تنمية شاملة بعد عقود من الإهمال| مشروعات زراعية وصناعية وبنى تحتية فى كل شبر من أرض الفيروز    تحرير سيناء.. «قصة كفاح نحو البناء والتنمية» ندوة بمجمع إعلام قنا    سيناء من التحرير للتعمير    مجلس الوزراء يوافق على 11 قرار جديد.. تعرف عليهم    برلماني: سيناء تشهد نهضة غير مسبوقة في كل المجالات    بتخفيضات 30%.. الكاتدرائية المرقسية تستضيف مبادرة «خير مزارعنا لأهالينا»    عاجل.. تنبيه مهم من البنوك لملايين العملاء بشأن الخدمات المصرفية    وزير الاتصالات: مصر تطرح رؤيتها المرتبطة بالذكاء الاصطناعي في المحافل الدولية    «شهادات الموت والرعب والأمل».. أهل غزة يصفون 200 يوم من الحرب | خاص    جمعة فى مؤتمر رابطة العالم الإسلامى بالرياض: نرفض أى محاولة لتهجير الشعب الفلسطينى وتصفية قضيته    السيسى يحذر من أى عمليات عسكرية فى رفح الفلسطينية    سفير الصين: العلاقات مع مصر في أفضل حالاتها.. وتجمعنا طموحات مشتركة    تعرف علي عدد الأندية المصرية الموقوف قيدها حاليًا بفرمان من «فيفا».. مستند    تشكيل البنك الأهلى لمواجهة بيراميدز    رياضة الوادى الجديد تختتم فعاليات الحوار المجتمعي «دوي» وإعلان المبادرات الفائزة ببرنامج نتشارك    تريزيجيه ينافس مبابي ووالكر في قائمة مميزة حول العالم    بالصور| السيطرة على حريق اندلع داخل مصنع للمسبوكات بالوراق    مهرجان الإسكندرية السينمائي يكرم الناقد العراقي مهدي عباس    تعرف على إجمالي إيرادات فيلم "شقو"    عناوين مكاتب تطعيمات الحج والعمرة بمحافظة كفر الشيخ ومواعيد العمل    عاجل من الصحة بشأن منع هذه الفئات من الخروج في الموجة الحارة (فيديو)    فوز مصر بعضوية مجلس إدارة وكالة الدواء الأفريقية    قريبا.. مباريات الدوري الإسباني ستقام في أمريكا    طلاب كولومبيا: لن ندخل في مفاوضات مع إدارة الجامعة    10 توصيات لأول مؤتمر عن الذكاء الاصطناعي وانتهاك الملكية الفكرية لوزارة العدل    حجز قضية مصرع شاب على يد 6 أشخاص في المنصورة للنطق بالحكم (فيديو)    العروسة في العناية بفستان الفرح وصاحبتها ماتت.. ماذا جرى في زفة ديبي بكفر الشيخ؟    هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية: تلقينا بلاغ عن وقوع انفجار جنوب شرق جيبوتي    رئيس جامعة جنوب الوادي يكرم الوفود المشاركة بالملتقى الفني 21 لشباب الجامعات    الصحفيين والمهن التمثيلية تعقدان اجتماعا مشتركا لوضع ضوابط تغطية جنازات الفنانين    عيد الربيع .. هاني شاكر يحيى حفلا غنائيا في الأوبرا    توقعات برج الثور في الأسبوع الأخير من إبريل: «مصدر دخل جديد و ارتباط بشخص يُكمل شخصيتك»    عزف على أوتار الفقد    حكم الاحتفال بشم النسيم.. الإفتاء تجيب    هل هناك أذكار وأدعية تقال في الحر الشديد؟.. رد واضح من الإفتاء    إجازة شم النسيم 2024.. موعدها وعدد أيامها بعد قرار مجلس الوزراء بترحيل الإجازات    زيادة وتيرة حرب أسعار السيارات الكهربائية في الصين    أوراسكوم للتنمية تطلق تقرير الاستدامة البيئية والمجتمعية وحوكمة