الذئب لم يمكن أن يتحول أبداً إلي حمل حتي لو ارتدي كل فراء حملان الأرض، هكذا حال الوحوش الذين صنعهم ورباهم وعلمهم حبيب العادلي، وزير الداخلية الأسبق، داخل أقسام الشرطة ومقار مباحث أمن الدولة. فمن خالد سعيد قبل الثورة، إلي محمد سعيد بعد الثورة، يبقي الأسلوب واحد.. التجبر نفسه، التعالي نفسه، الطغيان نفسه، وبالطبع لا ينطبق ذلك علي كل ضباط الشرطة حتي لا يتهمنا أحد بأننا نساهم في توسيع الفجوة بين رجال الأمن والشعب. محمد سعيد »38 سنة«، قتيل الأزبكية الأسبوع الماضي، نسف كل الدعاوي التي تزعم بأن الشرطة تغيرت، عما كانت عليه في عهد »العادلي«، وكشف زيف شعار »الشرطة في خدمة الشعب«، وقدم دليلاً علي أن وحوش »العادلي« مازالت لها السطوة والسلطة في وزارة الداخلية. ومن يطالع تفاصيل ما جري مع قتيل الأزبكية محمد سعيد سيشعر بأنه قرأ هذه التفاصيل من قبل، وأنه عاشها من قبل بالسيناريو ذاته، وسيكتشف أن ما فعله وحوش »حبيب العادلي« مع خالد سعيد قتيل الإسكندرية وأيقونة ثورة 25 يناير هو نفسه ما فعله ضباط شرطة قسم الأزبكية. ففي يونيو 2010 أي قبل عام بالتمام والكمال مات الشاب خالد سعيد داخل أحد أقسام الشرطة وبسرعة البرق أصدرت الداخلية بياناً قالت فيه: إن قوة مباحث قسم سيدي جابر بالإسكندرية توجهت للقبض علي خالد سعيد لتنفيذ حكمين بالحبس صادرين ضده في قضية سرقات وأخري لحيازة سلاح أبيض، وعندما اقتربت منه أسرع خالد سعيد بابتلاع لفافة بانجو كانت بحوزته، مما ترتب عليه إصابته باختناق أسفر عن وفاته. هكذا قالوا عقب مقتل خالد سعيد، ولم يكتفوا بذلك، بل قالوا: إن أصدقاءه أكدوا الواقعة وجاء تقرير الطبيب الشرعي ليؤكد أن خالد سعيد مات متأثراً باسفكسيا الاختناق نتيجة لابتلاع لفافة بانجو!! وهكذا صور رجال حبيب العادلي الواقعة علي أنها انتحار مجرم، بينما كان للواقعة ذاتها رواية أخري تماما يؤكدها شهود عيان وجميعهم أكدوا أن رجال شرطة سريين اعتدوا بالضرب علي خالد سعيد فلما قتلوه، فتحوا فمه بالعافية ودسوا في جوفه لفافة بانجو، ليحولوا الواقعة إلي حادث انتحار. ووقتها قال مصدر أمني: إن كل ما يقال عن اعتداء الشرطة علي خالد سعيد ادعاء باطل، وحملات مغرضة هدفها النيل من رجال الشرطة الذين يمارسون دورهم بكل مثابرة ودأب والتزام بواجبهم بالإسهام في إنفاذ القانون، وحماية المصالح العامة والخاصة. وهكذا حول رجال حبيب العادلي الضحية إلي جان والقتيل إلي منتحر ولكن القدر كان له رأي آخر، إذ تحول خالد سعيد إلي شرارة غضب ظلت تكبر وتتسع حتي صارت أحد أهم أسباب اندلاع ثورة 25 يناير. وأطاح الثوار بحبيب العادلي وتحول من وزير داخلية إلي وزير أسبق ثم متهم ثم سجين واختفي العادلي خلف أسوار السجون والقضبان الحديدية. وتصور حسنو النية أن الأحوال ستتحسن في وزارة الداخلية وأن عهد