العقبة التى تقف فى طريق حرية التعبير بشكل عام، والصحافة والإعلام بشكل خاص، هم من بلغوا سن التقاعد من السياسيين والقانونيين، هؤلاء مازالوا يعيشون بذهنية تكميم الأفواة وتقييد الحريات التى تربوا عليها وعاشوها طوال حياتهم، تلتبس لدى بعضهم المفاهيم وتختلط بالأخلاق والعاطفة والدين، ويطل بعضهم الآخر على الحياة الاجتماعية من نافذة الأبوى والمصلح، كما يجب ألا نغفل هنا الخطورة التى تشكلها حرية التعبير على مصالحهم وتطلعاتهم وأجنداتهم السياسية، فالصحافة والفضائيات فى قناعاتهم هى أدوات تشهير وفضح وتجريس، من هنا يجب تقييدها وتحجيمها. قبل سنتين ربما أكثر أو أقل كتبت هنا وقلت بالحرف:» إن الحريات فى المجتمعات تقاس بالمساحة المتاحة للصحافة والإعلان، وأن تقدم الدول وتحضرها واحترام كرامة الإنسان بها تبدأ من الصحافة، وسبق وقلت وأكرر اليوم ما قلت: إن الذى يجب أن يعلمه الصغير والكبير فى هذا البلد أن حرية الصحافة والإعلام هى العمود الفقرى للديمقراطية والتعددية، وهى الطريق والوحيد إلى الدولة المدنية، وأن شعبا بلا صحافة وفضائيات حرة هو شعب متخلف يعانى القهر والفساد والديكتاتورية، والذى يجب أن يعلمه الجميع كذلك وأن يكون على يقين منه: أنه لا تقدم علميًا أو ثقافيًا أو اجتماعيًا أو اقتصاديًا فى ظل صحافة وإعلام مكبل، وأن الحريات فى أى مجتمع تبدأ من الصحافة والإعلام، والذى يجب أن نعلمه أيضا أن المسئول الذى يسعى إلى قصف الأقلام وتكميم الأفواه هو إنسان فاسد، يريد أن يسرق ويقهر ويبتز الشعب، وأن الحاكم الذى يسلب شعبه حرية الصحافة والنقد، هو شخص يجب أن ندوس على رقبته بالأحذية. ما هى مناسبة هذه المقدمة الحادة؟، المناسبة ببساطة مسودة الدستور التى سلمتها لجنة العشرة إلى رئيس الجمهورية المؤقت، الذى يرجع إليها ويقرأ المادة رقم 51 الخاصة بحرية التعبير، يتضح له ان اللجنة نقلت المادة رقم 48 من دستور 2012 الذى وضعته جماعة الإخوان المتأسلمين وفرضت فيه لأول مرة فى تاريخ مصر عقوبات على حرية التعبير، وعلى وجه التحديد على الصحافة والفضائيات، هذه العقوبات هى بالترتيب: الإيقاف، والإغلاق، المصادرة(بحكم قضائى، حيث نصت المادة 48 دستور 2012 على التالى:» حرية الصحافة والطباعة والنشر وسائر وسائل الإعلام مكفولة. وتؤدى رسالتها بحرية واستقلال لخدمة المجتمع والتعبير عن اتجاهات الرأى العام والإسهام فى تكوينه وتوجيهه فى إطار المبادئ الأساسية للدولة والمجتمع والحفاظ على الحقوق والحريات والواجبات العامة، واحترام حرمة الحياة الخاصة للمواطنين ومقتضيات الأمن القومى؛ ويحظر وقفها أو غلقها أو مصادرتها إلا بحكم قضائى. والرقابة على ما تنشره وسائل الإعلام محظورة، ويجوز استثناء أن تفرض عليها رقابة محددة فى زمن الحرب أو التعبئة العامة». هذه المادة الشاذة نقلتها لجنة العشرة بتصرف فى المسودة التى قدمت لرئيس الجمهورية وجاءت الفقرة الخاصة بالعقوبات بنصها على النحو التالى:» المادة 51:» ويحظر وقفها أو غلقها أو مصادرتها إلا بحكم قضائى». أهم وآخر تعديل أضافته لجنة العشرة على نص المادة الإخوانية جاء فى الفقرة الأخيرة، حيث سمحت جماعة الإخوان فى الفقرة الأخيرة من المادة 48 بفرض الرقابة(بقرار إداري) على وسائل الإعلام فى زمن الحرب وفى فترة التعبئة العامة للحرب، لجنة العشرة أضافت إلى فترة الحرب فترة إعلان الطوارئ، وقد جاءت الفقرة فى المادة كالتالى:» والرقابة على ما تنشره وسائل الإعلام محظورة ويجوز استثناء فرض رقابة محدودة عليها عند إعلان حالة الطوارئ أو فى زمن الحرب». والاضافة التى وضعتها لجنة العشرة فى مادة الإخوان تسمح للحكومة بفرض رقابة على الفضائيات والصحف فى فترة الطوارئ، وهو مايعنى ان وسائل الإعلام ستظل تحت الرقابة مادامت حالة الطوارئ مرفوعة، وبالطبع قانون الطوارئ سوف يستمر حتى تنتهى البلاد من معركتها مع الإرهاب فى سيناء وسائر المحافظات. علاء عريبى