تعرض مصطلح «الإصلاح» لكثير من الخلط والعبث الفكري من قبل بعض المنهزمين أمام الحضارة الغربية، ففرغوا الإصلاح من مضمونه الشرعي وجعلوه غطاء على «تحريف الدين» و«إبطال الشريعة» حتى أصبح مصطلح «الإصلاح» يثير الريبة والتوجس والقلق بين عامة المسلمين. ولا شك أن الصلاح هو الغاية المطلوبة من العباد في الاعتقاد والأقوال والأعمال، فبغير الصلاح لا يقبل أي عمل ولا تحصل أي قربى،ولا توضع البركة في الأموال والأنفس والثمرات، وإن من الأشياء العظيمة أن يكون الإنسان صالحاً في قوله وعمله، ولكن الأعظم من ذلك أن يكون مصلحاً في قوله وعمله، فالصالح قد اكتفى بنفسه عن الخلق، وأما المصلح فقد حمل هموم الخلق، وتصدى لإصلاحهم، وأن الصلاح يستجلب به الخير والبركة والنماء، أما الإصلاح فيدفع الله به عن البشر الشر والهلاك. وتبدأ قصة الصلاح والفساد من قبل خلق ابن آدم، حيث تخوفت الملائكة من وجوده في الأرض لأنها صالحة سليمة نقية، وقد يأتي اليها هذا المخلوق فيفسد فيها، قال تعالى (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون) «البقرة 30». ونوع الاستفهام هنا - كما قال البلاغيون - هو استفهام استرشادي وليس استفهاماً استنكارياً، وإنما هم يسألون عن الحكمة في ذلك، فيقولون: ياربنا! ما الحكمة في خلق هؤلاء مع أن منهم من يفسد في الأرض ويسفك الدماء؟ قال: إني أعلم ما لا تعلمون. وقد علمت الملائكة من علم الله تعالى أنه لا شىء أبغض إلى الله من سفك الدماء والفساد في الأرض، وهذا هو المتحقق في هذا الزمن على يد بني آدم، فإن سفك الدماء ظاهرة مألوفة. والإصلاح مهمة الأنبياء - عليهم السلام - ووظيفتهم الأساسية وفي ذلك قال الله تعالى على لسان شعيب عليه السلام: (قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقاً حسناً وما أريد أن أخالفكم الى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب) «هود 88». وقد بعث الله الأنبياء إلى أقوامهم للإصلاح ومحاربة الفساد والمفسدين. ورغم ذلك لا يختلف الأمر قديما عنه في العصر الحديث، فقد حاول المفسدون اختطاف هذا الشعار العظيم ومنهم فرعون حيث اتهم موسى عليه السلام - وهو من المصلحين للناس في عقائدهم، ومرشدهم إلى ربهم - اتهمه فرعون بإظهار الفساد. وكعادة المنافقين في كل زمان ومكان تشابهت قلوبهم فاتحدت مشاربهم، يظنون أنهم على خير، وأنهم حماة الإصلاح ورواده، فقد ادعى المنافقون قديماً أنهم مصلحون، قال تعالى: (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون) «البقرة 11». الضابط الذي يميز بين المصلح حقيقة وبين مدعي الإصلاح بالباطل هو رب العالمين، قال جلا وعلا: (والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم إن الله عزيز حكيم) «البقرة 220». إن أعظم إصلاح جاء به القرآن العظيم هو شريعة الله المحكمة وفرائضه الشرعية العادلة التي جاء بها القرآن في الحدود والمواريث والأحكام والتي تسعد المجتمعات وتهنأ إذا طبقتها. إمام وخطيب جامع السيدة زينب