ذلك الوقت لم يكن نجم القرضاوى قد علا بشكل جعله، كما أصبح فيما بعد، وحسبما وصفته مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية، من أكبر ثمانى علماء ورجال دين تأثيرا فى العالم الإسلامي، إن لم يكن على رأسهم. غير أن موقفى كان ومازال فى النظر للشيخ أو لغيره ينطلق من مبدأ لا حياد عنه يتمثل فى أنه لا عصمة لأحد من الخلق بعد رسول الله وأن كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا الرسول صلى الله عليه وسلم مع كل التقدير لعالمنا الجليل سواء.. أصاب أم أخطأ.
على هذا النحو تعاملت مع فكر القرضاوى ووجدتنى أختلف معه وبشدة دفعتنى إلى كتابة السطور السابقة إثر الجدل الذى أثاره عام 2008 بشأن العلاقة مع الشيعة. وقتها ورغم تنزيهى للرجل من كل تهمة، إلا أننى كنت أشعر أن وراء الأكمة ما وراءها، واتجه تفكيرى إلى أن الرجل ربما يكون بدافع حسن النية أثار ما أثاره وتسبب فى ضجة كانت بمثابة مقدمة لتطورات يمكن معها القول إنها انتهت فى شكل ترويج الفتنة بين السنة والشيعة فى العالم الإسلامي.
غير أن تفسير ما قد يعتبر لغز مواقف القرضاوى الأخيرة والمفارقة لفكره وفقهه يتمثل فى الأزمة التى اتسمت بها علاقة الفقيه والمثقف بالسلطة سواء فى تاريخنا الإسلامى أم فى غيره وإن كانت تبقى واضحة لدينا بشكل جلي. ونشير هنا إلى أنه فى معرض المقارنة بين دور المثقف العربى المسلم مع نظيره فى المجتمعات الأخرى وخاصة الغربية تبدو المفارقة فى أنه إذا كان هذا الأخير يقود السلطة لتحقيق مشروعه الفكرى فإن الأمر قد يكون على العكس فى عالمنا الإسلامى حيث يتحول الأمر فى غالب الأحوال إلى تبعية المفكر والفقيه للسلطة ليلعب دورا تبريريا فى تسويق مشاريعها السياسية والسلطوية، ومن أسف أن القرضاوى لا ينفصل عن ذلك مع كل التقدير لإسهاماته الفكرية والفقهية التى تملأ فراغا من الصعب تجاهله فى حياتنا المعاصرة ومسعانا للتعامل مع العصر بالمواءمة بين الرؤى الإسلامية ومتطلبات الحداثة.
المفارقة الأخرى فى مسيرة القرضاوى التابعة للسلطة أنه لم يتبع السلطة الأم التى تمثل الدولة التى ينتمى إليها بجنسيته، وإنما يتبع سلطة أخرى هى دولة قطر التى عاش بها أغلب سنى عمره، فى تذكير لنا بالفقيه المعولم فى تاريخنا الإسلامى فى زمن لم تكن العولمة قد ظهرت فيه بعد على نحو ما نعيشه الآن، وإن كان الإنصاف يقتضى الإشارة إلى أن ذلك قد لا يكون سوى بولادة المشروع الطموح للأمير السابق حمد بن خليفة الذى أطاح بوالده من أجل تحقيقه وكان القرضاوي، بمصادفة وجوده فى قطر وتعاظم دوره وتأثيره، إحدى الأدوات التى جرى الاعتماد عليها فى تسويق وتحقيق هذا المشروع.
وحتى لا نوغل فى النظرية نشير إلى أن القرضاوى استطاع بذكاء السير على الخيط الرفيع الذى يفصل بين دوره كفقيه له باعه فى العالم الإسلامى وينطلق فيه من عمق رؤاه واجتهاداته ودوره فى التسويق للمشروع القطري، خلال السنوات الأولى من هذا المشروع والذى يمكن التأريخ له ببداية النصف الثانى من عقد التسعينات وبالتحديد مع تدشين قناة «الجزيرة».
وبدا الرجل فى ذلك فى حالة توحد مع هموم المسلمين وقضاياهم دون تنافر مع الدور المختلف الذى كانت تسعى السلطة الحاكمة فى قطر لقيامه به. وقد كان العامل الحاكم لانعدام هذا التنافر حالة الانسجام بين المشروع القطرى وما يجرى فى العالم الإسلامى الأمر الذى انعكس مثلا فى شعبية قناة الجزيرة، التى لا يمكن الحديث عن دور قطر منفصلا عنها، وتواصل ذلك إلى أن بدأت تلوح فى الأفق بوادر ما اعتبر موجة الربيع العربى ولعبت فيها قطر دورا مفصليا رغم محاولة تأكيد البعض قزميتها إن على مستوى عدد السكان أو مستوى المساحة بين دول الخليج العربي.
