فى إحدى خطبه التى ألقاها أثناء التجمع المسلح فى رابعة العدوية، قال «صفوت حجازى» إن إقامته فيما سماه اعتصام رابعة ليست خوفا من الملاحقة القانونية وليست خشية من إلقاء القبض عليه، ولكنها دفاع عن الشريعة الإسلامية، وحفاظ عن معنويات المدافعين عما يسميه الشرعية، وأنه لن يغادر الميدان إلا إذا عاد الرئيس «محمد مرسى» إلى قصر الاتحادية. وما كادت قوات الأمن تشرع فى فض هذا الاعتصام المسلح حتى اختفى «صفوت حجازى» أعلى الخطباء صوتا فى الميدان، وأكثرهم تحريضا على العنف والتطاول والقتل، ألم يكن هو الذى هدد الفريق «السيسى» ووصفه «بأنه البلطجى أيا كان منصبه فهو مهدر الدم أيا كان منصبه فلا دية له عندنا»! وكان «صفوت حجازى» هو أحد الطلائع التى بادرت بالذهاب لكى تحيط بدار الحرس الجمهورى معلنا قبلها «أن هناك خطوات تصعيدية لا يتخيلها أحد» فتم الهجوم على دار الحرس الجمهورى الذى راح ضحيته 54 شخصا، وكان هو من أعلن «أن من يرش الرئيس محمد مرسى بالميه هنرشه بالدم»، وقاد المسيرات داخل الميدان التى تروج للشائعات التى تبشر المعتصمين بأن الرئيس المعزول قادم إليهم، وتروج الخرافات بأن الملائكة تحرسهم وتصوم معهم، ويعقد الزواجات غير الموثقة، ليبيح لنفسه الزواج ثلاث مرات فى نحو خمسين يوما، وحين تم إلقاء القبض عليه فجر الأربعاء الماضى على الحدود الليبية فوجئ الجميع «بالنيو لوك» الذى ظهر به للتخفى، فقد حلق ذقنه، وشعر رأسه وصبغ لحيته وهندسها على طراز «دوجلاس»، وما كاد يقع فى قبضة الشرطة حتى تذكر فجأة أنه ليس عضوا فى جماعة الإخوان المسلمين، وأنه لم يكن يوافق على 70% من سياسات محمد مرسى، وأنه طالبه بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة أو طرح نفسه للاستفتاء الشعبى، وأنه يوافق على تقديم الرئيس السابق مرسى للمحاكمة وعزله ولا اعتراض لديه من حل جماعة الإخوان المسلمين. «وصفوت حجازى» إحدى الظواهر الإعلامية البارزة التى ظهرت على السطح – ولا أقول طفحت كغيرها - أثناء ثورة 25 يناير وما بعدها،وفرضت نفسها بإلحاح على الخريطة السياسية، وكل مؤهلاتها هى الرغبة فى الاستعراض، وغواية الكاميرا التى تسكنه. وكان أبرز ما أنجزه صفوت حجازى هو الفتوى الشهيرة، التى قدمها إلى أحد شباب الفنانين لأن ينكر بنوة ابنته الشرعية له، وأن يكفر عن ذلك بذبح خمسين ناقة، وتوزيع لحومها على الفقراء، وهى الفتوى التى نفذها الفنان الشاب لفترة، ثم عدل عنها بعد ذلك، بعد أن اكتشف أنها فتوى مضروبة لا تمت للدين أو الأخلاق بصلة. وخلال ثورة 25 يناير نسب ل «صفوت حجازى» وقائع عديدة منها أنه كان يقيم سجنا فى محطة مترو التحرير تحت أرض الميدان، يجرى فيه اعتقال المتظاهرين ممن يزعم أنهم يعملون لحساب رجال الأمن، حيث يتم احتجازهم وسجنهم وتعذيبهم، أو تسليمهم إلى قوات الجيش فكانت تفرج عن معظمهم! ارتبط «صفوت حجازى» بما عرف آنذاك بمجلس أمناء