التجارب الفريدة في حياتنا – إن وجدت- ليست كثيرة، وما تفعله بالواحد منا يجعلنا نتذكرها دائماً، ويجعلنا نعود إليها حين تضيق بنا الحياة، ففي لحظات الحزن والألم لابد لنا من العودة لصندوق الذكريات؛ نسترجع منه ذكرى حلوة تركت فينا أثراً طيباً، ونسترجع منه ما يقودنا إلى حياة أفضل وأروع. ومن التجارب المدهشة التي مررت بها من أيام قليلة تجربة تأمل حركي Dynamic Meditation ، وتسلق أحد تلال محمية وادي دجلة، (القريبة من حي المعادي). يومها سرنا لما يقرب من عشرة كيلو مترات وتسلقنا تلاً يقترب ارتفاعه من 300 متر! ويا لها من تجربة مبهرة! فقبل هذه المغامرة بنصف ساعة فقط لم أكن أعلم، بل لم أكن أتصور أنه يمكننى أن أقوم بهذا ! فالتل الذي تسلقناه يفوق ارتفاعه برج القاهرة بأكثر من مائة متر ! (يبلغ ارتفاع برج القاهرة 187 متراً)، ويفوق ارتفاعه الهرم الأكبر بحوالى 150 متراً (ارتفاع الهرم الأكبر حوالى 147 متراً)! أما السير لمسافة 10 كيلو مترات فيعني السير من بداية شارع الهرم وحتى أول المنيل ! والأرقام والمقارنات هنا ليست هي المعنية في حد ذاتها، لكن المعني حقا ما تحمله من معاني ودلائل، فكأنني أكتسب الثقة بنفسي من جديد، وكأنني أعرف الصبر لأول مرة، وكأننى أتعلم قوة التحمل التي لم أعرفها من قبل. وليس هذا فحسب هو الجديد والرائع فى التجربة، بل الأمر أكبر وأروع من هذا بكثير، فالتأمل Meditation" " في حد ذاته يساعد على التركيز، وما يتبعه هذا من سيطرة على الأفكار، خاصة السلبية منها، والمشاعر، والانفعالات، وما يتبعه من قدرة كبيرة على تنظيم طاقتنا الداخلية، ومهام حياتنا اليومية، وأولويات سلوكنا وأفعالنا، ويخلق حالة من الانتعاش والاقبال على الحياة والتفاؤل، ويكسب حالة فريدة من السلام الداخلي، نحتاجها جميعاً في ظل حياة تملؤها التوترات والصراعات والمشاكل. وكنت قد جربت التأمل في حديقة الأزهر مرتين من قبل مع نفس المدرب محمد عيسى, مهندس كمبيوتر، (يمارس التأمل منذ 17 عاماً ويحترف تدريبه منذ 3 سنوات ويمثل مصر فى اليوم العالمي للتأمل)، وكان التأمل وسط الخضرة وبجوار البحيرة الصناعية بالحديقة رائعاً لكن خبرته في "وادي دجلة" كان أكثر إبهاراً وروعة، ربما لما تفعله الطبيعة الصحراوية في العقل والروح والجسد، ربما لقوة الشمس وسحرها، أو ربما لطبيعتي الشخصية، فكل ما حصلت عليه من التأمل يتعلق بي أنا، ربما تحصل أنت على أشياء ومعان وفوائد مختلفة عني، وربما تكون فوائد أكبر بكثير، فحسب طبيعتك وتكوين شخصيتك يكون التأثير، وكلما كنت تتفاعل مع الكون وطاقته حصلت على فوائد عظيمة. أشعرتني تجربة وادى دجلة بالتميز والتفوق، وأننى أستطيع أن أفعل الكثير مما لم يكن يخطر لي ببال، اكتشفت أن حدود قدرتي تتجاوز تفكيرى وخيالى – وأنت حتماً كذلك.. عليك فقط أن تجرب- وفجرت بداخلي ثقتي في قدرتى على إنجاز أعمال شاقة كنت أعتقد مسبقاً أننى لن أتمكن من إنجازها، وكم أحتاج هذه الثقة ! بل نحتاجها جميعاً لإنجاز العديد والعظيم من أعمالنا. أما حالة الصفاء الروحي والوجداني التي وصلت لها فهي حالة غير مسبوقة أشعرتني بخفة وكأننى أحلق في السماء بعيدا عن الأرض، حالة اقتراب رائعة من السماء ومن الله، وما يلازمها من رضا بأي شيء مهما كان محزناً أو مؤلماً، وما يلازمها من عدم قلق أو توتر مهما كان السبب، وحالة حب للكون وللطبيعة ولكل الموجودات، وهي حالة أصبحنا لا نصل لها كثيراً للأسف في ظل حياتنا المادية المليئة بالقيود الأرضية الخانقة . وأكسبتني التجربة طاقة عظيمة، أشعر بها بداخلي، طاقة رائعة تساعدنى على إنجاز مهام يومي بسلاسة شديدة. إن تجربة التأمل تجربة تستحق أن نعيشها جميعاً؛ لنجني ثمارها العظيمة؛ ولنستفيد من كل ما تمنحه إيانا من سعادة وتميز وتفوق، نبحث عنه دائماً؛ ولنصل لأشياء ومعانٍ كنا نظنها ....أبعد من الخيال.