مع تلك اللحظة بدأت تظهر للقرضاوى وجوه أخرى غير ذلك الوجه الذى اعتاده منه المواطن العربى المسلم، وهو ما سنعرض له فى سطور قادمة. ورغم أننا لسنا من أنصار نظرية المؤامرة التى يستسهل العقل العربى اللجوء إليها فإننا فى الوقت نفسه لا ننكر أنها جزء من التاريخ وعلى ذلك نشير سريعا إلى أن هذا الربيع العربى قد يكون فى أحد أبعاده، وليس كلها بالطبع، صناعة غير عربية وإن كان من المبكر تقديم الدلائل على ذلك والتى لا شك ستتكشف بعد انتهاء تلك الموجة. وقد كانت قطر فى ذلك السياق، وفى منظور الولايات المتحدة، أداة لتطويع تلك الموجة لخدمة الأهداف الأمريكية، وبدوره كان القرضاوى أداة فى منظور السياسة القطرية الأمر الذى يمكن التيقن منه من خلال تحليل مواقفه المختلفة الخاصة بتطورات أحداث الربيع العربي. ومن الملاحظات التى يجدر الإشارة إليها فى هذا الخصوص هو أن مواقف الشيخ تجاه تلك الأحداث كادت أن تتطابق مع المواقف القطرية على نحو يؤكد فرضية التبعية حيث علت نبرته حين علت نبرة الدوحة، وخفضت حين خفضت، وبدت مراوغة حين بدا أن النظام القطرى لم يحدد موقفه.
وبعيدا عن الرؤى المتهافتة التى تحاول إلصاق كل نقيصة بكل ما هو إسلامي، والتى تمتلئ بها ساحات وفضاء الإعلام العربي، نشير إلى بعض مواقف القرضاوى التى تعزز هذا الطرح خاصة أنها تبدو على النقيض من المشروع الفكرى والفقهى له ذاته فى المرحلة «ما قبل الحمدية» – نسبة إلى الشيخ حمد بن خليفة ودوره فى تطويع القرضاوى وفكره.
القرضاوى وخريف القذافي
لقد لعب القرضاوى دورا كبيرا فى حالة الربيع العربى التى انتهت بما يمكن اعتباره خريف القذافى وسقوط حكمه. فقد كان للقرضاوى موقفا يتجاوز موقف المواطن العربى العادى مما يجرى فى ليبيا بدا خلاله منسجما مع الدور القطرى والغربى بشكل عام. ومن المعروف هنا أن قطر لعبت دورا استثنائيا فى إسقاط نظام العقيد الليبى الراحل معمر القذافى تجاوز الدعم المالى الى المشاركة العملية من خلال العمليات العسكرية ذاتها سواء بالجنود أم بالسلاح. ورغم أن إسقاط نظام القذافى كان حلما للكثيرين ممن يتوقون إلى الخروج العربى من نظم الحكم الديكتاتورية إلى مرحلة جديدة من الديمقراطية إلا أن القفز فى المجهول على نحو ما تم فى ليبيا مثل إجهاضا لذلك الحلم. وفى تقديرنا أن الأزمة الليبية كانت كاشفة بشأن تبعية مواقف القرضاوى والتى أظهرت حماسه العالى لتغيير الأنظمة العربية بشكل مبالغ فيه إلى الحد الذى راح معه يقول فى عبارة بدت غريبة للكثيرين فى سياق إفتائه بجواز تدخل الناتو هناك لضرب قوات القذافى إنه «لو كان محمدا – الرسول – حيا لقاتل فى صفوف الناتو، الأمر الذى دعا البعض لتوصيف الشيخ ب «مفتى الناتو».
