المتابع للإعلام الغربي بعد سقوط عصابة الإخوان المسلمين ومعها المخطط الشرير لتقسيم المنطقة بمعونة العملاء المحليين، يدرك الى أي درجة من الحقد والغل يشعر الغرب لفشل مخططه الذي تتزعمه أمريكا، أمامنا في هذا المقال صورة لهذا الحقد المسعور نشرتها جريدة «الجارديان» البريطانية في 20 أغسطس، كاتب المقال هو الصحفي الصهيوني الشهير دافيد هيرست، وعنوان المقال هو «لماذا تخاطر السعودية بتأييد انقلاب مصر». يقول هيرست إن الملك عبد الله يخشى الإخوان المسلمين الذين يتحدون زعم السعودية بأنها هى حامية الإسلام، لقد انتظرت المخابرات الأمريكية CIA حوالي ستين عاما قبل الاعتراف بدورها في تدبير الانقلاب البريطاني ضد رئيس الوزراء الإيراني مصدق في أغسطس سنة 1953، ولكن تأييد السعودية للانقلاب في مصر الذي عمل رئيس المخابرات السعودي الأمير بندر بن سلطان المستحيل لنجاحه كان تأييدا فورياً، فعندما أدى عدلي منصور رئيس المحكمة الدستورية في مصر اليمين كرئيس مؤقت للجمهورية، أرسل له الملك عبدالله مهنئا ومشيداً بجيش مصر الذي أنقذها من الدخول في نفق مظلم. وتلا ذلك قيام الملك السعودي يوم الجمعة الماضي بالإدلاء بحديث صريح لدرجة لا تعتادها السعودية، قال الملك: «فليعلم العالم كله أن شعب وحكومة السعودية وقفت ومازالت واقفة اليوم بجانب إخوتنا في مصر ضد الارهاب والتطرف والتحريض، وضد كل من يحاول التدخل في شئون مصر الخارجية»، وكان هذا حديثاً غير عادي ليس فقط لأن عبدالله كان يلمز حليفه الأكبر أمريكا بكلامه، وكذلك يلمز دويلة قطر المنافسة للسعودية التي اتهمها الملك بأنها تشعل نار التحريض وتدعم الارهاب الذي تدعى محاربته، كان حديث الملك نادراً لأن الملك الذي اعتاد على الدبلوماسية الهادئة من وراء ستار كان هذه المرة صريحاً وعلنياً. وعززت السعودية تأييدها لمصر بالمال والبترول، ووضعت مبلغ 12 مليار دولار في خطة مساعدة تضم دولة الامارات والكويت لمساندة مصر، وهو مبلغ يمثل أربعة أضعاف ما تساعد به أمريكا والاتحاد الأوروبي مجتمعين مصر، وعند عودة وزير الخارجية السعودية سعود الفيصل من زيارة للرئيس الفرنسي وعد بتعويض مصر عن أي خسارة للمساعدات التي يقدمها لها الاتحاد الأوروبي وأمريكا، وكان هذا التصريح هو أكبر دليل على مدى عجز أوباما في الشرق الأوسط، وهو العجز الذي يبرزه أقرب حلفاء أمريكا عسكريا في المنطقة. وذهب الأمير بندر كذلك الى موسكو التي تقف من الحرب الأهلية في سوريا موقفا معاكسا للموقف السعودي، ولم يكن هذا التعارض في الموقفين مانعاً من نجاح زيارة بندر لموسكو، فقد اتفق الجانبان على إبقاء أسعار النفط عالية، وجمعت بينهما الكراهية المشتركة للإخوان المسلمين الذين يعتبرهم كبار المسئولين في الخارجية الروسية متطرفين اسلاميين، تشعر روسيا بأن لديها كل الأسباب لخشية الإسلام السياسي، فبداخلها أقلية مسلمة في القوقاز سيصل عددها 19 مليوناً أي 14٪ من الشعب الروسي بحلول سنة 2020، وقد قال مسئول روسي متهكما لزميله الأمريكي: «هل جننتم حتى تفضلوا أصحاب الذقون على لابسي الكرافتات؟» فلماذا قررت المملكة الشهيرة بالحرص الشديد في سياستها الخارجية وضع كل البيض في سلة واحدة، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار هشاشة الأوضاع في مصر وعدم ضمان أي الجانبين سيتغلب على الآخر في النهاية؟ فلماذا ساندت السعودية قادة الانقلاب في مصر علنا؟ وقد شكر الجنرال السيسي السعودية معلنا أن مساندتها لمصر غير مسبوقة منذ وقوفها مع مصر خلال حرب يوم الغفران ضد اسرائيل سنة 1973. تقول الدكتورة مها عزام مساعدة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال افريقيا في مؤسسة شاتهام هاوس إن مساندة السعودية الملتهبة للانقلاب في مصر لا تدهشها، فقد دهش السعوديون من تخلي أمريكا عن أقرب حلفائهم في المنطقة حسني مبارك، وعبروا عن ذلك صراحة خلال محاكمة مبارك، رأى السعوديون مبارك يسقط ويحل محله الإخوان المسلمون منافسو السعودية في الزعم بأنها حامية الإسلام، وقد رأى السعوديون أمامهم خطرا قاتلاً هو الديمقراطية مع الاسلام تحت حكم الإخوان المسلمين،وكان هذا الخطر القادم كفيلاً بتدمير مصداقية المملكة السعودية في المدى الطويل، كان السعوديون يدركون جيداً أنهم لا يريدون الديمقراطية، ولكن أن تزعم جماعة أخرى أنها تمثل الاسلام فهو الشىء الذي لا يمكن للسعوديين احتماله. لدى الملك عبدالله أسباب وجيهة للخشية من الإخوان المسلمين الذين زاد التأييد لهم في السعودية زيادة كبيرة منذ انقلاب 3 يوليو، زاد التعاطف مع محمد مرسي على صفحات التويتر السعودية، وزاد التأييد لهم في الصحف التي تطبع شعار رابعة العدوية «الأصابع الأربعة»، ولكن الملك لا يهتم كثيراً بإثارة استياء الطبقة المتوسطة والمثقفين الذين قامت مجموعة من 56 شخصاً منهم باصدار بيان يصف 3 يوليو بأنه انقلاب عسكري دون شك، وهو غير شرعي وعمل اجرامي، ولكن أن يقوم امام المسجد النبوي في المدينة بانتقاد تأييد الملك لمصر خلال خطبة الجمعة فهو أمر مختلف تماما. وقد ردت الأسرة الملكية على هذا الهجوم الاعلامي عليها بطرد الواعظ الكويتي طارق السويدان ذي الصلة القوية بالإخوان المسلمين، وللسويدان قراء على التويتر يبلغون 1.9 مليون شخص، طردته السلطات السعودية من عمله قائلة انه لا مكان في قناة «الرسالة» التي كان يعمل بها لأصحاب الآراء المنحرفة، ولكن هذه سياسة خطرة. وقد قاوم مرسي مهاجمة أعدائه الإقليميين بسبب الأموال التي كانوا يتلقونها من قنوات التليفزيون، وكانت أسباب امتناع مرسي عن مهاجمتهم عندما كان رئيساً أن هناك مليونين من المصريين يعملون في السعودية، وكانت تحويلاتهم المالية لمصر حيوية لمساندة اقتصادها المتدهور، لذلك خشى مرسي لو هاجمهم أن تطردهم السعودية وتسبب له مشكلة ضخمة، ولكن المصريين في السعودية حالياً ليسوا مشكلة الإخوان المسلمين بعد سقوط مرسي وليسوا مسئوليتهم،ولكن قد يعقب وجودهم حملة شرسة لزعزعة استقرار السعودية والامارات. وتضيف مها عزام أن هناك منطقة رمادية صغيرة جداً أمام أمريكا والاتحاد الأوروبي، فإما أن يساندوا أنظمة استبدادية مثل نظام الأسد أو يواجهوا الربيع العربي، وتقول الأنظمة القمعية انها تستطيع ايقاف المد الديمقراطي لو استعملت قوة كافية، وهذا يعني بالنسبة لأمريكا أنه لا يبقى هناك لاعب آخر على الساحة تستعمله للتوازن مع الجيش المصري. إن خطوط القتال أصبحت واضحة تماماً في العالم العربي كله، فالانقلاب العسكري في مصر وتأييد السعودية له تمثل محاولة لإعادة عقارب الساعة للوراء، وايقاف موجة الديمقراطية الزاحفة بعد اسقاط الطغاة العرب، وليس من المحتمل أن تكون هذه هى الكلمة أو المعركة الأخيرة، فالصراع يبدو طويلاً أمامنا. وإلى هنا ينتهي كلام الصهيوني المحموم الذي يسحقه الحقد على ضياع كل ما بناه الاستعمار الغربي من أطماع في المنطقة بالتواطؤ والتعاون الكامل مع عملائهم المحليين، ولا نحتاج لكبير عناء لتفنيد هذا القىء السياسي الذي يتقيؤه الحقد الغربي، فالقول بأن الأمير بندر السعودي يقف وراء «الانقلاب» في مصر يثير الضحك والشفقة على عقل القائل، ويعني ببساطة أن الغرب سيظل يتعمد أنه لم ير مظاهرة الثلاثة والثلاثين مليون مصري في 30 يونية التي اسقطت مرسي وعصابته، كما لا يرى كل جرائم الارهاب والقتل وحرق الكنائس التي يقوم بها شياطين مرسي وعصابته، أما اختتام الكاتب بأن المعركة طويلة وغير مضمونة النهاية فنطمئنه بأنها محسومة لصالح الشعب مهما قدم من تضحيات وسيعيش الغرب المتآمر علينا ليرى بعينيه الشريرة عملاء وهم يتساقطون كالكلاب المسعورة أو يفرون كالجرذان، والأيام بيننا. نائب رئيس حزب الوفد