الشركات    محافظ المنيا: تقديم كافة الدعم للأشقاء الفلسطينيين بالمستشفى الجامعي لحين تماثلهم للشفاء    خدماتها مجانية.. تدشين عيادات تحضيرية لزراعة الكبد ب«المستشفيات التعليمية»    حزب الحركة الوطنية يناقش خطة عمل المرحلة المقبلة والاستعداد لانتخابات المحليات    مديريات تعليمية تعلن ضوابط تأمين امتحانات نهاية العام    روسيا تبحث إنشاء موانئ في مصر والجزائر ودول إفريقية أخرى    تأجيل محاكمة 4 متهمين بقتل طبيب التجمع الخامس لسرقته    تفاصيل مؤتمر بصيرة حول الأعراف الاجتماعية المؤثرة على التمكين الاقتصادي للمرأة (صور)    حقيقة حديث "الجنة تحت أقدام الأمهات" في الإسلام    مهرجان الإسكندرية السينمائي يكرم العراقي مهدي عباس    دماء على «فرشة خضار».. طعنة في القلب تطيح بعشرة السنين في شبين القناطر    وكالة الفضاء المأهول الصينية تحدد يوم غد موعدا لاطلاق سفينة الفضاء المأهولة شنتشو-18    هل يجوز أداء صلاة الحاجة لقضاء أكثر من مصلحة؟ تعرف على الدعاء الصحيح    نقيب «أسنان القاهرة» : تقديم خدمات نوعية لأعضاء النقابة تيسيرا لهم    الاتحاد الأوروبي يطالب بتحقيق مستقل بشأن المقابر الجماعية في غزة    عمرو الحلواني: مانويل جوزيه أكثر مدرب مؤثر في حياتي    القبض على 5 عصابات سرقة في القاهرة    اسكواش - فرج: اسألوا كريم درويش عن سر التأهل ل 10 نهائيات.. ومواجهة الشوربجي كابوس    الحج في الإسلام: شروطه وحكمه ومقاصده    بشير التابعي: أتوقع تواجد شيكابالا وزيزو في التشكيل الأساسي للزمالك أمام دريمز    دعاء العواصف والرياح.. الأزهر الشريف ينشر الكلمات المستحبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نشرتها جريدة الرأي الكويتية...
مقتطفات من مذكرات «مبارك» من«1967-1973»
نشر في الوفد يوم 28 - 00 - 2013

تواصل صحيفة الرأي الكويتية نشر مذكرات المخلوع محمد حسني مبارك «كلمة السر، مذكرات محمد حسني مبارك يونيه 1967 - أكتوبر 1973»، التي سجلها وكتبها محمد الشناوي، وحررها وقدمها عبدالله كمال .. ويشير المخلوع في مقدمة الكتاب بخط يده الى ان حرب أكتوبر 1973 كانت محكا للتجربة ومحكا للقدرة... على التخطيط... وعلى القتال.. ويقول كتب الله لنا النصر من عنده... وسجلناه بدمائنا... وأرواحنا.
ويعلق على دور القوات الجوية في هذه الحرب ويقول انه كان بارزا، فلعبت أروع أدوارها على التاريخ كله، وضرب طياروها وضباطها وجنودها وكل رجالها أروع الأمثلة في التضحية والبطولة والفداء ويتطرق الى الخامس من يونيو ويقول ان هذا اليوم الأشد حزنا في مراحل حياته حيث وقعت أعظم هزائمه الوطنية والشخصية، ويقول فقدت سلاحي أمام عيني، وخسرت بلادي سلاحها الجوي ومُنيت بهزيمة عسكرية كبرى.. في هذا اليوم أيضا تحقق أهم مكاسبنا وواحد من أكبر انتصاراتنا على أنفسنا.
ويتذكر يوم 5 يونيو العام 1967 وفي الساعة السادسة من صباح الإثنين الذي سمي «يوم الإثنين الحزين وبالتحديد في قاعدة بني سويف الجوية. التي كانت مقر لواء القاذفات الثقيلة المكونة من طائرات «ت ي 16» .
