في كتابه "رئيس الفرص الضائعة: مرسي بين مصر والجماعة"، الصادر قبل أيام، يقدم الكاتب الصحفي د. ياسر ثابت قراءة موثقة وتفاصيل مهمة عن تجربة حُكم جماعة الإخوان المحظورة، والأحداث التي وقعت خلال تلك الشهور المفصلية من تاريخنا الحديث. ولعل أهم ما في الكتاب الصادر حديثًا عن دار اكتب أنه يعتمد منهج الدراسة والرصد بأسلوب توثيقي، لإبراز أوجه الإخفاق والقصور في تجربة حكم الرئيس المعزول محمد مرسي، وتوضيح أسباب الغضب الشعبي المتصاعد ضد الرجل الذي بدا منحازًا بشكل سافر لتوجهات جماعته قبل مصالح شعبه ووطنه. يقول المؤلف: لم يبحث مرسي عن شركاء فعليين ولم يسعفه فكر الجماعة الإقصائي في العثور عليهم. بدا كمن يرقص وحيدًا ويجازف في تعامله مع الملفات من الدستور إلى القضاء إلى العلاقة مع المؤسسة العسكرية. أسلوب المجازفة هذا تميز أيضًا بضياع البوصلة وتردي الأداء وغياب التصور والكوادر القادرة على تحمل أعباء المسؤولية بكفاءة واقتدار. ويضيف قائلاً: في الوقت الذي كان من المفترض فيه أن يؤدي الدمج الكلي لجماعة الإخوان في العملية السياسية إلى تبني خطاب توافقي وسياسات لينة تجاه القوى الأخرى، فإننا لمسنا ميلاً لدى الجماعة لتبني مواقف شديدة المحافظة والانغلاق لا تناسب الحالة الثورية التي مرت بها مصر منذ اندلاع ثورة 25 يناير. وبدلاً من أن تتبنى الجماعة وممثلها في السلطة محمد مرسي أجندة سياسية ثورية وخطابًا أيديولوجيًا ودينيًا تقدميًا، فوجئ كثيرون بأن الجماعة إما مترددة في هدم بنية الاستبداد والفساد التي كانت سببًا رئيسيًا لقيام الثورة وإما تحاول إعادة استنساخ النظام القديم وإن بشكل ديمقراطي من أجل الاحتفاظ بالسلطة. نسيت الجماعة أن مكافحة الفساد تبدأ من استقامة القصد، ونزاهة الأداء، والعدالة التي لا تجامل، والترفع عن خدمة السلطان. في فصل بعنوان "حروب الدستور"، نطالع استقراء متأنيًا لمعركة إصدار دستور إقصائي لا يتبنى مفهوم التوافق المجتمعي في عام 2012. يقول المؤلف: أشاعت الجماعة ثقافة كروية في مواجهة الأحكام القضائية والمعارك الدستورية، فسنت سنة غير حسنة، حوَّلت أنصارها والمتعاطفين معها إلى مجرد مشجعي كرة مهووسين. يحتسب الحكم الكرة لصالح فريقهم فيهللون فرحًا وإشادة بالتحكيم العادل. ويحتسب الحكم الكرة لصالح الفريق الخصم، فتنهال الشتائم والاتهامات على الحكم من أول وصفه بالظلم، وحتى اتهامه بتلقي الرشى والانحياز الكروي. هكذا خاض المصريون في عهد الإخوان معارك قضائية ودستورية لا لزوم لها، كان الخاسر الأكبر فيها هو المواطن نفسه، الذي تقاذفه الخصوم مثل كرة حائرة في ملعب السياسة. لم يصمد دستور الإخوان وحلفائهم أكثر من سبعة شهور، ليسقط بعدها إثر ثورة شعبية شارك فيها نحو 33 مليون مواطن هتفوا برحيل مرسي، ومعه جماعته.. ودستورهم الذي وضع الفصيل قبل الوطن، والجماعة قبل الإجماع. وفي فصول لاحقة نجد المزيد من التحليل لعهد مرسي، ففي فصل "ما يريده الجيش" يتناول الكاتب العلاقة المتوترة بين الجماعة والمؤسسة العسكرية خلال العام المذكور، وفي "معركة الفضائيات" نجده يرصد مطاردة الجماعة للعاملين في حقل الإعلام بطرقٍ مختلفة، أما في "دواء أخطر من الداء" فإننا نطالع صورة لأعمال العنف التي تورط فيها أنصار الإخوان ضد معارضيهم. وفي فصل بعنوان "كل وقت وله أذان"، يقول د. ياسر ثابت إن جلوس مرسي على كرسي الرئاسة جعله يبدأ مرحلة جديدة من تناقضات الخطاب. فبعد أن كان يمتدح قيادات الحزب الوطني الحاكم سابقًا ويصفهم بالرموز الوطنية، تحوَّلوا في خطاب 26 يونيو 2013 إلى مجرمين. وبعد إتاحة الوقت له في الفضائيات أثناء ترشحه للرئاسة، عاد واتهم هذه القنوات باستهداف النظام وأن أصحابها متهربون من الضرائب، وهاجم حسن عبدالرحمن، رئيس جهاز أمن الدولة السابق، رغم أنه أكد أن لديهم كجماعة الإخوان قبل الثورة تفاهمات مع الأمن. وعبر سطور الكتاب، نطالع كيف أدار مرسي ظهره لوعودٍ أبرمها مع القوى الوطنية التي ساندته حتى انتُخِبَ رئيسًا لمصر، واختار تمرير أجندة الجماعة على حساب مصلحة مصر العليا، وواصل بأخطائه الجسيمة حفر فجوة عميقة بينه وبين عامة المواطنين، مرة تلو الأخرى، حتى استنفد مرات الرسوب. في فترة زمنية قصيرة، أهدر مرسي الفرصة التاريخية التي أتيحت له ولجماعته للمشاركة في حُكم مصر بجبهة وطنية عريضة تعمل على إعادة مصر إلى موقعها الطبيعي في قيادة أمتها العربية وفي دورها الريادي الذي تستحقه في محيطها. توهم قادة جماعة الإخوان المسلمين بعد وصولهم إلى السلطة بمصادفةٍ قدرية أن مصر دانت لهم، ونسوا أن صندوق الانتخابات ليس المنتهى في الديمقراطية، وأنه ليس أكثر من فاتحة تتلوها أفعال كثيرة أهم بكثير من الأصوات التي تم حصدها. هكذا رأينا منهم الصلف والتعالي والإقصاء، بل وازدراء الآخرين، والكذب والمراوغة والإنكار، ووجدناهم يستقوون على شعبهم بقوى التعصب من الظلاميين الجدد، فإذا بهم يُكفّرون معارضيهم ويُلوثون سمعتهم، ويحنثون بالقسم ويخلفون الوعد والعهد، حتى تصدى لهم الشعب الذي ظل - رغم كل شيء- على حيويته وجرأته وكبريائه. يذكر أن د. ياسر ثابت له عدة مؤلفات، منها "حروب العشيرة: مرسي في شهور الريبة"، و"قصة الثروة في مصر"، "شهقة اليائسين: الانتحار في العالم العربي"، و"دولة الألتراس: أسفار الثورة والمذبحة".