الذى يقرأ بتمعن مسودة الدستور التى وضعتها لجنة العشرة، سوف يلفت انتباهه بشدة المواد الخاصة بالقضاء والقضاة، حيث يكتشف فى مادتين منها ما يثير القلق والريبة، أو ما يعيدنا لسنوات التمييز بين المواطنين، ويستحضر أزمة مسودة وثيقة السلمي. تنص المادة الأولى رقم 158 من مسودة لجنة العشرة على التالي: «تقوم كل جهة أو هيئة قضائية على شئونها، ويكون لكل منها موازنة مستقلة تدرج فى الموازنة العامة للدولة رقما واحدا، ويؤخذ رأيها فى مشروعات القوانين المنظمة لشئونها، وتقر بموافقة ثلثي أعضاء مجلس الشعب». نص المادة يذكرنا بالأزمة التي نشبت كما سبق وقلت بالمواد الخاصة بالقوات المسلحة فى وثيقة السلمي، المادتان التاسعة والعاشرة، وتحديدا المادة التاسعة التي كانت تتناول ميزانية القوات المسلحة، والتى اشترطت أن تقتصر مناقشة ميزانية القوات المسلحة على المجلس الأعلى للقوات المسلحة بعيدا عن مجلس الشعب، واشترطت أيضا أن تدرج الميزانية فى موازنة الدولة رقما واحدا دون ذكر أوجه إنفاق هذا الرقم: «.. ويختص المجلس الأعلى للقوات المسلحة دون غيره بالنظر في كل ما يتعلق بالشئون الخاصة بالقوات المسلحة ومناقشة بنود ميزانيتها على أن يتم إدراجها رقماً واحداً فى موازنة الدولة»، وعندما نشرت الوثيقة لأول مرة قامت الدنيا ولم تقعد، واتهم بعض النخب، ومن بينهم قضاة، هذه المادة بعدم الشفافية والتشجيع على الفساد، وطالبوا أيامها فى الصحف والفضائيات وفى مجلس الشعب وفى المقاهي أن تخضع ميزانية القوات المسلحة لمناقشة أعضاء المجلس، وأمام الضجة المثارة سحبت الوثيقة وطرحت مرة أخرى بعد إدخال تعديلات على المادتين، وتم نقل ميزانية القوات المسلحة من المادة التاسعة إلى المادة العاشرة، كما تم سحب مناقشة الميزانية من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ونقلت إلى مجلس الدفاع والأمن القومي: «أن ينشأ مجلس يسمى، مجلس الدفاع والأمن القومى الوطنى، ويتولى رئيس الجمهورية رئاسته، ويختص بالنظر فى الشؤون الخاصة بوسائل تأمين البلاد وسلامتها، كما يختص بنظر ميزانية القوات المسلحة، على أن يتم إدراجها رقما واحدا فى موازنة الدولة..». وقد نقلت جماعة الإخوان المادة بميزانيتها إلى دستور 2012 بعد أن حذفت جملة «رقما واحدا»، وأخذت بمبدأ مناقشة ميزانية القوات المسلحة بعيدا عن مجلس الشعب، وذلك فى المادة 197: «ينشأ مجلس للدفاع الوطني، يتولى رئيس الجمهورية رئاسته .. ويختص بالنظر فى الشئون الخاصة بوسائل تأمين البلاد وسلامتها، ومناقشة موازنة القوات المسلحة، ويجب أخذ رأيه فى مشروعات القوانين المتعلقة بالقوات المسلحة؛ ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى». بالطبع نحن نرفض تماما فكرة ادراج ميزانية الهيئات القضائية رقما واحدا، ونطالب لجنة الخمسين أن تخضع ميزانية الهيئات القضائية ضمن الموازنة العامة وخضوعها للجهاز المركزي للمحاسبات ولمناقشة ممثلي الشعب المصري في البرلمان، فقد قمنا بثورة لكي نقضى على التمييز وعدم الشفافية ولتطبيق العدالة الاجتماعية. المادة الثانية التي تثير القلق بمسودة لجنة العشرة، هي المادة رقم 159، والتي تسمح للقضاة بالجمع بين عمله الأساسي والعمل الإضافي كمنتدب وأن يجمع بين راتبين، ما يصرفه عن عمله وما سيصرفه من الجهة التى ينتدب إليها: «القضاة مستقلون غير قابلين للعزل، لا سلطان عليهم فى عملهم غير القانون..ويحدد القانون شروط تعيينهم وإعارتهم وندبهم وتقاعدهم..». وكما رفضنا إدراج ميزانيتهم كرقم واحد نرفض أيضا جمعهم بين وظيفتين ومرتبين، ووجه اعتراضنا ليس على المبالغ التي يصرفونها فقط، بل لأن القاضي الذي ينتدب سيخضع لمطالب رئيس الجهة التي ينتدب إليها، يؤول ويفسر ويفتش عن ثغرات ويبرر قرارات وذلك لكي يحافظ على المرتب الذي يتقاضاه(80% من راتبه بالقضاء). وقد انتبهت جماعة الإخوان لخطورة الانتداب على هيبة القضاة وشفافيتهم واستقلاليتهم، فاشترطت في المادة 170 من دستور 2012، أن ينتدب بشكل كامل إلى الجهة التي تطلبه، بحيث لا يجمع بين وظيفتين ولا بين مرتبين:» ويحدد القانون شروط وإجراءات تعيينهم .. ولا يجوز ندبهم إلا ندبًا كاملاً، وللجهات وفى الأعمال التي يحددها القانون؛ وذلك كله بما يحفظ استقلال القضاء وإنجاز أعماله». من هنا نطالب لجنة الخمسين أن تنتبه لمشكلة ميزانية الهيئات القضائية، وأن يدرجها ضمن موازنة الدولة وتخضع لمناقشة أعضاء مجلس الشعب مثلها مثل سائر الهيئات والوزارات، كما نطالبها بأن تلغى الانتداب الجزئي الذي يجمع فيه القاضي بين وظيفته بالمحاكم ووظيفته بأحد الهيئات الحكومية، لأن هذا يفتح بابا لإفساد القضاة وعدم الشفافية، فضلا عن إهدار أموال الدولة وتمييز بعض الشرائح ماديا عن غيرها.