ويصف مبارك تلك الليلة ويقول بعد ليلة من النوم المتقطع، هاجمني خلالها أرق غريب، لم أدرك سببه على وجه التحديد. لقد أرجعت هذا الأرق إلى إحساس بتوتر الموقف العسكري بيننا وبين العدو، وما قد يؤدي إليه من تتابعات محتملة. كنت أشك أننا حسبنا بدقة ما سوف يُؤمن قواتنا المسلحة عمومًا، وقواتنا الجوية بالذات إذا ما وقعت مفاجأة مؤسفة. لقد تحول هذا الشك فيما بعد إلى يقين، أيدته الأحداث والوقائع.
ويستطرد قائلا أذكر، بينما أستعيد شريط الأحداث التي عبرتها في تلك الفترة المؤلمة: أنني أمضيت على سبيل المثال، ستة أشهر كاملة في بدء تشكيل اللواء وإعداده لا أغادر مقر قيادتي على الإطلاق، ولا أذهب إلى بيتي ولو لحظات عابرة.. وكنت أقضي ساعات النهار، وجزءًا كبيرًا من الليل، في عمل متواصل، لا أسمح خلاله لنفسي إلا بوقت محدود من النوم الخاطف، الذي يهيئ لي متابعة العمل من جديد.
ويشكو قائلا رغم هذا الجهد المتواصل فإنني كنت أفاجأ مع بالغ أسفي بأن الشِّلل التي تحاصرني في كل مكان أتواجد فيه، كانت تنتهز أي فرصة يتصورون خلالها بأنني غفلت لحظة واحدة عن ألاعيبهم المعرقلة.
ويشير الى حرصه على مصاحبة الطيارين في طلعات التدريب العادية. ويتذكر استقباله لخمسة من طياري القاعدة في بني سويف جاؤوا يعلنون رغبتهم في الطيران، لأنه مضى عليهم وقت طويل لم يطيروا. واستجابته لهم ووعده بالاشتراك معهم، وتحدد بالفعل الساعة 9.05 «التاسعة وخمس دقائق» من صباح الاثنين 5 يونيو موعد الطلعة التدريبية المرتقبة.
حيث كان كل شيء يبدو هادئًا وعاديًا في هذا اليوم. ولم يلح في الأفق العسكري على الأقل ما ينذر، أو يشير مجرد إشارة إلى احتمال وقوع الكارثة أو ما هو قريب منها... ويستطرد قائلا.. أقلعت الطائرة الأولى في الموعد المحدد تمامًا ودون تأخير أو تقديم، ثانية واحدة وفي الساعة 9.15 كنا نصعد بطائراتنا الخمس، فوق سحاب منخفض لم يتجاوز ارتفاعه ثلاثمئة متر.. بعد خمس دقائق اهتزت أجهزة اللاسلكي في طائرتي، بخبر وقع عليّ كالصاعقة. تم إبلاغي بأن القاعدة الجوية التي أقلعت منها منذ لحظات قد هوجمت. فعلتها إسرائيل إذن. قاعدتي الجوية تضرب وأنا معلق في الجو، عاجز عن صنع أي شيء. وقاذفاتنا الثقيلة التي يعرف العدو جيدًا قدرتها التدريبية الرهيبة، تُدمر الآن وهي جاثمة على الأرض لا حول لها. وبعد وقوع أول ضربة جوية معادية بخمس وثلاثين دقيقة كاملة. تساءل: كيف ولماذا أضاع مركز العمليات الرئيس، هذا الوقت الثمين، دون أن ينذر باقي المطارات التي لم تكن قد تعرضت للقصف، في أولى موجات الضربة الإسرائيلية التي بدأت في التاسعة إلا الربع؟ ويشير الى إن مركز العمليات كان صامتا تمامًا... وبرج المراقبة في القاعدة الجوية كان هو الوحيد الذي يرد عليَّ محذًرا من الهبوط بسبب تدمير الممرات معلنًا عجزه عن إعطائه أي تعليمات بالاتجاه إلى مطار آخر يكون لا يزال صالحًا للهبوط.
