عبر بوابة الوفد الإلكترونية سيطل علينا الدكتور أحمد حمد أستاذ الفقه والقانون السابق بجامعة قطر أسبوعياً بسلسلة مقالاته التى سيتناول خلالها عدداً من المفاهيم بالشرح والتوضيح ونعرض هنا الحلقة الثانية. السخرية السخرية هي تناول الآخرين بالقول أو بالإشارة للانتقاص منهم، أو للاستهزاء بهم، أو وضعهم وضعا مزرياً في عيون الناس ، وغالبا ما يكون الساخرون أدنى ممن يسخرون منهم في المقام الاجتماعى، أو في المكانة العلمية، أو في شرف السيرة، أو في استقامة السلوك، وقد جاء النهي في القرآن عن السخرية مشيراً إلى أن الذين توجه إليهم السخرية قد يكونون خيراً من الذين وجهوا هذه السخرية، وذلك في قوله تعالى : (( لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن )) . وغالباً كذلك ما تكون هذه السخرية بين النساء ، ولذلك انفرد النهي الموجه الي النساء : (( ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن )) ، فإن أسباب السخرية بين النساء كثيرة متعددة . ويذكر كثير من المفسرين أن لفظة ( قوم ) في الآية تعنى الرجال في مقابلة النساء، وإذاً يكون المعنى للآية : (( لا يسخر قوم من قوم )) أى لا يسخر رجال من رجال، وهذا ما يتبادر الي الاذهان. لكن أسرار التعبير القرآنى قد تخفى على بعضهم، لأن بعض السخرية قد تكون من رجل لامرأة وقد تكون من امرأة لرجل ، وقد تكون من مجموعة رجال لمجموعة نساء، وقد تكون من مجموعة نساء لمجموعة رجال، فجاءت لفظة ( قوم ) في الآية لتشمل ذلك المعنى كله، ولو جاء لفظة ( رجال ) لما شملت ذلك كله لاقتصارها في المعنى على جنس الرجال، أما انفراد النساء بلفظ النساء فلأن السخرية – كما سبق أن ذكرنا – يتسع مجالها بينهن، وتتعدد الأسباب الدافعة إلى هذه السخرية عندهن. ولأن السخرية لا يكف عنها الساخرون بمجرد النهي عنها، وجه الله – جل شأنه – هؤلاء الساخرين الي التفكير في وضع من يسخرون منهم ، فقد يكونون خيراً منهم، وأفضل كثيراً من هؤلاء الساخرين . وعندما يفكر الساخر جيدا في أمر من يسخر منه، وأنه قد يكون خيراً منه وأفضل، وأثقل في ميزان الحسنات يوم العرض عليه ، عندما يفكر جيدا في ذلك كله سيتراجع عن السخرية ويضع حاجزا بينها وبينه، لأنه يدرك أنه يوجهها الي نفسه .