تُوجت مطالب الشعوب التى قامت بسلسة من الثورات وبذلت دماء أبنائها من أجل الحصول على الحرية والتخلص من عصور الظلم والاستبداد بعرش جديد تعتلية شمس الحرية واستنشاق هواء العدالة الاجتماعية ..عرش تجلس عليه الإرادة الشعبية تعلن عن بداية لعهد جديد يحيا فيه المواطن حياة كريمة .. ولكن بعد انتصار إرادة الشعب جاءت محاولات الفاسدين الذين نددوا بسقوط تلك الإرادة ليفسحوا المجال لعودة الظلم فى قناع المحافظة على حقوق الوطن. ففى ظل الثورة التى قام بها الشعب التونسى مدافعا عن كرامته الانسانية فأسقط ذلك النظام البائد ورئيسه المستبد الذى أعلي راية المصالحة الشخصية وأودى به الحال إلى الفرار هاربا من بطش الثوار الذين وقفوا صامدين على موقفهم وأصروا على الإطاحة بنظامه الفاسد , وبعد القضاء على هذا النظام وقفت تونس على مفترق طرق بين الانقسامات ففريق يؤيد نظام العابدين ويشعر بالأسف لرحيل ذلك النظام الذى كان يمثل العصال السحرية لتحقيق مصالحه الخاصة دون النظر إلى مصلحة الوطن العليا ،وفريق أخر يسعى لتحقيق العدالة والحرية وتحقيق مطالب الثورة . وعلى نحو آخر، فقد ازداد الانقسام في تونس بين العلمانيين والإسلاميين منذ الإطاحة بالرئيس السابق" زين العابدين بن على" حول دور الإسلام في المجتمع والدستور الجديد الذي يتم مناقشته ، وقد أزدادت هذة الحالة بعد الانتخابات واستئثار الإسلاميين وحلفائهم بالمؤسسات وخصوصا بمهمة كتابة الدستور الجديد ما أثار مخاوف أحزاب المعارضة وجماعات المجتمع المدني التي حققت خطوات مهمة لتوحيد صفوفها وتشكيل معارضة قوية ووازنة للسلطة الحالية. ومن جهة أخرى فقد ازداد الصراع السياسى بين الحكومة والمعارضة التونسية ، حيث كانت الأخيرة تصر على تشكيل حكومة إنقاذ غير حزبية تترأسها شخصية مستقلة وتشكيل لجنة خبراء لإنهاء وضع الدستور ، رافضة الحكومة الحالية التى سيطرعليها فصيل واحد ،كما شاهدت تونس موجة سلفية تهدد القوى العلمانية والحريات الشخصية والجدير بالذكر أيضا أن تصدى المعارضة التونسية المتمثلة فى حزب نداء تونس أبرز أحزاب المعارضة إلى حركة النهضة التونسية والتى طالما سعت للاستحواذ على السلطة والالتفاف على المطالب الحقيقية للثورة ، والوقوف وراء الاغتيالات ، كما يوجد أيضا الجبهة الشعبية التى تمثل أحزابا يسارية وقومية، والتي تعتبر ثالث أهم فصيل سياسي في البلاد بعد نداء تونس وحلفائه. كما ظهرت فى الأونة الأخيرة مجموعة من مؤيدى الحكومة ومسانديها تحت شعار " "ائتلاف حماية الثورة" الذى يرتدى قناع الدفاع عن أهداف الثورة التونسية والمبادئ التى تتبناها فىقد تبينت حقيقته حيث جاء لتأييد الحكومة الحالية والذى يسيطر عليها تنظيم الإخوان التونسى. فقد كانت تونس مفجرة ثورات الربيع العربى فى المنطقة العربية ولكن فى الفترة الحالية تبدلت الأحوال وسيطرت عليها الانقسامات فى الأراء والأحزاب ، فهل ستستطيع التغلب على تلك الانقسامات وتعيد توحيد صفوفها مرة أخرى وتردد نداء الحرية ؟ هل يمكن للجانبين الاتفاق على القبول بوجود كل منهما وإيجاد نظام سياسي ديمقراطي يصالح بين قيمهما المتنافسة؟!