القرضاوى والتدخل فى سوريا
واستمرارا لمواقفه التى تثير التساؤلات بشأن طبيعة دوره كان موقف القرضاوى من الأزمة السورية حيث راح يعلن تأييده أى ضربة عسكرية غربية لسوريا، وهو الموقف الذى جاء فى سياق حديث الولايات المتحدة وفرنسا عن اعتزامهما القيام بعمل عسكرى ضد نظام بشار الأسد بدعاوى مختلفة منها ما هو حقيقى ومنها ما يعكس أهدافا خاصة أمريكية بالأساس. وهو ما يؤكده حصاد الأزمة والتى تتمثل حتى لحظة كتابة هذه السطور فى نزع الأسلحة الكيماوية لدى النظام السورى الأمر الذى لم تكن لتحلم به إسرائيل وكان تحقيقه من خلال نزاع عسكرى يتطلب تضحيات كبرى أصبحت الدولة العبرية فى غنى عنها بفعل قيام واشنطن بهذا الدور وبشكل سلمى وتحت دعاوى أخرى لا تتعلق بالمخاوف الإسرائيلية من وجود مثل هذا السلاح لدى سوريا. وقد راح الشيخ يسوغ موقفه على خلفية دينية بإشارته إلى أن القوى الأجنبية أدوات سخرها الله للانتقام.
وليس من قبيل المبالغة أو تضخيم دور الدوحة الإشارة إلى أن قطر بذلت مساعى محمومة فى إطار الجهود الغربية لإسقاط نظام «بشار» وإن تركز على تقديم الدعم المالى والسلاح للمعارضة فقط على خلاف طبيعة المشاركة التى تمت فى الأزمة الليبية. ولعل تماهى مواقف القرضاوى مع مواقف السياسة القطرية يؤكد الشكوك التى يؤكدها البعض والتى تنطلق منها سطور هذه الدراسة بشأن تبعية الشيخ لرؤى الدوحة.
مصر.. القلب والأزمة
تبدو تحولات مواقف القرضاوى بشأن الأوضاع فى مصر فيما بعد 25 يناير واضحة خاصة فى ضوء أن الأزمة المصرية احتلت مساحة واسعة من اهتمامه لعدة أسباب على رأسها ضخامة الحدث المصرى وتداعياته بحكم محورية الدولة التى وقع بها، هذا فضلا بالطبع عن انتماء القرضاوى حيث ظلت مصر فى القلب.. قلبه هو أو قلب الأحداث بعد بدء موجة الربيع العربى رغم أنها انطلقت من تونس.
فى البداية بدا ظهور الشيخ على الساحة باعتباره سارق الأضواء الأمر الذى اعتبره البعض بمثابة تحويل لدفة الثورة فى وجهة غير وجهتها وصلت إلى حد تشبيه هذا البعض لخطبته للجمعة فى ميدان التحرير بالدور الذى لعبه الخمينى وهو تشبيه لا يحمل من الحقيقة سوى رمزيته.
وقد تميزت مواقف القرضاوى فى الفترة الأولى من الثورة بقدر كبير من الموضوعية والتوازن كان تركيزه خلالها على وحدة المصريين جميعا مسلمين ومسيحيين بكافة اتجاهاتهم السياسية والحزبية لبناء مصر واستعادة مكانتها على حد توصيفه. واتخذ القرضاوى مواقف إيجابية من تطورات الأحداث فى مصر فى تلك الفترة.
ورغم ما بدا من أن الثورة أعادت «القرضاوى» إلى مصر إلا أن تفعيل دوره جاء مع وصول الإخوان للحكم إثر نجاح الرئيس المعزول مرسى فى الانتخابات الرئاسية الأمر الذى بدا أنه صادف تأييدا قطريا. وقد تطورت مواقف القرضاوى بشأن الأوضاع المصرية إلى مستوى الأزمة بعد 30 يونية إلى الحد الذى وصل لحد دعوة البعض لسحب الجنسية المصرية منه ووضعه على قوائم ترقب الوصول على خلفية اتهامات عديدة رأوها تدعم مثل هذه المطالب. ويمكن القول إنه على خلفية تلك المواقف وفى ضوء حالة الاستقطاب بشأن تلك الأحداث فقد اختلط الحابل بالنابل بشأن مواقف القرضاوى وغلب على الكثير منها التحامل وافتقاد الموضوعية، رغم ما يمكن أن يرد من تحفظات وهو كثير على ما ذهب إليه القرضاوى فى تناوله لما جرى.
بعيدا عن تفاصيل هذه المعركة والتى قد تجرنا لما هو ليس فى صلب موضوعنا نشير إلى أن مواقف «القرضاوى» بصدد الأزمة المصرية كانت كاشفة بشأن حجم التنسيق الثلاثى الأبعاد الذى كانت السياسة القطرية فيه البعد الثانى فيما مثلت قناة الجزيرة مباشر مصر البعد الثالث وبدا وكأن مسجد عمر بن الخطاب ليس سوى مكان افتراضى فى الدوحة رغم موقعه الفعلى هناك، وأنه ليس سوى مسجد مصرى حيث كان «القرضاوى» يخاطب من خلاله المصريين وليس أحدا سواهم.