ويقول مرت بنا لحظات من الصمت الكئيب، ونحن نطير بلا هدف.. إلى أين نذهب..؟.. وفي أي مطار يستقر بنا المطاف..؟.. ويستطرد قائلا فجأة دبت الحياة في جهاز اللاسلكي.. اتصال من مركز العمليات... وكان يطلب طلبًا غريبًا، بدا لي وقتها، وكأنه نوع من السخرية المرة، وهو تنفيذ الخطة «فهد». ويقول كان غضبي ساعتها هائلًا، من هذه القيادة التي تذكرت فجأة ولكن.. بعد فوات الآوان أن هناك خطة اسمها «فهد» وأن هذه الخطة يُمكن تنفيذها، ويُمكن عن طريقها أن نلقن العدو درسًا قاسيًا.. ولكن متى.. وكيف؟ لقد ضاع الوقت.
وبعد تفكير أصدر أمره بالاتجاه إلى الأقصر.. ليجد المفاجأة بتعذر التزود بالوقود لعدم وجود المعدات اللازمة للتموين واستحالة الامداد بالذخيرة اللازمة، لأنه لا يوجد بالمطار ذخيرة. وضاع الوقت في محاولة استخدام وسائل بدائية لتزويد الطائرات بالوقود،
ويقول بينما نحن في هذا الوضع المزري أقبلت الطائرات الإسرائيلية، وبدأت عليه قصف المطار. ويصف مبارك احساسه ويقول إن الحرب عمل مرير، مختلفة في واقعها عما يمكن أن يقرأه عنها إنسان في كتاب، أو يشاهدها في فيلم سينمائي. لقد عشت الحرب في تلك الساعة الكئيبة من صباح 5 يونيو الحزين بطريقة سلبية بشعة على نفسي كطيار مقاتل... رأيت بعيني طائراتي الخمس وهي سلاحي في الحرب، تدمَّر أمامي.. على الأرض، وأنا عاجز عن استعمالها، عاجز عن حمايتها من الدمار... كانت لحظة رهيبة لا تُنسى... لابد أن نسقي إسرائيل من نفس الكأس... ولا بد لنا مهما طال المدى، أن نجرد طياريها من سلاحهم قبل أن يتمكنوا من استعماله... ولابد أن تذوق على أيدينا مرارة تدمير طائراتها وهي جاثمة على الأرض... في ضربة جوية قاصمة، لا تعرف الرحمة ولا تسمح للخصم بالإفلات من مصيره المحتوم.
ويقول انه يكتب هذه المذكرات انطلاقا من شعوره بالمسئولية تجاه المواطن المصري، والقوات الجوية، والقوات المسلحة المصرية كلها. ويشير الى انه تلك الضربة عرفت في الملفات السرية لوزارة الدفاع الإسرائيلية باسم «طوق الحمامة»، ويعود القدر الأكبر من النجاح الذي حققته إلى هذه الصدمة النفسية التي أصابت جماهير شعبنا المصري، وأمتنا العربية كلها، وهناك عامل آخر ساعد على إشاعة الجو الأسطوري حول ضربة إسرائيل للطيران المصري، وهو الأقاصيص والحكايات المبالغ فيها كثيرًا، التي رواها الجنود العائدون على أقدامهم - عبر سيناء، تنفيذًا لقرار الانسحاب الذي أصدرته القيادة العسكرية للقوات البرية في الوقت الذي فقدت فيه هذه القوات أي حماية جوية، فأصبحت خلال عمليات الانسحاب المتسرع غير المنظم، مكشوفة تمامًا للعدو الجوي، ومعرضة لطيرانه الذي أسكرته نشوة النصر المذهل .
