اقترح أعضاء المجلس الوطنى التأسيسى التونسى الهيئة المُنتخَبة ديمقراطياً والمسئولة عن إعداد دستور البلاد مشروع قانون جديداً فى 23 تشرين الثانى/نوفمبر. وينصّ هذا القانون على استبعاد السياسيين الذين كانوا على صلة بالحزب الحاكم السابق (التجمّع الدستورى الديمقراطى) من الحياة السياسية لمدّة عشرة أعوام.
يرى البعض فى الإجراء الذى قُدِّم تحت عنوان «حماية الثورة» والذى اقترحه نواب حركة «النهضة» وأيّدوه تكتيكاً لإقصاء المعارضة وضمان سيطرة النهضة فى الانتخابات المقبلة. بيد أنّ شرح صبحى العتيق، رئيس كتلة نواب النهضة، أنّ مشروع القانون ينصّ على منع أى سياسى خدم فى «التجمّع الدستورى الديمقراطى» من الترشّح للرئاسة والمشاركة فى الحياة السياسية.
بإمكان النهضة التى تسيطر على 89 مقعداً من أصل 217 فى المجلس التأسيسى، أن تُقرّ مشروع القانون بسهولةٍ وبغالبيةٍ ساحقةٍ، بدعمٍ من أربع كتل أخرى (الوفاء للثورة، والكتلة الديمقراطية، والمؤتمر من أجل الجمهورية، وكتلة الحرية والكرامة، إضافة إلى بعض النوّاب المستقلّين).
•••
قالت فريدة العبيدى، رئيسة لجنة الحقوق والحريات والعضو فى حركة النهضة: «سوف نضمن من خلال هذا القانون ألا يحكم البلاد مجدداً مَن عملوا فى ظلّ النظام السابق القمعيّ والفاسد». وقد أثار الحظر المزمع فرضه على الأعضاء السابقين فى التجمّع الدستورى الديمقراطى، جدلاً ولا سيما فى صفوف أحزاب اليسار الوسط فى المعارضة، نظراً إلى أنّ بعضها يضمّ وجوهاً من التجمّع الدستورى الديمقراطى. فقد شجبت أحزابٌ مثل «المبادرة» والوطن والحزب الحديث «نداء تونس»، مشروع القانون المقترح. ووصف خميس كسيلا، النائب عن حزب «نداء تونس» فى المجلس التأسيسى، والعضو السابق فى حزب «التكتّل» اليسارى الوسطى الذى يُقيم الآن ائتلافاً مع النهضة، مشروعَ القانون بأنّه «ثورة مضادّة» تُحوِّل بعض التونسيين إلى مواطنين من الدرجة الثانية بسبب انتماءاتهم السياسية، معتبراً أنّ هذا النوع من القوانين يشجّع الذهنية الثأرية لدى التونسيين، وهدّد ب«اللجوء إلى المؤسّسات الدولية لإسقاطه».
فى هذا الإطار، رأى المحلّلون أنّه لا يجوز أن تستند العملية الديمقراطية الانتقالية فى تونس إلى الإقصاء. يقول قيس سعيد، خبير القانون الدستورى فى كلية العلوم السياسية فى تونس، إن اقتراح مثل هذا القانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية: «الناس هم الذين يقرّرون مَن يريدون أن يُقصوا من السياسة». والأمر سيان بالنسبة إلى كامل مرجان، وزير الخارجية السابق فى نظام بن على الذى يرأس حالياً حزب «المبادرة»، والباجى قائد السبسى، الثمانينى الذى يرأس حزب «نداء تونس» والذى كان وزيراً للداخلية فى ظل حبيب بورقيبة، وتسلّم رئاسة الحكومة مؤقّتاً خلال الفترة الانتقالية. فكلاهما يعتبر أنّ مشروع القانون ليس سوى هجوم ذى دوافع سياسية لإلغاء الأحزاب والائتلافات القادرة على منافسة النهضة فى الانتخابات المقبلة.
ينضوى فى صفوف حزب «نداء تونس» عددٌ كبير من الليبراليين العلمانيين ممَّن كانوا فى السابق على ارتباطٍ بالتجمّع الدستورى الديمقراطى الذى كان يضمّ مليونَى عضو قبل حلّه؛ فقد وجد هؤلاء فى حزب السبسى فرصةً لإنعاش حظوظهم السياسية وضمان بقائهم، وربما استعادة الوضع القائم السابق. يرى كثرٌ فى حزب «نداء تونس» الذى يسعى إلى توحيد الأحزاب التونسية غير الإسلامية فى حكومة وحدةٍ وطنيةٍ، وسيلةً ل«حمايتهم» من التطرّف الدينى، ولتحفيز التفسيرٍ الحداثى للإسلام الذى أُطلِق فى عهد بورقيبة ثم فى عهد بن على، والذى لم تنجح النهضة برأيهم فى متابعته. ينتقد السبسى الائتلاف الحاكم بشكلٍ خاص ل«فشله» فى حماية شعبه من التطرّف الدينى والسلفية، الذين يرى فيهما خطراً متفاقماً عجزت النهضة عن حماية تونس منه، لا بل أعلنت عن دعمها لهما علناً. وهكذا، فإنّ جرأة الحزب فى التكلّم جهاراً وتبنّيه لقيم الحداثة فضلاً عن إخفاقات النهضة فى معالجة المسائل الاقتصادية والاجتماعية الملحّة، تُعزّز حظوظه فى تحقيق أداءٍ قوىّ فى الانتخابات المقبلة. وقد أظهر استطلاع للرأى أجراه مؤخّراً مكتب الاستطلاع التونسى 3C Etudes، تقارباً فى نسب التأييد الشعبى لكلٍّ من النهضة ونداء تونس.
وأعلن حزب «نداء تونس» أيضاً عن مبادرةٍ لرصّ صفوف أحزاب أخرى فى اليسار الوسط، منها «الحزب الجمهورى» و«المسار» و«حزب الوحدة الشعبية» وسواها من الأحزاب المعارِضة، استعداداً للانتخابات البرلمانية والرئاسية فى العام 2013. يعتبر السبسى وأنصاره أنّ السبيل الوحيد للوقوف فى وجه النهضة هو عبر تشكيل جبهةٍ معارضةٍ موحَّدة.
•••
قد يكون الخوف من قيام معارضة أقوى فى الانتخابات المقبلة الدافع وراء دعم النهضة لمشروع القانون المقترح. وسواء أكان قلقهم الواضح من صعود المتعاطفين مع النظام السابق مبرّراً أم لا، فإنّ اتّخاذ إجراءٍ يستند إلى الإقصاء السياسى وتصفية الحسابات يزيد من تعقيدات العملية السياسية الهشّة التى تشهدها البلاد. فما تفعله النهضة الآن هو بالضبط ماتدّعى حماية الثورة منه؛ إذ أنّها تعمل على إرساء نظام الحزب الواحد، الأمر الذى يجعلها شبيهةً بالتجمّع الدستورى الديمقراطى ويقود إلى فراغٍ فى المعارضة.