وإذا كان لا يخفى على أحد أن ما جرى فى مصر بعد 30 يونية- بغض النظر عن مساحة الاتفاق أو الاختلاف بشأنه وهذا أمر طبيعى - مثل انتكاسة للسياسة القطرية فقد بدا الأمر واضحا فى لغة القرضاوى ومواقفه بشكل يصعب إنكاره. ومن المتصور أن هذه الانتكاسة سيكون لها تأثيرها المستقبلى فى صياغة دور قطر من جديد بإعادة النظر فيه سواء من قبل قادتها أو من قبل القوى التى سعت لأن تلعب الدوحة دور الوكيل لها فى تنفيذ بعض المخططات بالمنطقة. لقد تحولت قطر إلى اتخاذ مواقف زاعقة تجاه مصر مثلت تحولا شاملا عما كانت عليه خلال حكم الرئيس مرسي، وكانت مواقف القرضاوى صدى لانزعاج الدوحة الأمر الذى انعكس فى مستوى لغة الشيخ، التى اتخذت نهجا تحريضيا يتجاوز أبسط القواعد التى أكد هو ضرورة التزامها لدى التعامل فى السياسة حين أشار ذات مرة إلى أن التعامل فى أمور السياسة ينبغى أن يكون له ضوابطه وأطره.
وعلى ذلك فقد بدا مستهجنا دعوة «القرضاوى» جنود الجيش والشرطة المصريين لرفض الأوامر مدعيا أنه حال التزام الجندى هذا السلوك فإن القرآن معه. وكان من المستهجن أن ينزل الشيخ إلى مستوى الحديث عن خراب نتج عما وصفه بحكم الانقلاب يتمثل فى ارتفاع سعر كيلو الطماطم إلى ثمانية جنيهات فى الوقت الذى لم يكن سعرها يتجاوز الجنيه ونصف. وكان من الهفوات التى خرجت من القرضاوى ادعاؤه أن الجيش الإسرائيلى أفضل من جيشنا المجرم.
ومع أنه لا يمكن إنكار حق القرضاوى أو غيره فى الاختلاف على تقييم ورؤية ما حدث فى 30 يونية ووصفه سواء بانقلاب أم ثورة وحقه فى نقد تطورات خارطة طريق المستقبل واتساع ما يراه مساحة الدور المنوط بالجيش، إلا أن هناك سقفاً من الوطنية لم يكن ينبغى له تجاوزه.
وإذا كنا لسنا فى معرض تعليم الشيخ معانى هذه الوطنية فإنه قد لا يختلف اثنان على أن الانجرار وراء بعض التصورات التى طرحها هو وبعض رموز التيار الإسلامى كان من الممكن أن تجر البلاد إلى سيناريو الحرب الأهلية على غرار ما جرى فى سوريا وهى نتيجة لم يكن بأى من الأحوال قبولها فى ضوء حقيقة أن طبيعة الصراع بين طرفى ما جرى فى 30 يونية لم يكن يتجاوز كونه صراعا سياسيا يجب أن يدار بآليات السياسة وليس الاحتكام إلى الاقتتال.
فضلا عما سبق فإن «القرضاوى» الذى انتفض ضد ما اعتبره انقلابا للجيش واستيلاء على السلطة من اول رئيس منتخب لم يتحرك لدى انقلاب الشيخ حمد بن خليفة على سلطة أبيه والاستيلاء عليها وهو ما كان يكشف أن الأمر لا ينطلق من المبدأ وإنما ينطلق من اعتبارات أخرى يكشف عنها وجود الشيخ فى قطر واستمراره حتى الآن.
وتبقى كلمة أخيرة.. فرغم الصورة السلبية التى تحول إليها وضع «القرضاوى» فى ذهن المواطن المصرى وقد يكون العربى والمسلم، فإن هذه الصورة لن تتجاوز سوى سطر أو سطور معدودة من كتاب حياته وفكره وفقهه. فما سيبقى من الشيخ هو ذلك الفكر والاجتهادات الفقهية ومنهجه فى التوصل إلى تلك الرؤى.. وذلك هو ما يكشف عنه مضمون الكتاب الذى نقدم ترجمته فى هذا الإصدار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.