ويقول إن الخطر الأكثر تدميرًا هو موقف الإنسان المصري في قضية الصراع «العربي الإسرائيلي» كان يُكمن في احتمال عاشت إسرائيل ولعلها لا تزال تحلم به، بأن تؤدي الخسائر التي مُني بها الشعب المصري كنتيجة حتمية لضربة 5 يونيو، إلى وقوفه موقف المتشكك المرتاب في القضية كلها، وأن ينتهي به هذا الموقف المتردد، إلى رفض كامل في النهاية، يعقبه انعزال مصر عن القضية برمتها.. وتلك أعذب أمنيات الفكر الإسرائيلي.. أن تنجح في الوقيعة بين الإنسان المصري وبين أمته العربية جمعاء، وقيعة تنتهي إلى انعزال مصر.. ويستطرد قائلا رغم ما حققه جيش مصر البطل بكل أنواعه وأسلحته من بطولات في السادس من أكتوبر، تعتبر كما قال الرئيس الراحل محمد أنور السادات «معجزة عسكرية بأي مقياس من مقاييس الفكر العسكري» .. ويشير الى اسرائيل ويقول لقد وصل بهم خداع النفس القائم على الغرور والغطرسة والاستسلام دون وعي لنشوة النصر غير الطبيعي... بينما قادة إسرائيل يعرفون بينهم وبين أنفسهم أن نصرهم في 5 يونيو... كان غير طبيعي في مجمله.. أقول: وصل بهم خداع النفس... إلى الحد الذي دفع بأحد قادتهم العسكريين الكبار، رئيس الأركان دايفيد إليعازر إلى أن يصرح قبيل 6 أكتوبر، للصحافة العالمية، بأن «البحر الأحمر قد أصبح بفضل الطيران الإسرائيلي.. ذراع إسرائيل الطويلة القوية إلى بحيرة إسرائيلية... وعلى العرب جميعا أن يوطنوا أنفسهم على هذا كأمر واقع يتصرفون على ضوئه».
ويقول إن «حاييم بارليف» صاحب الخط الشهير الذي أنفقت إسرائيل على إقامته وتحصينه مئات الملايين من الدولارات.. ثم.. انهار بعد ساعات ست من الضربات القاسية التي كالها له المقاتل المصري الشجاع المدرب جيدًا، المسلح جيدًا - «حاييم» هذا، يصرح يوم 5 فبراير 1971 لوكالة الأنباء الفرنسية، بقوله: «ليس لدى المصريين أدنى فرصة للنجاح، إذا هم حاولوا عبور القناة، من المؤكد أن لديهم الوسائل اللازمة لمثل هذه المهمة، ولديهم خطط للعمل، ولكن ما ينقص مصر... هو الجيش الذي يستطيع أن يخطط... وينفذ... ويقاتل».
ثم يعود في 8 مارس العام 1973 ليصرح بقوله: « أقول باختصار إذا استأنفت مصر القتال، فإن إسرائيل لن تخسر موقعًا واحدًا».
وقد كان «موشى ديان» فيلسوف المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، الذي تحطم هو وكل نظرياته عن «الأمن الإسرائيلي» فوق صخرة 6 أكتوبر، يؤكد دائمًا وفي كل مناسبة بأن «مصر لن تحارب قبل عشر سنوات إذا هي فكرت في الحرب فعلا».. وهو أيضًا القائل: «إن الجبهة المصرية لا تستحق من جهد جيش إسرائيل أكثر من ستين دقيقة».
ويقول لم تكن هذه التصريحات تعني عند العسكرية المصرية، سوى معنى واحد.. أنه حدثت بالتدريج، ومن دون قصد من العدو وبقصد كامل من جانبنا عملية تبادل للمواقع النفسية. وكانت حمى التصريحات التي انتابت قادة إسرائيل، متفقة تمامًا مع الأهداف الخفية للعسكرية المصرية، ولكن خطرها الذي كنا نعمل له ألف حساب، هو تأثيرها على المواطن المدني، الذي لا يعلم ما نعلمه نحن العسكريين سواء بالنسبة لقوة العدو، أو لقوتنا المتزايدة باستمرار.
