ميلاد موهبة فنية سينمائية جديدة ليس أمرا هينا.. إنه والحق يقال حدث فني يتوقف عنده صناع الأفلام فيحاولون توجيه خطي هذه الموهبة الجديدة وحمايتها من عوامل الانهيار والإفساد.. وهذا ما حدث عندما اكتشفت موهبة الممثلة الألمانية »مارلين ديترش« وذلك قبل أكثر من ثمانين عاماً. فأسندوا إليها الدور الرئيسي »لولا لولا« في فيلم »الملاك الأزرق« 1929 فأصبحت من بعده - هي وساقاها - مبعث الأساطير اختطفتها استوديوهات »باراماونت« بهوليوود حيث صعدوا بها إلي مصاف النجوم، تنافس ربات الجمال في مصنع الأحلام.. وعلي مر السنين تحولوا بها إلي ممثلة تسند إليها الأدوار في أفلام جادة مثل »محاكمات نورنبرج« و»شاهد للادعاء«.. ثم إلي داعية ضد النازية، في جبهات القتال أثناء الحرب العالمية الثانية ضد ألمانيا الهتلرية.. كل ذلك أقوله بمناسبة اكتشاف الموهبة النمساوية الفذة »كريستوف فالس« وإسناد أحد أهم الأدوار إليه في الرائعة الأمريكية »أنذال بلا أمجاد« 2009 تلك الرائعة التي مر عرضها عندنا في القاهرة مر الكرام. فبفضل أدائه الرائع فيها لدور الضابط النازي الفظ، غليظ القلب لفت إليه الأنظار فتوج بجائزة أوسكار أفضل ممثل مساعد، قبل عامين وبجوائز أخري من أكثر من مهرجان عالمي. ولم تمض سوي بضعة أشهر علي تقديره هذا، إلا وكانت استوديوهات فوكس قد أسندت إليه أحد الأدوار الرئيسية في فيلم »ماء للأفيال« الذي حقق نجاحاً كبيراً أينما عرض، فيما عدا عندنا، مثله في ذلك مثل »أندال بلا أمجاد«. ورغم أنه يشاركه في بطولة الفيلم نجمان »ريز ويذرسبون« السابق لها الفوز بجائزة أوسكار أفضل ممثلة رئيسية 2006.. و»روبرت باتينسون« الفتي الوسيم ساحر النساء في ملحمة مصاصي الدماء »الشفق«.. رغم ذلك كان حضوره طاغياً بهت إلي جانبه حضور كل من النجمة الفائزة بالأوسكار.. والنجم ساحر النساء. والفيلم مأخوذ عن قصة للأديبة الأمريكية »سارة جرووين« أحسن ترجمتها إلي لغة السينما المخرج »فرانسيس لورنس«، وزمان أحداثه، ثلاثينيات القرن الماضي وقت الأزمة الاقتصادية العالمية التي أتعست حياة الملايين في الولاياتالمتحدة وغيرها من أرجاء المعمورة.. أما مكانها فقطار يحمل سيركاً متنقلاً بشخوصه من الحيوانات وبني الإنسان.. صاحبه ومقدم العروض »أوجوست« ويؤدي دوره ببراعة »فالس« ونجمة السيرك الأولي »ماريلينا« وتؤدي دورها »ويذرسبون« وهي في نفس الوقت زوجة صاحب السيرك، الذي انتشلها من بئر الفقر والحرمان. ومع قفز »جاكوب« طالب الطب البيطري بجامعة كورنيل إلي إحدي عربات القطار بعد أن فقد والديه في حادث سيارة ويؤدي دوره »باتينسون« تأخذ الأحداث طابعاً درامياً فتتأزم الأمور بين الثلاثة »فالس« وزوجته »ماريلينا« و»جاكوب« الشاب الوسيم. ولن أحكي كيف ساءت الأمور بينهم إلي حد التأزم الذي لابد أن يؤدي في نهاية الأمر إلي مأساة، ولا الدور الذي لعبته أنثي الفيل »روزي« التي اشتراها »أوجوست« من سيرك مفلس، لتلعب عليها زوجته »ماريلينا« نمرتها بدلاً من الحصان الذي قتل برصاصة رحمة. لن أحكي شيئاً من هذا بالتفصيل فذلك شيء يطول مكتفياً بأن أقول: أولاً أن »روزي« نافست في أداء دورها علي أكمل وجه، أبطال الفيلم الثلاثة وكان لها القول الفصل في لقطات الختام.. ثانياً: إن الفيلم بعالم السيرك الذي صوره بحيواناته وأقزامه، ونمره الأخاذه، أحسن تصوير أعاد إلي شاشة ذاكرتنا روائع سينمائية مدارها ذلك العالم الفريد، من بينها أذكر علي سبيل التمثيل »السيرك« لصاحبه شارلي شابلن 1928 و»الطريق« لصاحبه فيدبريكو فيلليني 1945، ويكفي هذا للإشادة بفيلم خارج عن مألوف التهريج السائد في أفلام هذه الأيام!