الثورة، الذى لم يعر أحد أبدا ممن تكون، والذى لم يعش سوى أسابيع قليلة، ثم تفكك ولم يبق منه إلا لقب الأمين العام لمجلس امناء الثورة الذى انتحله «صفوت حجازى» لنفسه، وأخذ يوقع به البيانات التى يصدرها، ويقدم نفسه بهذه الصفة لمشاهدى الفضائيات، ويدعى بهذه الصفة نفسها إلى الاحتفالات والاجتماعات السياسية التى تقيمها رئاسة الجمهورية بينما لم يعد للمجلس الذى يمثله أى وجود، ولم يعد يبقى من أمناء الثورة أحد سواه. وهو صاحب الخطب العصماء فى المؤتمرات التى كان يعقدها «محمد مرسى» أثناء حملته الانتخابية التى ساهم فيها صفوت حجازى بنصيب وافر، وكان يرفع خلالها شعار بناء دولة الولايات العربية المتحدة لإقامة الخلافة الإسلامية وعاصمتها القدس، التى سيزحف الإخوان لتحريرها، بقيادة مرسى، بعد فوزه بالرئاسة. «صفوت حجازى» إذن نموذج لمتسلقين كثيرين اعتلوا ثورة 25 يناير ليصنعوا لأنفسهم تاريخا وهميا من لاشىء، تماما كما نفى «محمد العمدة» للمحققين انتسابه لجماعة الإخوان المسلمين قائلا» أنا بس كنت باكل منهم عيش»، كل الخلايا الإخوانية النائمة تنفى انتسابها اليهم، كل هؤلاء حولوا الدين إلى تجارة وارتزاق، ونصبوا من أنفسهم دعاة وهميين يستغلون فقر الناس وقلة وعيهم فيقتحمون عليهم بيوتهم لكى يثروا على حسابهم من جهة، ويصعدوا بأصواتهم إلى البرلمان والرئاسة من جهة أخرى، لكنهم ما يكادون يقعون فى أيدى الشرطة، حتى يتكشف ادعاؤهم وجبنهم واستعدادهم للتنصل من كل مسئولية، وأنهم ليسوا إخوانا ولا مسلمين ولا دعاة بل مجرد ظاهرة صوتية للاحتيال على الجماهير وخداعها مرتين، مرة باسم الثورة، وأخرى باسم الدين. فى التحقيق معه الذى استمر تسع ساعات أقسم «صفوت حجازى» ثلاث مرات بالله العظيم بلا أى خجل أنه لو كان يعلم أن بميدان رابعة سكينة واحدة لتركه، وانه لم يحرض على أعمال عنف ولم يكن يعلم بها ولا يوافق عليها، وأن كلمة «اللى حيرش الرئيس بالميه حنرشه بالدم» هى مجرد فولكلور مصرى لا أكثر ولا أقل، فى مجال إنكاره أنه كان يعلم بوجود أسلحة فى الميدان، وهو كلام اعتبرته النيابة فض مجالس وإلا ما وجهت إليه تهم التحريض على القتل والشروع فيه وإحراز أسلحة غير مرخصة والانضمام إلى عصابة تهدر القانون والتعدى على رجال الشرطة ورجال الجيش. «وصفوت حجازى» هو أكثر من يدفع ثمن الجرائم التى ارتكبت فى فترة الاعتصام المسلح فى رابعة العدوية بسبب خطابه الذى يحض على العنف والفتنة ويروج للانحلال باسم الدين، ولعل من امتثلوا لأوامره ممن ظلوا فى الاعتصام، وخضعوا لنداءته وأوامره سيشعرون بالندم بعد أن قرأوا أو سمعوا التحقيق معه،وبأنهم كانوا يتبعون رجلا يخدعهم، وأن شجاعته لا تبدو إلا أمام شاشات الكاميرات، فإذا وجد نفسه أمام المحقق انهار، وافتقد لأى شجاعة أدبية، وبدا فأرا مذعورا يكذب كما يتنفس، مثلما استخدم قدرته الكلامية لكى يصنع لنفسه تاريخا وهميا من العدم.