التعذيب والقتل في وزارة الداخلية، قد انتهي إلي غير رجعة، وأن الوحوش التي ظل حبيب العادلي يربيها ويثمنها ويدافع عنها طوال عهده الممتد لأربعة عشر عاماً قد تكسرت مخالبها وتساقطت أنيابها ولكن ما حدث مع محمد سعيد قبل أيام أمام قسم شرطة الأزبكية أكد أن شيئاً في وزارة الداخلية لم يتغير، فبعد مقتل محمد أصدرت وزارة الداخلية بياناً قريب الشبه تماماً ببيان داخلية العادلي حول حادث مقتل خالد سعيد، قال بيان داخلية منصور عيسوي إن محمد كان يقود سيارة رحلات وتوقف بها في وسط الشارع مما تسبب في تعطيل حركة المرور ولما توجه مأمور القسم إلي سائق السيارة للتنبيه عليه بالالتزام بقواعد المرور والانصراف لتسيير الحركة المرورية رفض السائق وامتنع عن إبراز ترخيص السيارة أو النزول منها وتعدي علي مأمور القسم بالسب والضرب، مما أثار مشاعر المواطنين بتلك المنطقة فأنزلوا السائق بالقوة واعتدوا عليه بالضرب المبرح. ولم يكتف بيان الداخلية بذلك بل أضاف بالكشف الجنائي علي السائق تبين أن اسمه محمد صيام سعيد نصر، سائق ومقيم بالقليوبية، وسبق اتهامه في 8 قضايا آخرها القضية 20023 لسنة 2009 مركز شرطة قويسنا بالمنوفية. وواصل البيان أن تعدي المواطنين علي السائق تسبب في إصابته بسحجات وكدمات متفرقة بالجسم، وبعد القبض عليه وخلال اصطحابه للنيابة شعر بإعياء شديد فتم نقله لمستشفي الدمرداش وتوفي خلال محاولة إسعافه. وهكذا تحدثت وزارة الداخلية بنفس أسلوب وطريقة ولهجة داخلية »العادلي« فحولت القتيل إلي جاني وصورت الأمر علي أن محمد سعيد قتيل الأزبكية هو المخطئ، رغم أن زملاء محمد الذين كانوا معه في السيارة أكدوا أنه ضحية ولم يكن أبداً جانياً. وقال زملاء محمد: إن الواقعة بدأت في موقف سيارات رمسيس، حينما طلب مخبر شرطة رشوة مقابل السماح له بتحميل ركاب من ميدان رمسيس، فنشبت مشاجرة بينهما تدخل بعدها ضابط شرطة وقام بضرب محمد سعيد فما كان منه إلا أن رد الضربة للضابط وبعد ذلك قام بإيقاف سيارته أمام أحد الأفران ودخل علي قدميه إلي قسم الأزبكية فتم احتجازه داخل القسم واعتدي عليه رجال الشرطة بالعصيان الكهربائية ولم يتركوه إلا بعد أن لقي مصرعه. والخطير أن بعض شهود الحادث أكدوا أن محمد سعيد تعرض للضرب علي يد رجال الشرطة داخل قسم الأزبكية وتعرض أيضاً للضرب خارج القسم علي يد مسجلين خطر يستعين بهم رجال الشرطة ليمارسوا الاعتداء علي المواطنين بدلاً من الشرطة، لإرهاب المواطنين بشكل لا تقع مسئوليته علي رجال الشرطة وليبدو الأمر في النهاية وكأن الجماهير هي التي تدافع عن الشرطة وتقتل من يعتدي عليها. وهذا كله معناه أن داخلية عيسوي لا تختلف عن داخلية العادلي وأن الوحوش الذي رباهم حبيب العادلي في أقسام الشرطة مازالت تمارس قتل وتعذيب المصريين، وكأن الثورة والثوار ودماء الشهداء ذهبت سدي.