هيكل.. والطيران.. وأكتوبر! إن بطل الحرب الحقيقي هو الإنسان العربي العادي وما كان ولا يزال كامنا في أعماقه إلي جانب ما كان ولا يزال يحمله من السلاح! كيف يمكن مثلا تفسير أن بعض الطيارين قاموا بست وسبع طلعات في يوم واحد؟ كيف يمكن تفسير حقيقة أن طيارا مصريا يقود طائرة من طراز ميج17 استطاع أن يهاجم وأن يسقط طائرة إسرائيلية من طراز ميراج... والميراج أقوي من الميج17 بغير جدال, وإذن فإن الفارق كان في الإنسان الحي ولم يكن في آلة الحرب! ولقد قال لي بعض من سألت من الخبراء العارفين.. إن الطيارين كانوا يحسون أن هناك من وضعوا جزءا كبيرا من نكسة سنة1967 علي عاتق الطيران والضربة الأولي التي أصابته صباح5 يونيو1967, ولقد أرادوا هذه المرة أن يثبتوا- برغم كل شيء- أنهم علي استعداد للمواجهة مهما كان الثمن. ولم يكن هذا التفسير كافيا لإقناعي ولعلي أعترف أن طيارا إسرائيليا أسيرا أعطي إجابة أكثر قدرة علي الإقناع.. كان الطيار الإسرائيلي ضمن تشكيل أغار علي قاعدة من القواعد الجوية المصرية في الدلتا وأصابت وسائل الدفاع الجوي المصري طائرته بصاروخ وقفز هو بالمظلة بينما هوت طائرته محترقة علي أحد الحقول الخضراء ونزل بالمظلة ليجد كمينا في انتظاره قام بأسره ودخل به إلي القاعدة الجوية التي جاء لمهاجمتها... وتصادف وقتها أن قائد الطيران المصري بنفسه كان في القاعدة وأتيحت له الفرصة ليري الهجوم الإسرائيلي ويتابع نتائجه, وحين عرف أن أحد المهاجمين من طياري العدو قد وصل إلي القاعدة أسيرا فإنه طلب أن يراه. وقال قائد الطيران المصري للطيار الإسرائيلي الأسير.. إنني رأيت هجوم تشكيلك علي هذه القاعدة الجوية ولم يكن مستواكم في الهجوم كما توقعت... لقد كنا نظنكم أكفأ من هذا.. ماذا حدث لكم.. هل تغيرتم؟ ونطق الطيار الإسرائيلي الأسير- نطق بالحكمة كلها- قائلا بالحرف: سيدي.. أنتم الذين تغيرتم! ... هذا ما كتبه الكاتب الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل عن القوات الجوية خلال حرب أكتوبر في مقاله الشهير بصراحة تحت عنوان: السلام البعيد.. البعيد! بتاريخ2 نوفمبر...1973 ولا تعليق!
خير الكلام: إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه.. فصدر الذي استودع السر أضيق!