ومن هنا كان الإحساس الخطير بالمسئولية، عن ضرورة نجاح إعلامنا العسكري بالذات في تحقيق المعادلة الصعبة التي تتمثل في الاستمرار في خداع العدو المغتر بقوته، المنتشي بنصره السريع في 5 يونيو 1967، مع الحفاظ في نفس الوقت على الدعائم الضرورية لسلامة نفسية المواطن المدني، والاحتفاظ له بالقدر الكافي من الثقة في قواته المسلحة، ثقة تصد عنه الهجمات الضارية التي تشنها عليه أجهزة الحرب النفسية لدى إسرائيل.
وللحقيقة والتاريخ، فقد كانت تلك عملية شاقة على جميع الأطراف.. سواء بالنسبة لأجهزة الإعلام عامة، والإعلام العسكري خاصة.. أو بالنسبة للمواطن المصري، الذي استمد من شجاعته وصلابته الأصيلة، القدرة على الصمود في مواجهة الحرب الدعائية للعدو، وعدم الاستسلام للسموم الخبيثة التي كانت أجهزة العدو المدربة، تبثها بجميع الوسائل المستحدثة.
ويتذكر مبارك ويقول أخيرًا... حلت ساعة الصفر، التي استبعد العدو مجيئها، بينما عاشت الملايين في مصر والأمة العربية كلها، تتحرق شوقًا للقائها.. وفي الساعة الثانية من بعد ظهر السادس من أكتوبر العام 1973، وتنفيذًا لأمر القائد الأعلى الرئيس السادات، عبرت مئتان وعشرون من طائراتنا القاذفة الثقيلة، والقاذفة، والقاذفة المقاتلة، عدا طائرات الحماية والاعتراض.. عبرت كلها وفي ثانية واحدة، وطبقا للخطة، «صِدام» الخط «س» في نفس اللحظة، لتنطلق بعده إلى مواقع العدو وشرقي القناة... كي ترد له الدين الذي فاجأها به منذ ستة أعوام في الخامس من يونيو العام 1967.
ويقول في الثانية والثلث وبعد مضي عشرين دقيقة تقريبًا، كنت في غرفة العمليات، أستقبل، «التمام» من مختلف القواعد الجوية، لكي أعيد إبلاغه في نفس اللحظة للقائد الأعلى في غرفة العمليات المركزية.. لقد نجحت الضربة «صِدام» في تحقيق أهدافها ضد العدو بنسبة تجاوزت 95 في المئة ولم تتجاوز خسائر قواتنا الجوية في هذه العملية المركزة، نسبة 1 في المئة فقط، رغم أن عدد الطائرات المشتركة فيها قارب الثلاثمئة.. وهي نتائج تعتبر وسام شرف لأي قوة جوية في العالم، لأنها حطمت جميع الأرقام القياسية العالمية السابقة، سواء في عدد الطائرات المشتركة في ضربة واحدة.. أو في نسبة تحقيق الأهداف ضد العدو، أو هبوط نسبة الخسائر بين القوة المهاجمة.
ويقول ان أجهزة الإعلام الإسرائيلية عمدت عشية «حرب الأيام الستة» كما سموا معارك 5 يونيو إلى التهويل الأسطوري الذي يقترب من حد الخرافة، في حديثهم عن الضربة الإسرائيلية للطيران المصري.. ولولا صلابة الإنسان المصري عقلا وعاطفة، لانهار بناؤه النفسي أيام هذه الحرب النفسية الضاربة.. وإذا كان الطيران المصري قد استطاع أن ينتقم لنفسه في 6 أكتوبر، وأن يرد الصفعة بصفعات أشد عنفًا وقسوة على العدو المتغطرس.. فإن الواجب نحو الطيار المصري المقاتل، الذي كتب خاتمة سعيدة ومشوقة لملحمة بدأت بداية حزينة في 5 يونيو 1967، يحتم أن يعرف أهله وذووه، ماذا فعل لهم ومن أجلهم.. في معارك السادس من أكتوبر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.